22 ديسمبر، 2024 7:29 م

التراسل المرآوي في سماوات السيسم… للشاعرة بلقيس خالد – 1

التراسل المرآوي في سماوات السيسم… للشاعرة بلقيس خالد – 1

متواليات التراسل المرآوي
لكل نص مسروداته ..سبب هذه التعددية ، للواحد النص هو،ان فهم النص لا يؤدي الى تفسير الكتاب وفق أهداف المنتج كلها،بل وفق أفق التلقي لدى القراء..اذن لدينا مسرود المؤلف، المنبثق من مخيال المؤلف وقواه الأبداعية ومسرودات القراء لنص المؤلف وهي..مسرودات منبثة من قراءات متباينة في التلقي..ترى مسرودتنا للنص ان سماوات السيسم كمنتوج أدبي يقدم ، بدوره مسروداته لنص سابق عليه هو نص شفاهي يدخل ضمن انظمة السلوك الجمعي (كموفورميا)..منها يتمأسس الوعي الانثربولوجي،وما ستقوم به الشاعرة ليست تنضيدا سيمولوجيا ،فهي لاتشتغل ضمن الارشفة التقليدية،بل سوف تكون لها منظومة فلترة للمورث
نفسه،ستنتخب ما يوائم  سيرورة نصها السردي المشعرن..من هنا تكون سيرورة أواليات السيسم،تشتغل  على…منظومة تراسلات وهي كالتالي :
*تراسل العنونة
ترى قراءتي لمنتوج الشاعرة،ان علاقة التراسل، قد يتأخر تفعيلها أحيانا
كما في هذه العينة الشعرية
(في ليلك البهيم
لاقمرٌ
على نوره تولد القصيدة../
قصيدة  صوت وصدى/ أمرأة من الرمل )(2)
ستبقى  هذه المرسلة  المعلنة في أحدى أبعادهاعلى هيئة  خلية موقوته ستنبثق منها بعد حين ثريا المجموعة الشعرية الثانية منها
(بقية شمعة: قمري)
ومن قصيدة ( سحر الحكاية)(3) سيتوالى التراسل المرآوي ،يتوالى بالتجاوز وليس بالتكرار..ستأخذ  الشاعرة بلقيس جزيئة من اواليات الحكاية ،وتدفعها للأنشطار الذري وهكذا تكون قراءتنا بمثابة أسراء في سماوات السيسم.. وهذا الترابط العضوي بين خطواتها الشعرية الثلاث ،يؤكد على برمجة د قيقة في البث الشعري لدى الشاعرة بلقيس خالد
*التراسل من حقائب الهايكو الى صندوق السيسم..
الحقيبة :فضاء مغلق ضيق صغير،يصلح في التنقل ،نشحن فيه كل ماهو ضروري،لكن الانزياح الشعري يمنح المألوف غرائبية غير متوقعة :
(- ليل بلا نجوم
:من دسه في
: حقيبتي)
ويمكن ان تحتوي الحقيبة  : المعنوي والثقافي والحقيقي
(- يغني المهاجر
:الحقيبة
بيتي
ومكتبتي
وأنكساري)
وفي الحقيبة يمكن الاحتفاظ بما يتسرب بين الاصابع
(فتح حقيبته
دس فيها سنين المحطات ) وللحقيبة قوة فضح الجواني من خلال تراسلها المرآوي..(سيرون في مرآتها
            : أسرارهم) ولها ..فضائل الشجرة
( شجرة ..كانت
حقيبة أسرار
لقاءاتنا)..
وهكذا ترى قراءتنا..(ان الاجزاء مجاميع نعني ان المجاميع مغلقة وان الكل هو السلك الذي يخترق المجاميع /ص97/ الأذن العصية واللسان المقطوع)..من خلال هذه الوظائف والصفات المجازية والحقيقية..للحقيبة ..تهيأت مواد الانتاج الشعري لذلك الفضاء الضيق والعميق في ذات الوقت
المنتسب للنجارة اليدوية التقليدية وليس لمعامل صنع الحقائب ..
زمنيا هي خطوة للخلف ،لكن شعريا هي خطوات للأمام في تفردها..
فأذا كانت للحقائب كل تلك المشيدات الانزياحية التي تضفي على مفردة حقيبة قراءات متنوعة الخصوبة..فأن مسؤولية الشعرنة في السيسم هي
هنا أرضنة السماء فكل ما يتدفق من السيسم لايتدفق ألاّ والسيسم مثّبت على أرض عراقية  وهذا الأستثناء ، هوالذي يكسر القاعدة وأستثنائيته .. هنا هي خصوصيته البشرية :
(وحده
 صندوق
جدتي
يملك ما..ينبض /ص23)..لو كان النص هكذا..(صندوق يملك ما ينبض )
لتحول غموض النص الاول الى أغماض وسياقيا سيؤدي الى خلخلة بنائية
ويجعل النص بين قوسي : المُساء معرفته( من الإساءة)  وسيكون القوس الثاني: غير القابل للمعرفة.. حسب تزفيتان تودورورف في( صندوق يملك ما ينبض) النص عائم في فضاء منعدم الجاذبية..لكن تفرد(وحده) وشخصنة (جدتي ) هما من سيشحن النص ببذخ دلالي..
وللصندوق وظيفة الالبوم الفوتوغرافي،من خلال ذاكرة العطر في نص
( عطرها اذ يمر/ص17)
*تراسل الحكي/ الماء
يتمثل ذلك في
 (-4-
لاعشبة…
في يدي
دون حكاياتها
عاطلة عن الماء
لثغتي/ص87)
ان التراسل  لابد منه بين الماء والحكي أو الروي..وحسب نولدكة ان السارد هو الراوي والراوي لغويا هو حامل الماء /ص350
*التراسل الاجناسي
لمن ينتسب كتاب (سماوات السيسم)..؟ الشاعرة بلقيس لم تجنس كتابها الثالث ..لكن هذا  الأمر لايجعل الكتاب خارج التغطية الاجناسية..
بل سعت النصوص الى توظيف الانثر بولوجي مع اعطاء مساحة من الحرية له حتى لايفقد التوظيف شفرته وفي ذات الوقت حتى لايبقى متيبسا في البيداغواجية..لذا ضخت الشاعرة في سرودها شحنة شعرنة متوازنة مع شحنة المسرود وهي توجه خطابها لمستمع متخيّل ربما يلتقي للمرة الاولى مع مفردات غيبتها ذاكرة الزمكان…فماذا تعني له مثلا
(حمارة هذا الرجل : جرباء/ ص48)؟ حين نسحب هذا السطر من النص ،يبدو في منتهى الوقعنة ،لكن حين نعيده سياقيا ونقرأ النص سنكون امام فيض علاماتي:
(أشرت ُ بيدي ..ضاحكة
: رجل مخبول ،
زعقت جدتي : أحذري..
أحذري ياصغيرتي،
حمارة هذا الرجل
: جرباء!)..
نحن أمام تحذير صاغته الجدة الكبرى مشفرا لحفيدتها، لكن السؤال هنا ..هل تفّعل الحفيدة هذا التراسل مباشرة ؟! أم سينتظر وعيا تتوفر عليه الحفيدة فيما بعد ؟!
كم نسبة البذخ في مخيال هذه الأسطر المشعرنه !!
(من لي بصوتها..
 لأغمس
خبزتي/ ص44)
(القلوب ألوان
: كيف أراها..؟
: بأذنيك/ ص53)
(لاتضربي بيدك ِ
فوهة القدح
يغيّم شخصٌ
على
ليلك ِ/ص54)
ان هذه الشفرات الانثربولوجية المشعرنة سردا، تصوغ أسئلتها للقارىءعبر مسردته لنص المؤلف وتجعله يقتفي مرجعياتها..حين لاتكون  قراءتنا أسترخائية..
في الجانب الآخر ثمة.. شفرات أنثربولوجية مفتوحة تداوليا في نصوص معينة ..منها
(أرى سفرا عاجلا
: سبق النعل
 مسيرها/ ص63)
(وهو يحدثني…
تمنيت ُ…
تمنيت ُ
العطاس…/ص71)
2-3
تراسل مرآوي/ جيلي
*أتصالية الاهداء الأنثوي
ضمن أهداب النص يتفعّل الاهداء تهدي الشاعرة كتابها..الى (هيا) و(رينا)
ولاتكتفي بتثبيت الاسمين الانثويين بل تضيف اليها..(حفيدتيّ)..إذن
هو أهداء من جدة شاعرة الى حفيدتيها..ويكشف الاهداء عن حميمية علاقة
بين جيل الجدة وجيل الحفيدتين. ونحن هنا امام تراسل مرآوي وفق المفهوم اللاكاني( نسبة الى جان لاكان ).
*تراسل مرآوي / عائلي
(جدتي : بلاغة وجه أبي
أبي : درعها /ص29)..
*تراسل اللسان / اليد
يتمثل ذلك في نص (مسرح ومدفأة)
حيث يكون تراسل النار والماء ،ترسلا مجازيا، تقوم الجدة بتقشير المجاز
لتكشف الواقعي..من خلال حركة بانتوميم.. هذا الاجراء الذهبي القيمة ،
فيه كمون اللغة..لاكمون المعنى..ذلك لأن المعنى ممسرح ،بدءا بعنونة النص (مسرح…مدفأة) وهنا تعلن قراءتي من خلال النص ذاته ان المسرح هو المدفأة..وكلية الممثلين تتدفق من  ذلك الذي صيرته الجعالة رحما لكل شيء حي..نلاحظ هنا الحفيدة أستعملت لسانها  للسؤال عن الوطن، وكمتلق لم يصلني السؤال بذاته،بل الإخبار عنه :(سألتها عن وطني…)..
وسيكون جواب الجدة نسقيا
*صوت مكتوم : تنهدت
*تراسل بالعين : تأملتني
*إحالة للكتمة: تنهدت ثانية
* ………………..
وبالتنقيط نحاول ترسيم (ثم ) وهي الفترة بين التنهيدة الثانية وبين حركة يد الجدة
*تراسل اليد: بللت كفها ،نثرت قطرات/ على سطح المدفأة
نلاحظ ان تراسل اليد له وظيفة مركزية في النص، ما سبقه عتبة..ومايلحقه : هامش لساني على المركز/ اليد
( قالت جدتي : هكذا : الوطن
               و… نحن /28)..            

3-3
التراسل التقني/ الحفيدة – الجدة
التضاد الموجود ليس بين الحفيدة والجدة بل التضاد يتشخص في كيفية التعامل مع مفردات العالم التقني..وهذا ما تتناوله قصيدة (جدة مابعد الحداثة) من خلال الفديو كيم وهنا سيتكشف لنا كيف يتباين الاستقبال لهذي اللعبة التقنية..التي تدس وعينا زائف في براءة التلقي لدى الحفيدة وهي مسرورة بعمليات القصف..فيجيء تساءل الجدة ليكسر أفق التلقي في قولها
(جدتي هذه طائرة شبح
 لاعصفورة
جدتي انظري..احترقت البصرة
انظري طائرتي تحرق البيوت/ ص12)
فيجيء تساءل الجدة ليكسر أفق التلقي :
(هل بيتنا بين تلك البيوت ياصغيرتي)
ان اجابة الحفيدة
(جدتي  هذا (فديو كيم)
:عاصفة الصحراء/ص13)
لاتعلق السؤال تعليقا فينيومولوجيا،ولاتطمئن القارىء الفطن ذلك لأن عاصفة الصحراء كلفت بيتنا البصرة خسائرنا لاتقدر بثمن..
وهذا السرد المرئي عبر الفديو كيم انتج وعيا عدائيا في احفادنا..
في المسردة المشعرنة نكون مع العقد الاول من القرن الحادي والعشرين
القرن الاول من الألفية الثالثة،سيادة العولمة/ الأمركة
ثم نكون ضمن ذاكرة العطر في( عطرها..اذ يمر) هنا تتحول الجدة التي في(جدة مابعد الحداثة) تتحول والأصح تستعيد طفولتها كحفيدة عبر ذاكرة
تذكارية بفاعلية عطرية
( زمن بارق..
يستعيدني..
ينزهني في ورداته المتوهجة عطرا/ص19)
من مفصل العطر تحديد نكون امام سارد ثان هو جدة الحفيدة التي هي الآن جدة والسرد يأتينا عبر الجدة/ الحفيدة وليس من قبل الجدة الكبرى
ثم تتسع دائرة المجايلات :الجد / الأم/ الخالة/ العم/
وهنا نكون وفق قراءتنا مع جداتنا في تنوع باذخ كما في(لاهديل في ذلك الغروب) .. يحدث قطع مع سيرورة الذاكرة التذكارية ونحن في  مركز لحظتنا المفخخة..
أنها متواليات من تراسلات مرآوية:
 حفيدة ——- جدة ———-
ثم الجدة / الحفيدة————- الجدة الكبرى
ثم..تكتمل الحلقة التراسل المرآوي في( أبتسامة جدتي)..لنكتشف الجذر الجينالوجي الرابط بين جدة وحفيدة..أليس هكذا يتم بشعرنة السرد حفظ (فقه العائلة)؟! وهذه المهمة التي لم تنجزها الجدة الاولى، ستنجزها الحفيدة
حين ستصير جدة ..
(-9-
حين ماتت
……….
جفت المياه
في وجه أمي
بعد سيكارة
: أبي
:من سيحفظ فقه العائلة..؟/ص 97)
وهذا هو التراسل المرآوي الأنثربولوجي
بين الحفيدة –الجدة وجدتها وحين نقشّر هذا التراسل سنكون ،أمام خطابين
خطاب الأنا بموازاة خطاب الأنا المضاعف وهكذا من خلال تراسل الخطابين نكون أمام اللساني و الميتالساني..في سماوات السيسم ثمة غوايات تسعى لتحويل  الأنثربولوجي الى ذاتوي فرداني من خلال شخصنته ضمن ترابية اجتماعية أسرية، لاتحول النص الى سييري
قدر ما تقترض من السييري حميميته..لتخفف من جهامة الارشفة..
*بلقيس خالد / سماوات السيسم/دار ضفاف / بغداد / الامارات العربية المتحدة/ الشارقة / قطر / الأردن.
*بلقيس خالد/ أمرأة من رمل /دار الينابيع / دمشق / 2009
*المصدر السابق /قصيدة – سحر الحكاية – ص73
*بلقيس خالد/ بقية شمعة : قمري/ دار الينابيع/ دمشق/ 2011
*تيودر نولدكة/ تاريخ القرآن / ترجمة د.جورج تامر بالتعاون مع فريق عمل مؤلف من السيدة عبلة معلوف – تامر
د.خير الدين عبد الهادي
د.نقولا أبو مراد / منشورات الجمل/ بغداد/ 2008
*مقداد مسعود /الأذن العصية واللسان المقطوعة/ دار الينابيع/ دمشق/2009