23 ديسمبر، 2024 6:05 ص

التداولية السياسية بين الموالاة والمعارضة في خطاب رئيس الوزراء لزعيم تيار الحكمة الوطني

التداولية السياسية بين الموالاة والمعارضة في خطاب رئيس الوزراء لزعيم تيار الحكمة الوطني

بين منصَّتَي (الإشكالية والسياسية) في المنظور التصوّري للدولة العراقية المعاصرة يستقيل السيد عادل عبدالمهدي مرات مفصلية ثلاثة واحدة حزبية واثنتان حكوميتان.

خلال الزمن المراهِق للديمقراطية ذي السنوات الـ 16 الفائت حين كان الفلك الدوّار (عرشاً زمانياً ومكانياً) قد احترف (السياسة البراغماتية) ضمن مشروع الدولة المؤسساتية ذات النظام الدستوري الديمقراطي في هيئته الموصوفة (غير الناضجة منطقياً) ، كان (السيد عادل عبدالمهدي) يترصّد بنَفَس الغوّاص الكيفية التي تُبنى عليها الدولة العراقية المعاصرة التي تتجاذبها مطرقة المحاصصاتية وسندان الانتخابية.

ظهرت تلك الكشوفات لنظام الدولة في التوصيفات غير المستقرة الهشّة التي تتنازعها موروثات ثقافة قوم أدمنوا الثأرية والفوقية والطائفية والفردية والتسلطية ومارثونات حزبية وكتلية وسلالية بلغت تفرعاتها عدد (أيام السنة الكبيسة) إلى جانب توجّهاتها الدوغماتية (Dogmatic) في إطار (هدرجة المنافع وأكسدة الفضاءات) سمّوها مجازاً سياسياً (التوافقية التوازنية).

في هذا الحيّز المحاصصاتي النفعي مارست تلك التكتلات سطوتها بدكتاتورية عالية المقاييس ومفاهيم قبلية متوارثة سيئة الطوالع وهي تدير أقطاب الروليت عبر السنوات بفنية وتقنية تدويرية للمواقع والمناصب بين (متوليها) حين تتقاطع مع بنائية فصولها الروائية النفعية بتوجيهات من (ولاة أمرها) بعيداً عن (الكفاءات المهنية) والشفافية الإدارية التي تتطلبها الأتظمة المؤسساتية حتى أدمنت السلطة وأشاعت بين تابعيها (الثقافة التدويرية الاحتكارية للمناصب بمختلف درجاتها).

ومنذ ذلك الوقت أي قبل 16 عاماً كانت تلك (التكتلات) قد روّجت لمفهوم (الموالاة) حتى تحولت إلى (دكتاتوريات ولائية) بحيث أصبح كل من يؤشّر ذلك في (المناظرات) يعتبر خارجاً عن العرف (الصنمي) وبعيداً عن (الولائية) التي أصبحت بمثابة المعتقد الراسخ في نفوس التابعين من أجل الوصول إلى قمم الوظائف الحكومية العملاقة حتى استشرى الفساد المركّب وبدأ ينخر جسد الدولة العراقية من قمة الهرم حتى قاعدته والشعب العراقي المقهور في تدني خدماتي ومعيشي حصدت الدولة العراقية من ورائه الدرجات المتقدمة من الفساد الإداري والمالي ضمن مؤشرات مقاييس الشفافية العالمية.

وتأتي الانتخابات في العام 2018م بما تحمله من أوزار ومنصات البصرة (مملكة النفط العراقي) التظاهراتية محمولة في نفوس القوم وتحت رمادها جمر متوهّج والأجندات الخارجية والداخلية في حركة مكوكية ومن حولها ملفات ساخنة و (دولة عميقة) ومراهنات إقليمية ودولية.

لأسباب متباينة القيم والتوجهات وقراءات غير منطقية لدورات (الروليت) وصراعات (الإخوة الأعداء) حول أنصبتهم من (الإرث العراقي) وما اصطلح عليه دهاقنة مزادات الأسواق بـ (الكعكعة العراقية) انفرطت خيوط (الكتلة الأكبر) التي منها يُسَمّى (رئيس الحكومة) والتجأ (العرّافون والمُعبّرون) لإنقاذ العملية السياسية إلى ما أسموه بـ (مرشح التسوية) فكان السيد عادل عبدالمهدي.

أطلّ (رئيس الحكومة) التكنوقراطي المستقل ببرنامجه الحكومي (2018-2022) من تحت قبة البرلمان مؤرّخاً في الخامس من شباط 2019م بمحاوره الخمسة التي وقعت في 138 صفحة طموحة بطوله الذي ينافس نهري الأمازون والمسيسبي.

استبشرت الأمة ببرنامج (المحاور الخمسة) الذي تحيط به من كل جهات الفضاءات السياسية الثمانية ضغوطات مستوطنات التكتلات والأحزاب التي تعدت مسمياتها شبكات البيوت العنكبوتية.

هذه الأحزاب بما ورثته من إقصاءات وتهميش وتسقيط وحرمان وقمع وترهيب وفقر مدقع قبل العام 2003م فتحت أذرعها 180 درجة .
أصبح على برنامج بهذا الثقل المعرفي أن يستعد جيداً لمواجهة براغماتية الأحزاب وهو بهذا التمدد الطولي طموحاً مشروعاً لتحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية والخدماتية والمعيشية للشعب العراق المقهور الذي منذ سنين الرماد الأولى قد باعته الدكتاتوريات ملفوفاً ومغلفاً بعلب (سردينية) في أسواق المزادات البيروقراطية يحدوها جنون العظمة (البارانويا) ومشتقاته من (الشيزوفرينيا) لعقود من الزمن الأغبر.

تعرضت كابينة السيد عادل عبدالمهدي الوزارية إلى حفنة من التصدعات وامتدت أزمتها الخانقة لشهور عدّة تتجاذبها الطوائف والأحزاب والسلالات والعوائل بين أصوات الأحزاب وهي تنادي بـ (الاستحقاق الانتخابي) وأخرى في الضد تهتف بحناجر ملثمة خارج الغلاف الجوي بـ ( الاستحقاقية التكنوكاريزمية) التي قوامها الاستقلالية الحزبية والمهنية والشفافية والخبرة الإدارية والعلمية المتقدمة ومن حولهم قُرّاء يتلون صوت السماء وهم يضعون أصابعهم في آذانهم خشية السماع:

(ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير).

لكن الخارطة الوزارية لم يحن وقتها للنضوج فبقيت تصارع نوبات التجاذبات العائلية والحزبية والسلالية ومن ورائها (الاستحقاقية الانتخابية) حتى هذا الزمن منقوصة في وزارة التربية التي تمثل أحد الأعمدة الفقرية في البلدان المتقدمة خصوصاً وأن العراق المعاصر فتح الباب على كل مصاريعه لثورة انفجارية تعليمية سموها (التعليم الموازي) أو (التعليم الأهلي) الذي أضحى من أكبر التجارات التي تسعى إلى صعود سلالم الثراء على حسابات المستويات العلمية والأكاديمية.

منحت وزارتا التعليم العالي والتربية إجازات ورخص التأسيس لمدارس وكليات وجامعات لبعض ممن لا علاقة لهم بالعلوم والمعارف من (تجار الصدفة) و(مروّجي العملة السياسية) وأهملت بشكل كبير المتابعات العلمية والأكاديمية وكأن هذه التجربة لم تكن تعيشها البلدان المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان ومدارسها وكلياتها وجامعاتها الأهلية تحتل أعلى المراكز العالمية منافسة المدارس والجامعات الحكومية. وبهذا السياق غير المتقن من نتائج الفساد المركّب هبطت مستويات الأداء التعليمي للعراق الديمقراطي المعاصر واحتلت أدنى المراتب في مؤشرات مقاييس جودة الأداء.

سيناريوهات مختلفة ألوانها في طريق البرنامج الحكومي ذي المحاور الخمسة وأعلاها قمة (إيفيرستية) هو التدنّي العملاق (خدماتياً وعمرانياً ومعيشياً) في (مملكة النفط العراقي) البصرة وعموم العراق بما تحمله سنوات القهر والرماد من إقصاء وتهميش واضطهاد وظلم مقصود حيث رفع البصريون بصراحة ونقاء سريرة شعاراتهم بوجه (الصنمية السياسية) في العراق المعاصر: (ترفّع عن ظلمي أتظنني بهذا أزداد تذللاً وتزداد تطاولاً)؟

واشتعل الفتيل مسفراً عن براكين من الغضب المرّ وتحولت (مملكة البصريين النفطية) إلى (حمم بركانية) أسمعت أصواتها (محافظات العراق والهرم الرئاسي) فانتفضت هي الأخرى معلنة الحرب ضد الفساد المركب ومافيات السلطة والصنميات البيروقراطية والحكومات العراقية لم تحرك ساكناً في عشرات الألوف من هذه الملفات التي نهبت المال العام.

كان (ماء البصرة غير الصالح للشرب) لعقود من الزمن المر الذي لا يصلح حتى لـ(رَي الزَّرْع ودَرِّ الضِّرْع) لارتفاع نسبة الملوحة إلى جانب تلوّثه وأصبح غير مأمونٍ مما تسبب في دخول عشرات الألوف من البصريين إلى المستشفيات وما رافقها من تشخيصات مرضية ستظهر بتوالي السنين حسب ما صرحت به منظمة (هيومن رايتسHuman Rights Watch -HRW-) العالمية بأن الحكومة المحلية والاتحادية العراقية سجلت إخفاقاً كبيراً في المعالجة لهذه المشكلة البصرية الجوهرية.

هذه الأزمة كانت مشكلة البصرة الرئيسية منذ زمان الطوفان ، لا الأأنظمة الدكتاتورية المغادرة عالجتها ولا حكومات ما بعد 2003م علماً بأنها (مشكلة جوهرية تتعلق بحياة أكثر من مليون شخص بصري عراقي يسكن في بيوت من الصفيح والتجاوزات وإرث أجداده (مملكة نفط عملاقة يتمناها كل العالم).

في مدينة (توليدو ولاية أوهايو الأمريكية في عام 2014م) اكتشف الهيئات الرقابية الصحية وغيرها أن مياه المدينة غير صالحة للشرب مما تسببت في الإضرار الصحي والحياتي بأكثر من نصف مليون أمريكي وقد أعلن (حاكم الولاية) (حالة الطواريء) في المناطق المنكوبة.

قامت الدنيا في أمريكا ولم تقعد وأخذت (أزمة مياه أوهايو) في وقتها حيزاً كبيراً في صفحات التواصل والإعلام الأمريكي والرأي العام وتظافرت جهود حكومة الولاية والحكومة الاتحادية الأمريكية بزمن قياسي بحلها جذرياً من البنية التحتية ومساقط المياه والبحيرات المغذية حتى بيوت القوم.

هذه هي الدولة التي لديها الغيرة والشجاعة والديمقراطية والإنسانية على شعوبها وليس في ديمقراطيتنا المراهقة ونحن بما لدينا فرحون من حريات قشرية كان النظام السابق قد حرم الشعب منها وأهل البصرة يعيشون الأزمة لعقود مريرة من الزمن الصعب دون أن يلتفت إليها (تجار المحاصصات).

رئيس الحكومة السابق يزور البصرة وبمعيته (جوقة من وزراء الصدفة والمحاصصاتية) الذين منهم من هو بصري المولد لحل أزمة مياه الشرب والخدمات والبنية التحتية ويغادرون بحلول ورقية تسببت بعد ذلك بحرقهم وحرق أوراقهم في الانتخابات التالية وخرجوا من الميدان السياسي الحكومي حاسري الرؤوس لأن لكل نعمة حداً تنتهي إليه.

تسببت هذه الإخفاقات في البنية التحتية والخدماتية والمعيشية للشعب العراقي المقهور إخفاقات محاصصاتية خارج منصات (الاستحقاقات الانتخابية) بنسب ضئيلة جداً مما أدى إلى أن تسجل بعض الأحزاب ومنها تيار الحكمة الوطني أنها ستنتقل إلى جهة المعارضة.

هذه حالة صحية وتوجه فكري ديمقراطي معمول به في كل ديمقراطيات العالم المتقدم ولكن بتأسيساته الدستورية والقانوية من خارج أسوار (السياسة البراغماتية) حيث تسمى بـ (حكومة الظل) أو (حكومة المعارضة).

العراق المعاصر بديمقراطيته (المراهقة) التي لا يتجاوز عمرها الـ 16 ربيعاً ليست ناضجة بشك كافٍ بحيث تتولاها حكومتان واحدة (تنفيذية) وأخرى (ظلّية) لكنها في القادم من سنوات النضج الديمقراطي يمكن أن تزدهر إذا توفرت لها الأرضية السياسية الخصبة والأحزاب العالية القيمة في منظوراتها الفكرية والاستراتيجية غير الممتهنة لثنائية (البراغماتية والدوغماتية) كما هو الحال في بعض الحكومات الشرقية وثقافاتها وممالكها المتوارثة.

إذا كانت هناك معارضة حقيقية متينة الأسس البنائية داخل مجلس الشعب فلها الحق أن تمارس الألوان التي يسمح بها الدستور ومنها حق التظاهر إذا لم يكن القصد من ورائها ممارسة الضغوطات على الحكومة من أجل (المحاصصاتية) و(المناصبية) والتربّع على المواقع النافذة في مفاصل الهرم الحكومي أو تسقيط الحكومة.

كانت (الجمعة الموعودة) في التظاهر المليوني أمام بوابات (مملكة النفط البصري) باعتبار أن البصرة (حاضنة التظاهرات) امتلكت حق السبق في ذلك لما لها من تاريخ زاخر في التهميش والإهمال العمراني تفور غلياناً وتعيش على (فوهة بركان تردي الخدماتية والمعيشية) وما هو في محور توجعاتها. لذا فإنها المكان الأنسب لانطلاق (الملايين) من أبناء الشعب العراقي المقهور.

المؤسف ما شاهدته جموع العالم المتمدن وهي تتابع المتظاهرين أنها لم تكن تظاهرة واحدة بل تظاهرتان أو أكثر واحدة ضد الأخرى وكأنها تصفيات عشائرية ثأرية وليست (معارضة سياسية ديمقراطية) وهذا اللون التظاهراتي فريد من نوعه في المجتمعات الديمقراطية.

احتار (المعبّرون) بفلسفة التظاهرات المتضادة لكنهم حين تفحصوهما وجدوهما تسيران بخطين متوازيين اللذان مهما امتدا لا يلتقيان واتجاهات صوتية متضاربة وهتافات تؤشر جوهرية السياق غير الناضج للآخر على أرض البصرة فسجلوا في دفاترهم إنها بدعة لم نألفها من ذي قبل.

هذا التوجّه مبني على ما يبدو من (إخفاقات مزمنة) للتيار الذي كانت البصرة من حصته (محافظاً) وتالياً (وزير نفط) ومناصب سيادية أخرى خرجت البصرة منها بدون أدنى تغير خدماتي أو معيشي أو عمراني قبل أن تنقلب المعادلة عكسياً حيث أصبحت في منظور البصريين بشكل خاص والعراقيين بشكل عام ملفات فساد مركّب وفاسدين دون أن يحاسبهم (هذا الحزب أو ذاك) والفساد ظاهرة تشترك فيها كل الأحزاب والتكتلات السلالية والعائلية وليس حزباً بعينه وهو آفة استشرت على هيئات سرطانية خبيثة.

في خطاب وجهه السيد عادل عبدالمهدي رئيس الحكومة الاتحادية في العراق المعاصر إلى رئيس (تيار الحكمة الوطني) الذي يبدو أنه رسالة موجهة إلى كافة الأحزاب والتكتلات حول (التظاهرة المليونية التي أزمع التيار المعارض) الانطلاق بها من (مملكة النفط البصري) وفيها يعرض رئيس الحكومة الاتحادية إلى مصطلحين هما ( الموالاة والمعارضة) أعرض لهما بالقراءات السياقية والدلالية التالية:

الموالاة في دفاتر اللغويين والقاموسيين ورجالات الفقه المذهبي والديني في منظورها الدلالي العميق العرفي تعني التقرّب من أجل اتخاذ الذات الأخرى ولياً وهي تتعامل مع العواطف والمشاعر والحب والذوبان في ذات المقدس في المعتقدات الدينية والمذهبية التي تتصل بأعلى درجات المنطق العقلاني بل وتصل بها مشاعر التفاني إلى درجات التقديس لمعتقدات روحية وإلهية عليا.
هذا النوع من (الموالات المقدسة) هي غير تلك التي يقصد بمدلولها البراغماتي أن تكون للحكومة أو السلطة أو لأفرادٍ عاديين لهم حضور آني في الميدان (المالي) أو (المناصبي) أو (العشائري) أو (المجتمعي) ومعهم ينتقل المعنى من (الروحية المطلقة) في المتجهات المذهبية والدينية) إلى (المادية الشمولية) محمولاً على (دلالة التأييد البراغماتي السياسي) و(المناصرة البراغماتية السياسية) من أجل تمرير قوانين أو الحصول على مكاسب شخصية.

الموالاة مصطلح لا يعيش إلاّ خارج ثقافات البلدان التي تمتهن الديمقراطية التداولية وتتخذها أسساً لإدارة بلدانها المؤسساتية.

الموالاة توجّه مخصوص لبيئات البلدان التي تتخذ من الدكتاتورية والتسلطية الشمولية بمختلف أشكالها الفردية والأنظمة ذات الفكر (الدوغماتي) الذي لا ظلَّ إلا ظله إن أخطأ أو أصاب في (فقه مدوّنته) فله أجر عمله في المسارين.
هذا مما رأيناه في كثير من الأنظمة العربية الملكية والجمهورية والرئاسية ومثيلاتها التي أشاعت هذه اللون الثقافي بين شعوبها التي تعتبر أي معارض لها بمثابة الكفر الديني أو المذهبي أو الانشقاق الذي يصنف في دائرة خارج الوطنية أو ما نصطلح عليه (الخروج غير المأذون) لصاحبه الذي يؤدي بسالكه طرقاً معصوبة العينين!

الموالاة التي يحترمها النظام الديمقراطي في كل بلدان العالم هي التي تضع المصلحة العامة في مركز الصدارة من أجل بناء وطن مؤسساتي تكاملي يعيش الإنسان فيه وفق الدستور والقانون والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل توازني وليس لأفراد أو جماعات.

المعارضة كما يراها أهل الفكر والسياسة والفلسفة والمنطق والاجتماع موجبة وسالبة ، أما الموجبة فهي التي تحمل فكراً إنسانياً نقياً ومهنية عالية وشفافية ورؤية متوازنة وتسعى بكل موجبات القوة لتأسيس دولة (الإنسان) بعيداً عن المصالح والرغبات الشخصية لأنها لا محل لها من ذلك إلاّ تصويب الأخطاء والتوجيه والتشخيص لمواطن الزيغ والزلل ومواطن الانحراف وسوء استخدام السلطة والتفردية وسوء استخدام المال العام.
بمنطق آخر عمل المعارضة الموجبة تصويب الحكومة التنفيذية وتسمى بـ(حكومة المعارضة أو حكومة الظل).

أما (المعارضة السالبة) أو (المعارضة المتطرفة) (المعارضة الراديكالية) فهي التي نسمع نداءاتها هذه الأيام في بعض الأروقة السياسية ومقرات الأحزاب والكتل والطوائف والفئات والتيارات التي اشتركت في مارثونات تقسيم (الكعكعة العراقية) فهي التي تمتهن تصفية الحسابات والتسقيطات وقد تكون من أجل إسقاط الحكومة.

هذا النوع من المعارضة قد ينحرف ببعضها المسار 180 درجة وتخرج من انتخابات بـ(خُفَّي حُنين) فيستقر بها الرأي بعد مشورة دائرة بياناتها بأن تعارض (النظام والدولة القائمة معاً) وهذا هو (الشُّواءُ) التي تُشمُ روائحه بين الحين والآخر.

هذه المعارضة السالبة هدفها (إسقاط الحكومة) لكي تبدأ لعبتها من جديد لعلها تحصل على (عرّيسة الأسد)!

هذا النوع من المعارضة يؤشرها السيد عادل عبدالمهدي في خطابه ويحذر من أنها ستقود العراق والعملية السياسية لانزلاقات وشطحات معتمة المسار وهي نفسها التي تولت مناصب متقدمة في الحكومات السابقة وانحسرت في الحكومة الحالية. إذن هي جزء من العملية السياسية العراقية التي ترمي إلى خلط أرقام الروليت وإعادة تدويرها حتى يستقر مؤشرها صوب مصالحها.

الدستور العراقي كما أشار الخطاب يقوم على أساس الأغلبية التي تحكم والأقلية التي تعارض كما هو الحال في أمريكا وبريطانيا وغيرها من بلدان العلم المتمدن وكان يجب منذ العام الانتقالي 2003م أن تبدأ ثقافة هذا النوع من المعارضة حتى نكون قد سرنا بالعراق المعاصر بالاتجاه الديمقراطي الصحيح وليس المعاكس.

إذن الموالاة لا وجود لها في العراق الديمقراطي المعاصر في ميدان الحكومة والسلطة لأنها تدعو إلى (مبدأ التابعية) طردياً وعكسياً وأما المعارضة فهي حالة صحية إذا أريد بها المنطق القائم على إنسانية المواطن وتوزيع ثروات الشعب بشكل متوازن خصوصاً إذا كانت ثرواته بحجم ثروات العراق العملاقة وإرثه الحضاري.

أشر الخطاب في هذا السياق مسألة (الكتلة الأكبر) وهذه إخفاقة جوهرية سجلنا الحوار حولها في مقالات سابقة. إن الفشل في الوصول إلى كتلة الأغلبية السياسية أوصل الأمر إلى (حكومة تسوية) وعليها أن تحل الإشكالات التي يمر بها العراق داخلياً وخارجياً وخدماتياً ومعيشياً وهذا في (فلسفة السياسة) هو المنطق الدلالي والسياسي لـ(التسوية).

الخطاب في فضائه عدم قناعة من صاحبه على التظاهر السالب القيمة من لدن تيارات وأحزاب شاركت في العملية السياسية منذ (ولادة الديمقراطية حتى مراهقتها).

الخطاب في إشاراته للمعارضة والموالاة محمولاً على حشرجات في الباطن والظاهر تسائل من تخاطبه في حال قدمت الحكومة استقالتها أو نجحت المظاهرات السالبة القيمة في إسقاط الحكومة هل هناك من حل أم العودة إلى المربع الأول مربع غياب الكتلة الأكبر وما عداها من معضلات وما سيرافق ذلك من إرباك للوضع العراقي العام في ظل الأجندات الإقليمية الخارجية والداخلية؟

الخطاب ضد التحشيدات الهامشية التي تدور في فلك الموالاة وتحاول خلط الأوراق لعلها تعتلي سارية السفين!

المعارضة التي تعلو أصوات هتافاتها في دهاليز الكافتريهات وأسواق البيع ومزادات القول وحتى أروقة مجلس الشعب ودهاليز السياسة الخالية من المنهجية هي ذات رؤية (دوغماتية) نرجسية تقدس الأفراد وتدعو إلى (الصنمية) التي استهلكت العراق أرضاً وشعباً لسنين من الحصاد المرّ.

إذاً ركوب الأمواج الغاضبة لثنائية تقابلية قد يؤدي إلى نتائج عكسية في الرؤية والمنهج والمسارات وعلى الذين يفكرون في اقتحام الميدان (التظهاراتي) بحجّة المعارضة أو بصيغتها الهشّة ويخلطون مقادير هاتين الثنائيتين عليهم أن يتقنوا مقاييس ثلاثية (التكلم والتخاطب وماهية الموضوع) فهي في فقه الفضاء السياسي لا تكون منتجة إلأّ بالعقل لأن (كل شيء رخيص بكثرته إلاّ العقل فإنه غالٍ بكثرته).

إذا كان الشعب وخصوصاً البصري الذي تعرض لسنين من الإقصاء والإهمال والتهميش والحصاد المر منذ أزمنة حتى زمن العراق المعاصر بالرغم من الميزانيات العملاقة التي أذهلت العالم لم يلتفت أحد من رؤساء الوزراء إليه ولا إلى مدينته الفاضلة التي تمثل (مملكة النفط العراقي) ليصلح من هيئتها خدماتياً ومعيشياً وعمرانياً وهي التي أجلستهم على عروش المُلك وأغنت البلاط وملأوا مصارف العالم لحساباتهم الخاصة واشتروا الجزر والفنادق والقصور حول العالم من خزائنها النفطية فكيف سيثق هذا الشعب بتلك الحكومة؟

يقول البصريون: تظاهرنا بعد أن أعطينا ديمقراطية ما بعد 2003م حباً وطاعة وولاءً ووطنية أملاً بأن يعطونا أماناً بعيشٍ طيب ومدينة فاضلة عمرانياً لكنهم أظهروا لنا جفاءً وغلظة وتسلطية تحتها غضب وحقد دفين وتهميش وعبثوا بثرواتنا وأشاعوا الفساد المركّب ونهبوا المال العام.

فقلت لهم في قصيدتي البصرية (زهايمر الحكم) من مجموعتي الشعرية العمودية الكاملة (موطن الرسل والأنبياء):

طَبْعُ القَصائِدِ فِي دَمِي أَوْجــاعُ *** فَهْوَ العِراقُ وَزادُهُ الإِفْجـــــاعُ
وَطَنٌ بِهِ الأَحْزانُ عَشْعَشَ سِرْبُهــا *** وَغَدا بِهِ أَمْرُ المَنُونِ يُطـــاعُ
وَطَنٌ بِهِ الأَيّامُ هِيضَ جَناحُهَـا *** وَالمُلْكُ فِيهِ مُضَيَّعٌ وَمُشـاعُ
فِي كُلِّ آنٍ لِلْحكومَةِ بِدْعَـةٌ *** لَنا مِنْ لَظاها زَخارِفٌ وَخِـــداعُ
وَطَنٌ بِهِ رُسُلُ السَّماءِ تَنَزَّلُـوا *** بِالمَكْرُماتِ وَفَيْضُهُمْ مِمْــراعُ
هذا عِراقُ الأنبياءِ وآلهِمْ *** لَنْ يَلْتَوِي لَهُ ساعِـــدٌ وَذِراعُ
بَيْتُ النُّبُوَّةِ وَالإِمامَةِ وَالتقى *** وَقِبابُهُمْ فَوقَ النُّجومِ شُعــاعُ
اللهُ جاعِلُهُمْ مَصابيحَ الهُـــدى*** وَبِنُوِرِهِمْ تَتَــدَرَّعُ الأَدْراعُ
وَعِراقُنا خَيْرُ الوَدائِعِ عِنْدَهُــــمْ *** فَهُمُ سَفائِنُ بَحْرِهِ وَشِـــــراعُ
لا يَخْدَعَنْكَ هِتافُ مَنْ عَرَجَتْ بِـهِ *** وَتَكالَبَتْ فِي سُوقِهِ الأَضْبـاعُ
مِقْياسُهُمْ هاتٍ وَهاكَ تَحاصُصَاً *** جَهْراً وَسِرّاً لا يُباحُ مُذاعُ
وَالدّارُ أَهْلُها فِي جَحِيمٍ مُزْمِــنٍ *** وَالمُتْخَمُونَ مِن الطَّعامِ جِياعُ
بِالخُبْزِ لا تَحيا الخَلائِقِ وَحْــدَهُ *** بَلْ فِي قُلوبٍ حُبُّها إِجمـــاعُ
(يَحْيا العِراقُ) إِذا اِنْتَخَيْنا بِاسْمِـهِ *** لا بِالهُتافِ خَديعَةٌ وَضَيـاعُ
(يَحْيا العِراقُ) إِذا يُناطُ لِعَرْشَـهُ *** أَهْلُ الكَفاءَةِ الطّوالُ يراعُ
(يَحْيا العِراقُ) إِذا وُلاتُنا أَقْسَمَوا *** وَتعاهَدَ الحُكّامُ والصُّنّاعُ
وَأَعادُوا مِيراثَ العِراقِ لأَهْلِـهِ *** ممّا أناخُوا وَأَسْرَجُوا وَابتاعوا
وأمامَ كُلِّ الشَّعْبِ أَعْلَنَ جَمْعُهمْ *** بَيْتُ العِراقِ مُحَصَّنٌ مِجْمـــاعُ
فإِذا الحُكومَةُ لَمْ تُغَيّرْ طَبْعَهـا *** فَاَقْرأْ سَلامَكَ فَالسَّـلامُ وَداعُ
وَإذا بِلادُكَ في المَزادِ ولاتُها *** فَاغْسِلْ يديك وَ(قَيَّمَ الرَّقّاعُ)

أخيراً فإن رسالة السيد عادل عبدالمهدي محمولة على (ثلاثية المتكلم والمخاطب والموضوع) مكاشفة سياسية ومنطقية للدائرين في الفلك الحكومي ووثيقة موجزة ومحطات جديرة بالتوقف عندها.

***