من يلاحظ الزيارات المكوكية التي يجريها ممثل مبعوث الرئيس الامريكي الخاص بريت مكغورك الى قادة الكتل السياسية الفائزة في الإنتخابات، وتلك التي يجريها معهم قائد قوات فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني يكاد يشمئز منها أي مواطن عراقي. ففي أي بلد في العالم يكون مثل هذا التدخل في العلن وبدون مستحة ؟!… فلم نجد أي من القوى والقيادات والاحزاب السياسية في العراق يعترض أو يمانع أو يرفض مثل هذه الإجتماعات واللقاءات التي تدخل في صميم الشأن الداخلي الوطني العراقي، وفي موضوع حساس للغاية، إلا وهو تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. فالكل مبتسم وسعيد والجميع يتباهون ويتسابقون لمثل هذه الزيارات واللقاءات. ((والعجيب الغريب أن الجميع يصرح بأنه لا تأثير للدول الأجنبية على قراراتهم – فلماذا هذه الزيارات واللقاءات مع الأخوين الكبار، فهي أكيداً ليست للتعارف وشرب الشاي فقط)).
مع أنه هذا التدخل الأجنبي السافر كان يجري في السابق بعد كل إنتخابات، ولكن ليس بهذه الفضاعة والوقاحة والفضاحة. فكلا من مكغورك وسليماني يجولون ويطولون وأخبارهم تذاع في الاعلام وكأنه شيء عادي ومقبول ومستهان فيه. فهل سمعتم أية دولة في العالم أن يتجول ممثلوا دول أخرى بين الكتل السياسية لتشكيل حكومة ما (اللهم إلا في لبنان – ولكن ليس بهذه الصورة الفضيعة، فهم يجرونها بأتكيت لبناني-فينقي لطيف). فالرئيس الإمريكي لا يستطيع حتى أن يرسل ممثلاً له الى أي ولاية من ولايات بلده لمساعدتهم على تشكيل حكومة محلية عندهم أو لا يسمح له حتى تقديم اقتراح او توصية او ان يبدي اي رأي؛ كما وأن إيران لا تسمح حتى لمراقبين دوليين للإشراف (أو حتى “للمعاينة” الفضولية) على إنتخاباتهم.
والله بابا عيب!!!
حتى لو افترضنا أن جميع هذه الكتل لها دول أجنبية تساندهم أو تمولهم أو تدعمهم أو تحبذهم على الآخرين أو تراهم هم أقرب لتوجهاتهم ومصالحهم، فعلى الأقل أن تجري تلك اللقاءات بصورة مخفية عن الإعلام. صحيح أننا شعبٌ فضولي يطالب بأن يجري العمل السياسي بشفافية مطلقة، ولكن لمحاربة الفساد، وليس لتشكيل الحكومة من قبل الأجانب (الظاهر السياسيين فهمونا غلط). فهذا الأمر يمس سيادة الوطن، وكرامة الشعب، وسمعة البلد. إنه العراق أيها السياسيون والقادة، لماذا تشوهون سمعته وتاريخه ومكانته وعزته وكرامة أبنائه. على الأقل يمكنكم أن تجروا هذه اللقاءات في الغرف المظلمة (وتعزوها لإنقطاع التيار الكهربائي)، ولكن ليس في العلن، وسوف لا نطلق عليكم أي إتهامات (بالعمالة أو الإجارة)، لأننا في هذا على الأقل حفظنا كرامتنا، ونستطيع حينئذٍ أن نتباها بسمعتنا وتاريخنا “ولو بخجل”.
كيف يمكن أن نُنّمي شعور المواطنة بين ابناء الشعب وهو يشاهد هذا التدخل الأجنبي في أهم شأن من شؤونه الوطنية؟ وكيف يمكن أن نزرع إيمان المواطن بالعملية الديمقراطية وهو يرى بأُمِ عينيه أن الحكومة تطبخ في المطابخ الأجنبية؟ هذا هو السبب الذي دفع المواطنين بعدم المشاركة في الإنتخابات، لأنه يشعر بأنه مهما صوت وأنتخب، ففي النهاية ستطبخ النتائج خارج نطاق العملية الديمقراطية. وعندها ستقدم لنا الطبخة وهي خليط من أكلة امريكية إيرانية، فتكون ما يشبه شوربة “الآش” التي يخلط فيها ما هب ودب من البقول والخضروات والبهارات، لا تسر الناظرين وغريبة عن طعم الآكلين العراقيين. نريد أن نعرف لماذا هذا الإستخفاف بمشاعر العراقيين من كل حدب وصوب، ودين ومذهب، وعرب وعجم.