23 ديسمبر، 2024 12:06 ص

التركمان والخطاب السياسي الواهن

التركمان والخطاب السياسي الواهن

بعيداً عن منطق التفحص وتأمل الظروف الصعبة التي تعيشها كركوك منذ 17 إكتوبر 2017. وبعيداً عن منطق التأني وإنتظار ما تسفر عنها المباحثات التي جرت وتجري في بغداد بين مكونات محافظة كركوك برعاية الأمم المتحدة، والتي يقال عنها بأنها قطعت أشواطاً جيدة ووصلت الى مرحلة إتخاذ القرار. وقبل بدء المباحثات المنتظرة بين ممثلي الكورد في مجلس محافظة كركوك مع ممثلي التركمان والعرب في كركوك، والقرارات والإتفاقات الايجابية التي يمكن أن تعلن وتتخذ بين مكونات المدينة، وبالتحديد بين الذين يريدون التعايش والوئام والإستقرار، للحد من إفتعال الأزمات وتهدئة الاوضاع المتوترة، وفق المعطيات المتوفرة على أرض الواقع والسعي الى التوصل لاتفاق حول آليات معالجة المشكلات الموجودة في المحافظة من النواحي السياسية والادارية والامنية.

سمعنا خطاباً سياسياً تركمانياً مرتبكاً، يعكس حال تشتتهم بين السنة والشيعة وأربيل وبغداد والداخل والخارج. خطاب غير محكوم بمعطيات الواقع، يهدف الى تكثير الخصوم وتحويل ذهن الفرد التركماني نحو قضايا ومشكلات جانبية لا تمثل أصل قضيتهم ولايمت لها بصلة. ويكشف عن الوجه الحقيقي لضيقي الأفق السياسي وطبيعة الأزمة التي تعانيها الحركة التركمانية جراء تفاقم المأزق في ظل بيئةٍ حبلى بمتغيراتٍ استراتيجية خطرة. خطاب متناقض يتسلى ويستخف بالتركمان وبالواقع في كركوك ويطلب منهم أن يقطعوا الوصل مع الكورد، ويهدد بإشعال الحرب الأهلية.

أصحاب ذلك الخطاب، وغيرهم، متأكدون من المعطيات والحقائق وتناقضاتهما، ويعرفون أن الكورد أكثرية في كركوك وضواحيها، وفي مجلس المحافظة، وفي عدد نواب المدينة في البرلمان العراقي، وفي سجلات الأحوال المدنية وحتى قوائم المواد الغذائية. ويعرفون أن الكورد لم يكونوا أبداً مصدرا للمشكلات، رغم أنه كان ومازال بإستطاعتهم، بكل سهولة، خلق المشكلات الكبيرة. ويعرفون أن الكثير من دول المنطقة، ومن السياسيين الأجانب والعراقيين يمنّون النفس بأن يكسبوا صداقة الكورد. وهذا لا يعني التهديد بقدر ما يعني التذكير بحقائق توسم السياسة، وبأن تمسك الكورد بزمام المبادرة، ووقوفهم على ناصية التفاوض لتكملة رحلة التعايش والتسامح والوئام باتخاذ إجراءات هنا وهناك، ليس ضعفاً، بل يجب أن يكون حافزاً لدفع الآخرين نحو الفعل الذي يسلك خريطة طريق منطقية. وأن يدفعهم الى السعي لوضع حد لقلق المواطن التركماني الذي بات بالفعل أكثر فهماً لماهية الصراع مع الآخرين، ولنتائج تصلّب المواقف والألتفاف على الحقائق، والتهديدات العرضية التي لا مصداقية لها، التي لا تحول المتقلبات الى ثوابت، ولا تبدل الثوابت الى متحولات. والذي يدرك أن التركمان بغير الكورد لايمكن لهم أن يكونوا شركاء في المدينة ولا يستطيعون إستعادة حقوقهم أو حتى العثور عليها.

أما حال الواهنون المتعنتين المعادين لكل ما هو كوردي، وتهديداتهم المستمرة لاستقرار كركوك في حالة تنفيذ المادة 140 من الدستورالعراقي، وإنتخاب محافظ جديد للمدينة، وفق القانون، وتطبيع أوضاعها الأمنية والإدارية، وعودة قوات الأسايش والبيشمركه لتعزيز الأمن والاستقرار السياسي والأمني وضمان السلم فيها. فهو كحال ذلك الرجل الذي حكم عليه بالإعدام مع زميل له، وعندما طلبوا منهما مايريدان قبل إعدامهما، طلب الاول : السماح له برؤية والده ووالدته ليعتذر منهما ويقبل يديهما للمرة الأخيرة ويطلب منهما السماح. أما الثاني (الذي نشبهه ببعض التركمان) فقد طلب أن يحققوا له هدفاً واحداً، وهو عدم السماح لزميله رؤية والده ووالدته.