23 ديسمبر، 2024 5:34 ص

التدين الرباني والـ” تَطَيُن ” الشيطاني وما بينهما من ملوك ورؤساء !

التدين الرباني والـ” تَطَيُن ” الشيطاني وما بينهما من ملوك ورؤساء !

صورة نادرة وأكثر من رائعة تلك التي إقتنصتها قدرا وهي مؤطرة ببرواز خشبي داخل مقهى تراثي بمنطقة العلاوي وذلك بعيد خروجي من جامع “عبد السلام عارف ” في ذات المنطقة المغرقة في القدم وعلى بعد أقل من 100 متر من المقهى حيث يظهرفي الصورة المعلقة على الجدار كل من الملك فيصل الثاني بمعية ولي العهد عبد الاله ورئيس الوزراء الداهية نوري باشا السعيد وكلهم قتلواغدرا وسحلوا في شوارع بغداد إبان ثورة 14/ تموز/ 1958التي أطاحت بالنظام الملكي فيما كان – عارف – أحد قادة الثورة مع إستهجانه لما أصاب الملك وحاشيته وتبرئه مما لحق بهم كما قال ذلك غير مرة في مفارقة عجيبة لها مدلولاتها عندي ، وهم جلوس على الأرض بكل تواضع أثناء جلسة نقاشية ودية مع مراجع النجف الكبار بدايات القرن الماضي يتوسطهم السيد محسن الحكيم ، هذه الصورة تُظهر بما لايدع مجالا للشك حجم تواضع العائلة المالكة آنذاك ومدى واقعيتها وتخطيها للطائفية المقيتة التي وقعت في شراكها الأحزاب التي تزعم التدين بما جرَّ على البلاد من الويلات بعد 2003 ما يشيب لهوله الولدان ، هذا التواضع الملكي الذي لم يتكرر طيلة حكم الأنظمة الجمهورية الأوتوقراطية والدكتاتورية اللاحقة فضلا عن النظام البرلماني – الكشر قراطي – الذي أعقب الإحتلال الأميركي البغيض والى يومنا بما لايصلح للتطبيق وإستنساخ التجربة في أية بقعة من العالم ، ما يؤكد لنا وكما يرى الكثير من المثقفين والمراقبين بأن النظام الملكي (ملكية دستورية ديمقراطية ) هوالأقرب لحل مشاكل العراق على أن لاتسلم هذه العهدة للطائفيين ولا للمتجبرين ولا – للبعد ما ينطيها – وأن لا تتحول الى نظام (الملكية المطلقة ) مهما كانت الظروف بنص الدستور يكون خلالها الملك محدود السلطات لضمان عدم إحتراب الأحزاب الطائفية والقومية فيما بينها للوثوب الى كرسي الحكم والإكتفاء بالانتخابات النيابية التي تأتي برئيس الوزراء ليكلف بتشكيل الحكومة بوجود مجلس الأعيان ( يقابله مجلس الشيوخ في اميركا ومجلس اللوردات في بريطانيا ) على وفق ما تأتي به صناديق الإقتراع الحقيقي وليس المزيف بمراقية أممية وبقوانين إنتخابية صارمة وبمفوضية انتخابات مشكلة من القضاة المستقلين الشرفاء الوطنيين غير الحزبيين ولا المتحزبين إطلاقا !
تصدَّر الصورة الرائعة قول مأثور في حقيقته وهو ليس بحديث نبوي شريف كما مدون فيها مستوحى بدوره من قول مأثور آخر مستلهم من مشكاة النبوة نصه ” إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك، فبئس العلماء وبئس الملوك، وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فنعم العلماء ونعم الملوك ” وهذه هي خلاصة العلاقة التي يجب ان تكون بين العلماء الربانيين من جهة و بين الملوك والرؤساء الدنيويين من جهة اخرى ، والتي أفاض فيها الصحفي والمحامي خريج المدرسة الكواكبية الشرعية الشهيرة في حلب، الشيخ عبد الرحمن الكواكبي ، بكتابه ذائع الصيت ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) حين أوجز لنا مخاطر العلاقة بين الطغاة ووعاظ السلاطين بما يجسد صورتها في العراق اليوم ثلة من الأحزاب الراديكالية التي تصرعلى فسادها وإفسادها برغم زعمها الإنتساب للدين الحنيف والتحدث بإسمه وحمل عناوينه ورفع راياته زورا وبهتانا مع سعيها الدؤوب لتشويه هذا الدين الصالح لكل زمان ومكان عن سبق إصرار وترصد خدمة لمآرب إقليمية ودولية شتى لها مصالحها في عموم العراق والمنطقة ، ليطلقها الكواكبي مدوية ، إن ” المستبد يخاف من العلماء العاملين الراشدين المرشدين لا من العلماء المنافقين ” .
ولم يختلف الحال كثيرا مع المفكر الدكتور علي شريعتي، يوم قال “إذا ارتدى الزور والمكر لباس التقوى، ستقع أكبر فاجعة في التاريخ” ، وهذا ما يحدث في العراق واقعا ، كذلك الداعية الكبيرالدكتور محمد الغزالي ، القائل في أرباب الـ” تَطَيُن ” من المتطينين ولا أقول المتدينين ، إن ” انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغَّضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم ..إن التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ ” ولله در ابن المبارك القائل في وعاظ السلاطين وعلماء السوء وأدعياء التدين ما يلبس على الناس دينهم ويعكر صفو دنياهم لسوء أفعالهم :
وهل أفسد الدينَ إلا الملوك … وأحبارُ سوء ورهبانـُها
ولاشك أن المشهد العراقي المقيت أفرز نوعين من التدين لم تكن مشخصة من ذي قبل بهذا الوضوح المثير للدجل والجدل ( التدين الحقيقي الرباني ..والتدين الحزبي الوهمي الشيطاني ) ففي مفاهيم الصنف الثاني وأدبياته يمكن للعضو الفاعل فيه أن يحتسي العرق المستكي والزحلاوي ويصلي ، أن يقتل ويصوم ، أن يمسك عن الطعام ليفطرعلى الدم وبمعنى آخر ” يقطع الف راس وسبحته الفية ” كما قال أجدادنا ، أن يسرق ومن ثم يزكي ويخمس ، أن ينهب المال العام ومن ثم يذهب الى الحج كل عام على حساب الدولة ولايتنازل عن مقعده لشخص لم يحج قبله أبدا ، بل وربما يبيعه مقعده وبالعملة الصعبة يصدق فيه قول البغادة في أمثالهم الشعبية ( حج الجمل والبردعة ، راح بذنب واحد ورجع بأربعة ) أن يتاجر بالمخدرات في ذات الوقت الذي يحرم فيه إحتساء الخمور، أن يهتك الاعراض وينتهك الحرمات ويمارس المحرمات ثم يذهب للعمرة أو للزيارة ، أن يصادر حصة التعيينات في أية دائرة ومؤسسة حكومية نُصِّبَ مديرا عليها من قبل حزبه على وفق نظام المحاصصة و” المصارعة الوطنية ” ليمنحها الى أقربائه وأصدقائه ثم يخرج ليتمنطق بالعدالة الإجتماعية وضرورة توفير فرص العمل الشريف للعاطلين لأن قطع الأرزاق محرم كقطع الأعناق تماما مع إن بعضهم لايتحاشى ولا ينأى بنفسه عن الاثنين معا !!
أن يدير صالة للقمار ومائدة للروليت ويتحدث في أحكام الطهارة ، أن يدير ملهى ليليا ويحمي منزلا للبغاء ومركزا للمساج الصيني فيما يمتنع عن مصافحة إمرأة أجنبية وبالأخص أمام العدسات لأن مصافحة الاجنبيات حرام – ابو اللكو – ، أن تتسع الرقعة الجغرافية لغرة الصلاة السوداء المصنوعة بالخل والثوم في جبهته طرديا كلما زادت ملفات الفساد المتراكمة ضده ربما لتشتيتها بالغرة المصنعة محليا بزعمه ، أن يتلاعب بصناديق الانتخابات وبنتائجها ثم يتحدث عن النزاهة والشرف ويتغنى بالتجربة الديمقراطية عبر الفضائيات ، أن يكمم أفواه الإعلاميين ويغلق قنواتهم ، يصادرصحفهم ومجلاتهم ، يخترق بذبابه الالكتروني مواقعهم وصفحاتهم ، يحجب خدمة النت والاتصال عنهم ثم يُنظًّر في حرية التعبيرعن الرأي ، أن يطارد الناشطين وينتقد جمهوريات الموز والخوف ، أن يستهدف المتظاهرين بالرصاص المطاطي والحي وبقنابل الغازالمسيل للدموع في رؤوسهم مباشرة لقتلهم لا لتفريقهم ومن ثم يتمشدق بحرمة الدماء الزكية بعد نزع لثام ( القناص والطرف الثالث ) ، أن يستورد مواد غذائية تالفة ومسرطنة ويطالب بالكشف عن المتورطين بإستيرادها ليخلع قناع الجوكر بعدها مسترسلا بحرمة إدخال ما يضر بالاقتصاد الوطني وبالصحة العامة الى البلاد ، أن يأتي على ظهر الدبابة الأميركية ثم يدعي مواجهتها ،أن يأكل أموال اليتامى والأرامل ظلما ثم يظهرأمام الكاميرات وهو يوزع الحصص التموينية بينهم كل سنة مرة ، حرام تنسوني بالمرة من باب ( صورني وآني ما أدري ) ، أن يرتدي الجبة والعمامة في العراق ويخلعها ليرتدي الجينز الضيق وربما المرقع أيضا مع بقية الاكسسوارات في مطارات لندن وباريس وستوكهولم وسدني ، أن يستورد أدوية مغشوشة لقتل الشعب العراقي ويطالب بضرورة الإسراع بتشكيل لجان تحقيقية فورية للوصول الى المجرمين والكشف عن أسباب تسرب الأدوية القاتلة الى المذاخر والصيدليات ، أن يحمل الجنسيات الأوربية ويتقاضى رواتب الرعاية والمساعدات الإنسانية منهم فيما يشتم الغرب وينعته بالكافر الذي تجب محاربته ، أن يرتشي ، أن يرابي ، أن يزور شهاداته الجامعية ، أن يفرض الأتاوات على التجار ورجال المال والأعمال ثم يتحدث عن مخاطر ترويع الآمنين وحرمة التزوير وفرض المكوس والضرائب والتعامل بالربا ، انه تدين مزعوم خطيرجدا يخالف تعاليم الشريعة الاسلامية الغراء كليا من الفها الى يائها أفرزته العديد من الأحزاب السياسية الراديكالية أو ما يسمى بأحزاب الاسلام السياسي، والاسلام العظيم منها ومن قادتها براء براءة الذئب من دم يوسف الا ما رحم ربك ، هذه في حقيقتها هي أحزاب ” الشعوبية السياسية ” وليس ” الاسلام السياسي ” وأرجو إعتماد التوصيف الأول من الآن فصاعدا ، ذاك أن تشويه الاسلام جزء لايتجزأ من منهاج الشعوبية الحاقدة كما الإستشراق كما التنصير كما الفكرالتكفيري والتلمودي المليء بالكراهية عبر التأريخ !
ونصيحتي لمن كان متدينا تدينا ربانيا حقيقة لا إدعاء وأراد أن يشكل حزبا سياسيا لخوض غمار العملية السياسية وهذا من حقه ، فعليه أن يختار مسمى لحزبه لايحمل صفة دينية مطلقا فإن كان مخلصا وأصاب في مسعاه فإن ذلك سيصب في صالح الدين والوطن والمجتمع ، وإن أخطأ لم يصب الدين الحنيف من درنه السياسي شيء قط وإن كان سيصيب وطنه ومجتمعه للاسف الشديد ، وأنصح كذلك بمنع المنابر والعمائم من خلط الحابل بالنابل وعدم الترويج للأحزاب السياسية المتقلبة بحسب مصالحها ومصالح الدول الراعية والداعمة لها أيا كان منهجها وأيدولوجياتها وخطابها البتة لأن السياسة وكما وصفها الفنان الكوميدي كروتشو ماركس، (هي فن البحث عن المشكلات في كل مكان، وتشخيصها بشكل غير صحيح، وحلها بشكل خاطئ) ، أما الى الحزبيين المتلونين ، والمتحزبين الملوثين ، ومدعي التدين ” المتطينون ” فأذكرهم بغضبة الشعوب وصحوتها إذا ما ثارت ولو بعد حين قرفا من غثائهم وانتصافا لحقوقها المسلوبة فأضع نصب أعينهم ما قاله ثعلب السياسة البريطاني ونستون تشرشل ” الحاكم الظالم أشبه بالراكب على ظهر نمر يقوده بالضرب، ليس بوسعه أن يترجل منه ابداً والا إفترسه” وبما أن الضرب لم يعد ينفع ، وبما أن الشعب – النمر – لم يعد يُخدَع ، فيا باغي – التطين – إخلع قبل أن تُخلع ، إشلع قبل أن تُشلع ، إقلع قبل أن تُقلع ، فأن النمر مركوب الظهر طيلة 16 عاما قد أصبح اليوم متحدا ، واعيا ، وطنيا ومرهوب الجانب بما لاينفع معه الترويض وإمتطاء الظهر ياهذا .أودعناكم اغاتي