23 ديسمبر، 2024 2:36 ص

التراث الإسلامي ودوره الخطير في ثقافتنا الإسلامية؟

التراث الإسلامي ودوره الخطير في ثقافتنا الإسلامية؟

لعل محاولتنا في كتابة مقال أو دراسة تحليلية عن التراث الإسلامي، وكيف انعكس التراث بالسلب على ثقافتنا الإسلامية، أكون قد دخلت في منطقة الحذر أو منطقة الخطر. وعند البحث في دهاليز التراث الإسلامي من خلال كتب ومؤلفات التراث، تجد أن كثير من هذه الكتب والمؤلفات فيها ما يحرض على القتل والعنف تحت ستار الدين الإسلامي، إضافة إلى أن هذه الكتب ربطت مصير وهوية الأمة بالتراث. بالتالي فإن التعرض لقضية مهمة مثل قضية التراث والموروث والبحث فيه، بلا شك سيقض مضاجع سماسرة الدين ويهز عروش الطبقة الكهنوتية، وذلك لأن هذه الطبقة قد استغلت التراث أيديولوجيا وسياسيا بما يتناسب مع رؤاها ومواقفها، من ثم فإن الطبقة الدينية بنت مجدها الأسطوري على التراث الإسلامي. مع العرض أن (جماعة قال الله وقال الرسول) قد ذبحوا آلاف المسلمين وغير المسلمين الأبرياء بدم بارد بسبب التراث الإسلامي، أو لمجرد أنهم سعوا لتصحيح الكثير من المغالطات الموجودة في التراث. وللعلم تعتبر هذه الطبقة من ألد أعداء الأنبياء ولا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم حفاظا على مصالحها ومكتسباتها من الدين، وهم كذلك من أشد الداعمين للطغيان والاستبداد الى حد تبرير فساد السلاطين وإسنادهم بالفتاوى.

وإننا إذ نفهم التراث، على أنه من صنع الإنسان، ونتاج النشاط الإنساني في مراحل تاريخية متعاقبة. حيث يقول الدكتور المهندس (محمد شحرور) بهذا الصدد في كتابه، القرآن والكتاب” التراث: هو النتاج المادي والفكري الذي تركه السلف للخلف، والذي يؤدي دورا أساسيا في تكوين شخصية الخلف، في عقله الباطن، أي نمط تفكيره وسلوكه الظاهر” ص32. من هذا المنطلق لا يجوز مطلقا إضفاء هالة التقديس على التراث الإسلامي، لأن هذا التراث ليس من الوحي بل هو عمل إنساني. وإن كنت أؤمن بشكل مطلق ببعض ما جاء به التراث الإسلامي وتحديدا بما يتفق مع القرآن الكريم من أوامر ونواهي، إضافة لحتمية حدوث أخبار النبوّة، بمعنى لم نسمع بنبيّ يناقض نبيّ آخر ويدحض نبوّة من سبقه، جميع الأنبياء أتت نبوّتهم عن مصدر واحد هو الله، وإن لكل نبي كانت حجته التي يلقيها على قومه، وكانت هذه الحجة تأتي من خلال مبدأ الحوار، والحوار سمة ملازمة للدعوة إلى الله مارسها الأنبياء من قبل، بالنهاية يبقى الحوار على عاتق الدعاة من بعد الانبياء كواجب ديني، لكن كثير من الدعاة لم يمارسوا مبدأ حوار الأنبياء. إلا أن هذه القناعة المطلقة لا تلغي دور العقل والمنطق بإنكار ورفض باقي خرافات وجدليات التراث الإسلامي ودوره الخطير بالتوظيف الديني المتطرف والعنف التكفيري. بمعنى أن الخطورة الحقيقية تكمن في خطاب التراث الذي يحمل في طياته خصائص موضوعية مناهضة للواقع الحضاري المعاصر.

وتـأسيسا لما تقدم، فإن الأمة الإسلامية تعيش في الوقت الراهن حالة من (صراع القناعات) ونتيجة لهذه الصراعات، ولدت أزمات خطيرة تهدد وجودنا كشعوب عربية بصورة عامة وكمسلمين بصورة خاصة، بيد أن أخطر هذه الازمات تتجسد في موضوع الفقه، وتفسير النص، وعدم فهم للسُنة النبوية، ناهيك عن الفتاوى الدينية التي تخدم السياسة، من خلال تأجيجها للصراعات الطائفية والمذهبية والاقتتال العرقي والقومي. أما جدلية الفقهاء الخمسة، فهذه لوحدها تحتاج إلى دراسة بحثية تحليلية بصورة واسعة ومفصلة. بالتالي فنحن أمام اضطراب فكري بسبب التراث، وهذا يحتاج إلى جهد كبير لتحرير المسلمين من هذه الادبيات التي شوهت الدين الإسلامي. في الوقت نفسه فإن نقد التراث الإسلامي لا يعني إنكارا للدين، بل تحرير الفكر الديني من بعض أكاذيب التراث، وعلى المسلم المدرك والحريص على دينه النظر بحذر وتأني في دراسة التراث الإسلامي. بالمقابل لا بأس أن نتقبل وجهة النظر العلمانية من باب قطع الطريق على استغلال الطبقة الدينية الكهنوتية المتطفلة على استغفال عقول البشر، لأن الدين نفسه ليس منزها عن الفساد، فاليهودية والمسيحية ودين الإسلام ليست جميعها كما كانت على عهد الأنبياء أنفسهم. وحتى لو قبلنا منطق العلمانية وتحديدا في قضية (فصل الدين عن الدولة وإن الدين من ابتكار العقل البشري) فهذا المنطق سيمنح الأنبياء مقدرة عالية في السياسة وعلم الاجتماع لمستوى خلق رقيب وازع في ذات البشرية ويحد من انفلات عقال المجتمعات. ربما لم يفطن الكثير لموضوع فصل الدين عن الدولة الذي ظهر مع بداية عصر النهضة في أوروبا، بمعنى أدق فصل الكنيسة عن الدولة كما جاء في كتابات الفيلسوف الإنكليزي (جون لوك) في كتابه الشهير (العقد الاجتماعي) ومن ثم انتشرت افكار لوك خلال القرن الثامن عشر، حيث دعى الفيلسوف والسياسي الفرنسي (مونتيسكيو) إلى التسامح الديني وغيرهم من فلاسفة عصر التنوير. في نهاية الأمر أصبح مصير الديانتين المسيحية واليهودية في المعابد والكنائس فقط. أما نحن المسلمون، فقضية العلمانية ومبدأ الفصل الدين عن الدولة في رأي الطبقة الكهنوتية تعتبر العدو الأول للإسلام، والخطر الذي يواجه المسلمين، بل العلمانية هي الحرب على الإسلام بحسب وصفهم. وعليه فإن كل من يروج للعلمانية في مجتمعاتنا ويدعى إلى فصل الدين عن الدولة، فهو من المنجمين والمشعوذين والدجالين من وجهة نظر سماسرة الدين.

في السياق ذاته، كم صُنعت وتم صنع أحاديث نسبت زورا إلى رسول الله (ص) وإلى أصحاب رسول الله، وإلى أهل بيته الأطهار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. مع أنه ليس لي الحق بأن أقرر مدى صحة مثل هذه الأحاديث، لكن أقر بعدم اليقين بها كونها لا تسمو إلى منزلة الرسالة، بغض النظر عمن قالها ولمن تنسب. وذلك لأن السيرة النبوية من الأحاديث والمواقف التي تثبت وتجزم بتسامي رسول الله عن هذه الصغائر الفكرية. فعلى سبيل المثل لا الحصر، يوجد هناك التباس في قضية موقف الفكر الإسلامي من الدولة، فعندما نتأمل في النصوص الإسلامية نجد أنها تخلوا من أي شكل محدد للدولة، وأن مفهوم الدولة الدينية كمصطلح لم يرد في الإسلام، بمعنى أن قيم ومبادئ الإسلام الأساسية لم تؤسس لحكم ديني، وإنما ما دعا إليه الإسلام والشريعة هو التزام الدولة كمؤسسة تنظيمية بمرجعية إسلامية. وعليه لم تكن للتجربة التي قادها الرسول العظيم (ص) أية ملامح سياسية، بمعنى لم يكن النظام في وقت الرسول ذات طابع سياسي يشمل مواصفات الحكومة والدولة، لاسيما أن النظام الذي أقامه الإسلام في عهد الرسول في شبه الجزيرة العربية، لا يمت بصلة للحكم والدولة، وهذا ما أكد عليه الدكتور المصري الراحل (علي عبد الرازق) حيث ذكر في كتابه الشهير (الإسلام وأصول الحكم) ” أن تجريه الرسول العظيم لا تعدوا أن تكون دينا خالصا وروحانية بحتة لا تشوبها شائبة حكم أو دولة أو سلطان. وأن تلك الوحدة العربية التي وجدت في زمن النبي لم تكن وحدة سياسية بأي وجه من الوجوه، ولا كان فيها معنى من معاني الدولة والحكومة بل لم تعد أن تكون وحدة دينية خالصة من شوائب السياسة وهي وحدة الإيمان والمذهب الديني، لا وحدة الدولة ومذاهب الملك”ص44.

إن الذين كتبوا التراث الإسلامي ليس لهم علم بالغيب، وإنما قراءة وتتبع وإطلاع لما عندهم، وهذا هو منطق العقل لوضع ما تم رصده، لكن أن يوصف التراث على أنه إلهام أوقعه الله في قلوب من كتبوه، فهذه هي الخرافة التي تخرجنا من دائرة العقل المبني على البحث وتقصي النتائج إلى دائرة العصمة والألوهية. وعليه فإن حالة الاعتزاز المبالغ فيها بالدفاع عن التراث الإسلامي، واعتبار المساس به مساس بالدين الإسلامي (القرآن والسُنة النبوية) تعتبر حالة كانت ولا تزال نتائجها كارثية على الإسلام والمسلمين.

الموضوع شائك وواسع جدا ولنا جولة ثانية.