تعريف التربية: التعريف اللغوي: لقد عَرَّف اللُغَويُّون وأصحاب المعاجم لفظة التربية بأنها : ( إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حَدِّ التمام ) و ( ربُّ الولدِ ربّاً : وليُّه وتَعَهُّدُهُ بما يُغذِّيه ويُنمِّيه ويُؤدِّبه…) . تعريف الاصطلاحي: هي مجموعة العمليات التي بها يستطيع المجتمع أن ينقل معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه، وتعني في الوقت نفسه التجدد المستمر لهذا التراث وأيضا للأفراد الذين يحملونه. فهي عملية نمو وليست لها غاية إلا المزيد من النمو، إنها الحياة نفسها بنموها وتجددها. تعريفات اخرى للتربية:
أهداف التربية :- وتصنف هنا حسب صفاتها على مر العصور :
الهدف المحافظ : وهو الهدف الذي كان سائدا في المجتمعات البدائية، حيث كان الأهل يربون الناشئة على ما كان عليه الراشدون، وكان الأطفال يتعلمون ما إن ينتظر القيام به حين يصبحون راشدين.
التربية كإعداد للمواطن الصالح : فقد كانت أهداف التربية في الدول السابقة هي إعداد الفرد لذاته وتنمية الصفات المطلوبة والمرغوبة.
التربية كإعداد يحقق الأغراض الدينية : إن ارفع العلوم حتما هو معرفة الله وصفاته، ولكن العلوم لم تقيد بهذا الحد.
التربية الإسلامية (وهي جزء من التربية الدينية): التربية الإسلامية هي عملية بناء الإنسان وتوجيهه لإعداد شخصية وفق منهج الإسلام وأهدافه في الحياة.
النزعة الإنسانية في التربية : إن التربية الكاملة هي تلك التي تمن الرجل من أن يقوم بكل الواجبات الخاصة والعامة، وقت السلم وزمن الحرب بكل حذاقة واعتزاز.
المعرفة وطريقة البحث كهدف أعلى للتربية : بدا توسع العلوم واضحا منذ مطلع القرن السابع عشر، وكان من نتائجه وقوف الفكر الإنساني أمام هذا الاتساع وقفة حائرة تتمثل في كيفية الإحاطة الكاملة بهذه المعارف، وإيجاد طريقة كوسيلة لازمة للوصول إلى المعرفة.
التنشئة الاجتماعية: هي عملية تربوية تقوم على التفاعل بين الطفل والأسرة إذاً فإن التنشئة الاجتماعية تبدأ من البيت بواسطة الأسرة حيث في جيل الرضاعة والحضانة المبكرة هي الوكيل الوحيد قبل أن تنتقل وكالتها إلى المربية في الروضة والى المربية والمعلمة في المدرسة. حيث تصبح المعلمة هي وكيلة أساسية في عملية تنشئة الطفل الاجتماعية. وعلى كل فإن التنشئة الاجتماعية الأسرية هي القاعدة الأساسية لتنشئة الطفل وكيفما يتم التعامل معه في البيت في مراحل نموه الأولى هكذا ينشأ ويترعرع ويصبح من الصعب تغيير سلوكه إنما يكون هناك حالات تعديل سلوك. وبما أن الوظيفة الأساسية للأسرة هي تنشئة أطفالهم تنشئة اجتماعية فإن الأسرة على عاتقها عمل صعب وشاق وخاصة في توفير الأمن والطمأنينة للطفل، ورعايته في جوٍّ من الحنان والاستقرار والمحبة، إذ يعتبر ذلك من الشروط الأساسية التي يحتاج إليها الطفل كي يتمتع بشخصية متوازنة، قادرة على الإنتاج والعطاء. وكذلك تعليم الطفل على المبادئ الأساسية لثقافة الجماعة ولغتها وقيمها وتقاليدها ومعتقداتها. وهذا كفيلٌ بتهيئة الطفل للدخول في الحياة الاجتماعيَّة من بابها الواسع،ويمكِّنه من السلوك بطريقة متوافقة مع الجماعة، والتكيف مع الوسط الذي يعيش فيه. وهناك الكثير من البحوث المختلفة التي أجريت، والتي تشير إلى أهميَّة الشعور بالاطمئنان في المراحل المبكِّرة من حياة الطفل، ليستطيع الوقوف في مواجهة المثبِّطات والسلبيات في مراحل لاحقة من العمر. فالتعامل مع الطفل بإيجابية ومحبة ، واحترام فرديته ، يساهم في تفتح شخصيته، وتنمية قدراته الإبداعيَّة ، وهذا موكولٌ بالأسرة التي تستطيع أن تهيئ له فرصة التعبير عن أفكارٍ جديدةٍ وإيجابية، وتوفر له فرص القراءة والمناقشة وطرح الأسئلة. أساليب التنشئة الاجتماعيَّة : تختلف طرق التنشئة في كل المجتمعات، أما المجتمع العربي ، فتتميَّز فيه طريقتان:
النهج القائم على الحوار مع الطفل ، واحترام مشاعره وآرائه ، وأخذها بعين الاعتبار، والإصغاء إليه، وترك الحرية له للتعبير بحريَّة عن أفكاره، فإذا ساد جو الأسرة نوع من الديمقراطية والتسامح، كان السبيل ممهداً لإقامة علاقة أسرية صحيحة ومتماسكة، شرط أن يكون الطفل طرفاً فاعلاً فيها، مما يمكِّنه من النمو والتفتح، وتنمية الاستقلالية والاعتماد على الذات، وتعزيز الثقة بالنفس، على ألاّ تصل إلى الخضوع لرغبات الطفل ، والانقياد لأهوائه في ما يطلب ويرغب، بل في مشاركته بالقرار الذي يتعلق به.
وهناك طريقة الاستبداد والتسلط التي تعتمد على القمع والقسوة، بحيث يتم توجيه الطفل، وفرض الأمور عليه، وقتل روح المبادرة والاستقلالية في ذاته. وهذا من الممكن أن يؤدي إلى ثورة الطفل وتمرده ومعارضته المستمرة، لكل ما تريد الأسرة منه أن يفعله، وهذا النمط من التربية ي ترك آثاراً سلبية في شخصية الطفل التي قد تستمر إلى مدى بعيد، بشكل عُقد نفسيَّةٍ تتحكم بسلوكه وتفكيره على المدى البعيد، وقد تؤثر هذه الأساليب في قدرة المراهقين على التكيُّف وعلى صحتهم النفسيَّة. وقد خَلُصَ الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى القول:
” إنَّ التنشئة الاجتماعيَّة في الأسرة العربية، بالرغم من أنَّها توفر بعض المقومات الضروريَّة للإبداع ، إلا أنَّها تُجمِّد أو تدمِّر معظم المقومات الأخرى. والمشكلة الأصعب هي : “اجتماع سِمَتي التسلطيَّة والتقليديَّة المحافظة وتفاعلهما معاً ” وعلى هذا الأساس، تُعتبر الأسرة العربية نموذجاً مصغَّراً للمجتمع العربي ذاته ، ويُعتبر المجتمع نموذجاً مكبَّراً للأسرة . ومن ناحية أخرى نجد أنَّ مؤسسات المجتمع الأخرى _ وخاصة المدارس _ تُغذِّي وتدعِّم ما بدأته الأسرة مع أبنائها في مرحلة الطفولة المتأخرة ، وترسِّخ هذا النمط من التربية. تأثير العوامل الاجتماعيَّة في سلوك الأهل: يتأثر سلوك الأهل ( الأب والأم ) بشروط البيئة والثقافة والمعتقدات السائدة والقيم الاجتماعيَّة. فهذه العوامل في العادة توجِّه سلوك الناس في حياتهم اليوميَّة، فيفرضه الأهل بدورهم على الأبناء. وهناك أيضاً الخصائص المهنيَّة لعمل الأب أو الأم، فالآباء الراضون عن عملهم هم أكثر نجاحاً من غيرهم بدورهم كآباء ، ويميلون إلى إتباع إستراتيجية الحوار والديمقراطيَّة مع الطفل بدلاً من استخدام العقاب الجسدي، وكذلك الأم العاملة تختلف عن الأم غير العاملة في طموحاتها وفي آمالها التي يكون الطفل موضعاً لتحقيقها. واختلاف الأساليب المتَّبعة من قِبل الأهل يؤدِّي إلى فروق نمائيَّة عند الأطفال. المدرسة : والمدرسة وهي الوكيلة الثانية عادة بعد الأسرة ولما في المدرسة من أثر في تربية الطفل وتنشئته اجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا وقوميا فهي تعتبر الحاضنة الأخرى للطفل ، ولها التأثير الكبير والمباشر في تكوين شخصيّته ، وصياغة فكره ، وبلورة معالم سلوكه. في المدرسة تشترك عناصر أربعة أساسيّة في التأثير على شخصيّة الطفل وسلوكه ، وهي : 1 ـ المعلم : إنّ الطفل يرى المعلّم مثالاً سامياً وقدوة حسنة ، وينظر إليه باهتمام كبير واحترام وفير ، وينزله مكانة عالية في نفسه ، وهو دائماً يحاكيه ويقتدي به ، وينفعل ويتأثر بشخصيّته . فكلمات المعلم وثقافته وسلوكه ومظهره ومعاملته للطلاب ، بل وجميع حركاته وسكناته ، تترك أثرها الفعّال على نفسيّة الطفل ، فتظهر في حياته وتلازمه . وإنّ شخصيّة المعلّم تترك بصماتها وطابعها على شخصيّة الطفل عبر المؤثرات التالية : أ ـ الطفل يكتسب من معلّمه عن طريق التقليد والإيحاء الذي يترك غالباً أثره في نفسه ، دون أن يشعر الطفل بذلك . ب ـ اكتشاف مواهب الطفل وتنميتها وتوجيهها وترشيدها . ج ـ مراقبة سلوك الطفل وتصحيحه وتقويمه ، وبذا تتعاظم مسؤوليّة المربّي ، ويتعاظم دوره التربويّ. 2 ـ المنهج الدراسي : وهو مجموعة من المبادئ التربويّة والعلميّة ، والخطط التي تساعدنا على تنمية مواهب الطفل وصقلها ، وإعداده إعداداً صالحاً للحياة . ولكي يكون المنهج الدراسيّ سليماً وتربويّاً صالحاً ، فينبغي له أن يعالج ثلاثة أمور أساسية مهمّة في عمليّة التربية ، و يتحمّل مسؤوليّته تجاهها . وهي : أ ـ الجانب التربوي : إنّ العنصر الأساس في وضع المنهج الدراسيّ في مراحله الأولى خاصّة ، هو العنصر التربويّ الهادف . فالمنهج الدراسيّ هو المسؤول عن غرس القيم الجليلة والأخلاق النبيلة في ذهن الطفل وفي نفسيّته ، وهو الذي ينبغي أن يعوّد الطفل على الحياة الاجتماعيّة السليمة ، والسلوك السامي ، كالصدق والصبر والحبّ والتعاون والشجاعة والنظافة والأناقة ، وطاعة الوالدين والمعلّم ، وإلخ . وهذا الجانب التربوي هو المسؤول عن تصحيح أخطاء البيئة الاجتماعيّة وانحرافاتها ، كالعادات السيّئة والخرافات والتقاليد البالية . ب ـ الجانب العلمي والثقافي : وهذا يشمل تدريس الطفل مبادئ العلوم والمعارف النافعة له ولمجتمعه ، سواء كانت الطبيعيّة منها أو الاجتماعيّة أو العلميّة أو الرياضيّة أو الأدبيّة أو اللغويّة أو الفنيّة وغيرها التي تؤهلّه لأن يتعلّم في المستقبل علوماً ومعارف أعقد مضموماً وأرقى مستوى . ج ـ النشاط الجانبي (اللامنهجي): وهذا الجانب لا يقلّ أهمية عن الجانبين السابقين ، إن لم نقل أكثر . ويتمثل في تشجيع الطفل ، وتنمية مواهبه ، وتوسيع مداركه ، وصقل ملكاته الأدبيّة والعلميّة والفنيّة والجسميّة والعقليّة ، كالخطابة وكتابة النشرات المدرسيّة والرسم والنحت والتطريز والخياطة ، وسائر الأعمال الفنيّة الأخرى ، أو الرياضة والألعاب الكشفيّة والمشاركة في إقامة المخيّمات الطلابيّة والسفرات المدرسيّة ، بل ومختلف النشاطات الأخرى ، لدفعه إلى الابتكار والاختراع والاكتشاف والإبداع . فإذا وضع المنهج الدراسي بهذه الطريقة الناجحة ، فإنه يستطيع أن يستوعب أهداف التربية الصالحة ، وأن يحقق أغراضها المنشودة في تنشئة الجيل الصالح المفيد . 3 ـ المحيط الطلاّبي : ونعني به الوسط الاجتماعيّ الذي تتلاقى فيه مختلف النفسيّات والحالات الخلقيّة ، والأوضاع الاجتماعيّة من الأعراف والتقاليد ، وأنماط متنوّعة من السلوك والمشاعر التي يحملها الطلاب معهم إلى المدرسة ، والتي اكتسبوها من بيئاتهم وأسرهم ، وحملوها بدورهم إلى زملائهم . فنرى الأطفال يتبادلون ذلك عن طريق الاحتكاك والملازمة والاكتساب . ومن الطبيعيّ أن الوسط الطلابيّ سيكون على هذا الأساس زاخراً بالمتناقضات من أنماط السلوك والمشاعر ـ سيّما لو كان المجتمع غير متجانس ـ فتجد منها المنحرف الضارّ ، ومنها المستقيم النافع . لذا يكون لزاماً على المدرسة أن تهتمّ بمراقبة السلوك الطلابيّ ، وخصوصاً من يسلك منهم سلوكاً ضارا ، فتعمل على تقويمه وتصحيحه ، ومنع سريانه إلى الطلاّب الآخرين ، وتشجيع السلوك الاجتماعيّ النافع كتنمية روح التعاون والتدريب على احترام حقوق الآخرين . 4- النظام المدرسي ومظهره العام : حينما يشعر الطلبة في اليوم الأوّل من انخراطهم في المدرسة أنّ للمدرسة نظاماً خاصّاً ، يختلف عن الوضع الذي ألفوه في البيت ضمن أسرتهم ، فإنّهم – حينئذ – يشعرون بضرورة الالتزام بهذا النظام والتكيّف له . فإذا كان نظام المدرسة قائماً على ركائز علميّة متقنة ، ومشيّداً على قواعد تربوية صحيحة ، فإنّ الطالب سيكتسب طباعاً جيّدة في مراعاة هذا النظام ، والعيش في كنفه . فمثلاً لو كان الطالب المشاكس الذي يعتدي على زملائه ، والطالب الآخر المعتدى عليه ، كلاهما يشعران بأن نظام المدرسة سيتابع هذه المشكلة ، وأن هذا الطالب المعتدي سوف ينال عقابه وجزاءه . فإنّ الطرفين سيفهمان حقيقة مهمّة في الحياة ، وهي أن القانون والسلطة والهيئة الاجتماعيّة يردعون المعتدي ، وينزلون به العقاب الذي يستحقّه ، وأن المعتدى عليه هو في حماية القانون والسلطة والهيئة الاجتماعيّة . ولا ضرورة أن يكلّف نفسه في الردّ الشخصيّ وإحداث مشاكل يحاسب هو عليها . إنّ هذه الممارسة المدرسيّة التربويّة تربّي في الطفل احترام القانون واستشعار العدل ومؤازرة الحقّ والإنصاف . والنظام المدرسيّ الذي يتابع مشكلة التقصير في أداء الواجب ، والتغيّب عن الدرس والمدرسة ، ويحاول حل هذه المشكلة ، فإنّ الطالب في هذه المدرسة سيتعوّد ـ من خلال ذلك ـ الضبط والمواظبة على الدوام والالتزام بالنظام وأداء الواجب والشعور بالمسؤوليّة . وكما أنّ للنظام أثره في تكوين شخصيّة الطفل وتنمية مشاعره وصقل قدراته وتقويم مواقفه وقيمه ، فإنّ للحياة العامّة في المدرسة أيضاً أثرها الفعّال في هذه المجال .