دراسة مختصرة عن التضخم الوظيفي في مؤسسات الدولة العراقية … الاسباب والحلول
واحدة من اهم التحديات التي تواجة مؤسسات الدولة والحكومة العراقية هي الزيادة الكبيرة جدا” في اعداد الموظفين ، فسياسة التعيين الحكومي المفرط وغير المدروس قد تسببت بزيادة كبيرة في اعداد موظفي الدولة ، ففي الفترة قبل ٢٠٠٣ كان اعداد الموظفين الحكومين في العراق تقارب ٨٥٠ الف موظف ، بينما قاربت اليوم على الـ ٤.٥ مليون موظف في ٢٠٢٠ ، اي تتجاوزت الخمس اضعاف .
ترجع اسباب سلوك سياسة “التعيين المفرط” الى عدة عوامل اقتصادية وسياسية على رإسها :
– الازدياد الكبير في عدد السكان والنمو السكاني السنوي المرتفع ودخول اعداد بشرية كبيرة سنويا” الى سوق العمل مطالبة بفرص عمل .
– اسباب اقتصادية تتعلق بزيادة اعداد البطالة نتيجة توقف وركود العديد من الانشطة في القطاعات الخاصة الزراعية والصناعية والتجارية منها منذ ٢٠٠٣ .
– استمرار الضغوطات الشعبية على الحكومة لتوفير مقاعد وظيفية جديدة .
– سوء التخطيط والادارة المركزي .
– اسباب سياسية منها ، استخدام “التوظيف الحكومي” كاداة لرشي الناخبين خلال الفترات التي تتزامن وتسبق الانتخابات .
– استخدام غالبية الاحزاب السياسية لاداة “التوظيف الحكومي” كممارسة لتمويل الاحزاب من خلال الابتزاز وبيع الدرجات الوظيفية على اختلاف تدرجها في الهرم الوظيفي الحكومي وكما هو معروف .
– اسباب سياسية اخرى هي استخدام سياسية “التوظيف الحكومي” الغير مدروس والمفرط لفك الحبال الملتفة على رقاب الحكومات مع كل تظاهرات شعبية غاضبة منتقدة للحكومات واداءها .
هل من الواجب على الحكومة الاستمرار بالتوظيف وتوفير درجات وظيفية مستحدثة ؟
من وجه نظر الاقتصاد ، لا يمكن لاي حكومة في العالم احتواء درجات وظيفية لكل القادرين على العمل ، فمهمة الدولة تتباين بين ( رسم السياسات الاقتصادية ، او توفير البيئة الاقتصادية الحرة ) حسب طبيعة النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدول ؛ لتوفير الفرصة للتقدم او النمو الاقتصادي الذي يوفر الوظائف للعاملين .
فالعراق يمتاز بنسبة عدد موظفين عالية جدا” مقارنة باجمالي اعداد الموظفين في جميع القطاعات ، يتزامن هذا التضخم العددي مع سوء ادارة المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع العام ، لينتج لنا اخيرا انخفاض بانتاجية الموظف الحكومي بنسبة كبيرة جدا” ، قدرتها بعض المنظمات الدولية بـ ١٠ دقائق عمل يوميا” من اصل ٨ ساعات …!!
ومن سلبيات التضخم الوظيفي :
– الضغط على موازنات الحكومية العامة مما يؤدي الى زيادة بالموازنات التشغيلية على حساب الموازنات الاستثمارية مسببه تقصير في تقديم الخدمات وبناء المنشاءات الخدمية .
– خلل في البنى الادارية للمؤسسات الحكومية بسبب اتساع حلقة الروتين الحكومي ، فالموظف الجديد غالبا” ما تحاول الادارة دمجه في السلك الاداري . على سبيل المثال بدلا” من ان تكون المهام الادارية موكلة الى اثنين من الموظفين ، اصبحت اليوم موكلة الى عشرة موظفين ، في غياب احدهم او تقصيره في اكمال مهامة الادارية ، تنقطع او تتأخر سلسلة اكمال المهمة الادارية ( المعاملة ) وتتعطل .
– ولنفس السبب الاخير اعلاه ، بسبب التضخم الوظيفي مقارنة بحجم الاعمال المطلوبة ، تقل انتاجية الموظف الحكومي حتى قدرت بـ ١٠ دقائق عمل من اصل ٨ ساعات عمل يوميا” .
– الكسل واللامبالاة والتأجيل في اداء المهام الموكلة للموظف ، هي ابرز واوضح السلوكيات الوظيفية وواحد من سماته في حالة التضخم الوظيفي .
– غياب العدالة الوظيفية ، يجب ان ننكر الجهود الاستثنائية لبعض الموظفين الذين يمثلون اعمده المؤسسات الحكومية ويتكبدون جهد اضافي كبير اذا ما قورن بنظرائهم من بقية الموظفين .
الحلول :
بالنظر لعدم قدره الدولة والحكومة على انهاء التعاقدات الوظيفية مع الموظفين او الاعفاء او تسريح او حتى طرد المقصرين والفاسدين منهم ، لاسباب تتعلق بالقوانين والتشريعات ، واسباب سياسية اخرى معروفة ، فمن الممكن للحكومة ان تتجه وتلجأ الى (( التوسع وانشاء مؤسسات حكومية جديدة ومستحدثة ))، ليتم نقل مجموعات من الموظفين اليها ، لكن من المهم ان تراعي الحكومة في هذا الامر الشروط الموضحة ادناه :
– ان تعطي اولوية لاستحداث مؤسسات قطاع عام انتاجية ( شركات انتاجية ) مع دراسة جدوى اقتصادية لتأسيسها ، متنبئة بربحيتها ، لتنتهي في نهاية المطاف لتصبح “شركات ذات تمويل ذاتي وربحية” قادرة على ان تتحمل كلفة رواتب موظفيها وربحية ، ترفع من كاهل موازنة الدولة اعباء موظفيها ، وترفد ميزانية الدولة بالارباح .
– ان تكون الاولوية الثانية لاستحداث مؤسسات حكومية ذات طبيعة خدمية ( مؤسسات بلدية ، مؤسسات خدمات الماء والكهرباء … الخ ) للمحاولة من خلالها لتأسيس مؤسسات جديدة بنظم ادارية جديدة وكوادر منتقاة وشابة من المؤسسات القديمة ذات الانظمة الكلاسيكية التي تعاني من اعتمادها على انظمة كهلة وروتينية وافتقادها لقدرة مواكبة التطور الاداري والفني .
– من الممكن ان تواجه الحكومة في خطواتها هذه تحديات التمويل الرأسمالي المتضمنة كلف المنشاءات وابنية المؤسسات الاساسية الجديدة ، من الابنية او مسقفات المصانع او البنى التحتية وحتى النفقات الرأسمالية الاخرى كالمكائن ، باستطاعة الحكومة الاستفادة من الكثير من المواقع والمنشاءات وعقارات الدولة المهملة وغير المستخدمة واعادة النظر في استخدام الكثير من مواقع الشركات وعقارات الدولة الغير مستثمرة او مستغلة وتخصيص اجزاء منها للمؤسسات والشركات المستحدثة .
– ستواجه الشركات والمؤسسات المستحدثة تحديا” اخر في التمويل التشغيلي لهذه المؤسسيات المتمثل بالمكائن والمعدات والمواد الاولية يمكن تجاوزها عبر تطبيق شراكات مع القطاع الخاص للادارة او المساعدة في الادارة لمراحل الانتاج المختلفة او توفير المواد الاولية بالآجل او وسائل التمويل الاستثماري المختلفة وغيرها من الاجراءات او الشراكات مع المصارف الاهلية والحكومية وفق مبدأ التنافس وتساوي الفرص .