-1-
في تقرير لمعهد (غالوب) نشرته جريدة (الواشنطن بوست) سنة 2012 عن التدين في مختلف بلدان العالم ، كان (العراق) من الدول التي احتل فيها المتدينون نسبة عالية ملفتة للنظر ..!!
أتدرون كم كانت نسبة المتدينين فيه ؟
لقد كانت 88 % وهي نسبة تحمل العديد من الدلالات والمؤشرات .
انها تعني ببساطة :
انّ العراقيين استطاعوا ان يقهروا شهواتهم المحمومة ، وأن يُرغموا آناف شياطين الانس والجن ، ويُوصلوهم الى مرحلة اليأس من ايقاعهم في الفخاخ والشباك التي يصطادون بها الناس …
-2-
غير أنَّ الحقيقة التي لايشوبها شك تقول :
إنّ المنهوب من الثروة الوطنية العراقية تجاوز المئات من مليارات الدولارات منذ عام 2003 وحتى عام 2015، فكيف نوفق بَيْنَ “السرقة” الفظيعة والفساد المالي المستشري في مفاصل الدولة واجهزتها ومؤسساتها، وبَيْنَ “التدين” الذي تتسمُ به نسبة عالية من العراقيين ؟
والجواب :
ان “التدين” الوارد ذكرُه في التقرير انما هو التدين القشري الذي احتفظ بالمظهر وغيّب الجوهر …
تعصي الاله وأنت تُظهر حُبّهُ
هذا لعمري في الفِعال بديعُ
انْ كان حُبُّكَ صادقاً لأطْعْتَهُ
إنّ المُحّبَ لِمنْ يُحبُّ مُطيعُ
ما قيمة الصلاة التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ؟
انها مجرد تمتمات جوفاء خالية من الروح ..!!
الصلاة قربانُ كلّ تقيّ ، فأين التقوى ؟
ولا تقبل ممن صلّى بثياب مغصوبة، أو في مكان مغصوب ،والسرّاق غاصبون متجاوزون على أموال الناس بغير حق – كما هو معلوم –
انّ (العبادات) لابُدَّ ألاّ تُجرد من مضامينها وأهدافها ، والاّ فانها تتحول الى (عادات) ليس الاّ .
-3-
يقول شاعر معاصر :
كَمْ صلاةٍ صليتُ لم يتجاوز قُدْسُ آياتِها حدودَ لساني
كم صيامٍ عانيتُ جُوعِيَ فيه ونسيتُ الجياعَ من اخواني
كم رجمتُ الشيطان والقلب مني مُرهقٌ في حبائل الشيطان
ربّ عفواً انْ عشتُ دينيَ ألفاظا عِجافاً ولم أَعِشْه معاني
-4-
انّ الحملات الظالمة التي تشن جُزافاً على الدين ، بسبب الممارسات الفجة ، والمفارقات الغريبة التي يحفل بها سلوك أدعياء التدين، لم تميّز بين مفاهيم الدين وتشريعاته الحكيمة ، وبين التطبيقات السيئة لمن ينتسبون له …
وكما قال الشاعر :
الذنب ذنبُ المسلمين لأنَّهم
شيءٌ ودينُ الله شيء ثانِ
إنَّ الاسلام مثلاً حرّم الربا ، ولكنّ الكثير من المسلمين يتعاطون بالربا فهم مرابون جشعون فكيف نلحق جرائرهم بالاسلام وهو منها برئ ؟
وما يقال في الربا يقال في سائر المحرمات والمحظورات .
-5-
لا يجوز أنْ نتعامل مع (الخائن) كما نتعامل مع (الأمين)،
وأين النزيه الطاهر من الملوّث بالأدران والمفاسد ؟
لابُدّ اذن من الفصل بَيْنَ المسيئين المفسدين، وبَيْنَ غيرهم ممن لم يُدّنِس نفسه بالأدران ، ولم تُغره ألاعيب الشيطان …
واذا كان النقد للواقع السيء وللمسيئين مطلوباً، فانّ انتهاك الحرمات والاساءة للمستقيمين على خطّ الالتزام بالثوابت الشرعية أمرٌ محظور يأباه الدين والعقل والاخلاق ، ولا يطاع الله من حيث يُعصى .
إنّ النقد البنّاء شيء ، والتحامل والإرجاف وتشويه الحقائق شيء آخر وإن البون بينهما شاسع بعيد .
ولاينبغي ان نلجأ في حمأة الاستياء من الفساد والمفسدين، الى الأساليب البعيدة عن مقتضيات اللياقة، فضلا عن اختراق الضوابط والموازين الشرعية والاخلاقية والاجتماعية …