في إطار السعي الامريكي للضغط على ايران لإخضاع برامجها النووية لتفتيش أكثر صرامة ونزع صواريخها البالستية وتحجيم الدور الاقليمي لإيران ، وكما هو محدد سلفا فقد دخلت الحزمة الاولى من العقوبات الاقتصادية الامريكية على ايران حيز التطبيق في 7/8/2018 التي تتضمن مايلي :
– حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، إضافة لحظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ولاسيما الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات، التي تتعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية إيرانية.
– حظر توريد أو شراء قائمة من المعادن أبرزها الألمنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعي صناعة السيارات والسجاد في إيران.
– حظر استيراد أو تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.
فيما ستشمل الحزمة الثانية من العقوبات الامريكية التي ستطبق في 4/11/2018 ما يلي :
– فرض عقوبات ضد الشركات، التي تدير الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة في الشحن البحري وصناعة السفن.
– فرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني، وخاصة قطاع النفط.لغرض منع تصدير النفط الخام الايراني والمنتجات النفطية والبتروكيمياويات
– فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية.
وقد ادى تطبيق الحزمة الاولى من العقوبات الامريكية إلى مغادرة قرابة 10 من كبريات الشركات العالمية لإيران فعليًا. وكان أبرزها: “توتال الفرنسية، والشركة الدنماركية للنقل البحرى ميرسك سيلاند، وبيجو الفرنسية لصناعة السيارات، وشركة جنرال إلكتريك الأمريكية، وشركة هانيويل للتكنولوجيا، وبوينج الأمريكية لصناعة الطائرات، وشركة لوك أويل الروسية فى مجال النفط، والشركة الهندية للنفط ريلاينس، وشركة سيمنز صاحبة المنتجات الصحية والصناعية والطاقة والسيارات”.
تستهدف العقوبات الامريكية عزل ايران عن النظام الاقتصادي العالمي وتقويض البنية الاقتصادية فيه . وتلقي هذه العقوبات مزيدا من الضغوطات على الاقتصاد الايراني المنهك الذي يعاني حاليا من الانخفاض الهائل في سعر صرف العملة الايرانية . وسيؤدي تطبيق الحزمة الاولى من العقوبات الامريكية الى الحاق الضرر الفادح بصناعة السيارات الايرانية في ظل انخفاض العملة الايرانية وحظر توريد قطع الغيار لمصانع السيارات الايرانية مما سيقلص انتاج السيارات في ايران ومن ثم ستتقلص العمالة في هذه الصناعة التي يعمل فيها نحو 750 الف عامل ، وسيفقد مئات الالاف من العمل الايرانيين وظائفهم ، وبسبب ارتباط نحو 60 صناعة في ايران مع صناعة السيارات فإن انخفاض العمالة في هذه الصناعة سيؤثر على الصناعات الاخرى المرتبطة بها .ومع انسحاب شركات السيارات الفرنسية واليابانية والكورية من السوق الايرانية فضلا عن انخفاض قيمة العملة الايرانية فقد ادى ذلك الى ارتفاع اسعار السيارات الاجنبية في السوق الايرانية بنسبة 150% . كما تشمل الحزمة الاولى من العقوبات الحظر التجاري على السجاد الايراني والمواد الغذائية والمعروف ان ايران صدرت عام 2017/2018 الى الولايات المتحدة سجادا بقيمة 126 مليون دولار . وستفقد ايران الفرصة لاستخدام الاسواق المالية الدولية وادواتها للتمويل وقد تتعرض ايران في حال مخالفتها للعقوبات المالية الى تجميد ارصدتها من قبل الولايات المتحدة كما حدث ذلك عام 2008 عندما جمدت الولايات المتحدة ارصدة ايرانية بقيمة ملياري دولار من الاصول الايرانية المستثمرة في سندات إقراض الدولار .
ويبدو ان الانخفاض الكبير في سعر صرف العملة الايرانية التي فقدت منذ نيسان الماضي اكثر من نصف قيمتها هو الاكثر ايلاما للحكومة والشعوب الايرانية مع ان هذا الانخفاض حصل قبل البدء الفعلي للعقوبات الامريكية على ايران وهو ما ادى الى رفع مستوى التضخم فيها الى 50% مما انعكس سلبيا على الدخل الحقيقي للمواطن الايراني . غير ان تراجع الريال الايراني ليس اكثر من المظهر الخارجي لتداعيات العقوبات على ايران وكما يقول الاقتصادي الايراني الدكتور فرهاد شيرازي فإن جوهر العقوبات هو عزل ايران عن النظام الاقتصادي العالمي وهو ما يعني ان التركيبة الاقتصادية وروافدها من نظام صحي وتعليمي ستصاب بالشلل ويضيف شيرازي ان الاقتصاد الايراني اقتصاد احادي الجانب يعتمد على مورد اساسي وحيد وهو صادرات النفط والغاز ، والعقوبات ستقطع شريان ايران الرئيسي وسيكون من المستحيل عمليا على اي شركة عملاقة منتجة للطاقة المخاطرة بالقيام بأي عمل تجاري او استثماري مع ايران اذ يتطلب ذلك الحصول على تمويل من الولايات المتحدة او مساهمة امريكية فمثلا تسهم الولايات المتحدة بنحو 90% من عمليات تمويل شركة توتال الفرنسية والمستثمرون الامريكيون يمتلكون 30% من اسهم الشركة التي استثمرت اكثر من 10 مليارات دولار في عمليات امريكية في حين لم تتجاوز استثماراتها في تطوير حقل بارس الجنوبي في ايران اكثر من 46 مليون دولار .
ونظرا للعلاقات التجارية والاقتصادية الكبيرة بين العراق وايران فضلا عن صفة الجوار الجغرافي التي تجمعهما وعلاقاتهما السياسية المتميزة فإن العقوبات الاقتصادية الامريكية قد القت بظلالها مبكرا على الاقتصاد العراقي ويمكن ان نشير الى اهم التداعيات المتحققة والمحتملة على الاقتصاد العراقي وكما يلي :
1.الخسائر الكبيرة لودائع العراقيين في المصارف الايرانية : تعرضت الودائع العراقية في المصارف الايرانية لخسائر كبيرة بسبب انهيار سعر صرف العملة الايرانية التي فقدت نحو نصف قيمتها وهو ما انعكس ايضا على الودائع العراقية التي فقدت نصف قيمتها علما ان بعض التقديرات تشير الى ان تلك الودائع قد بلغت نحو مليار دولار اي ان العراقيين المودعين اموالهم في المصارف الايرانية قد خسروا نحو نصف مليار دولار . ويفضل العديد من العراقيين ايداع اموالهم بالمصارف الايرانية لعدة اسباب منها :
*أزمة الثقة بين المواطنين العراقيين والقطاع المصرفي العراقي وبالذات القطاع المصرفي الخاص والناجمة عن عدم توافر السيولة في بعض الاحيان لبعض المصارف الخاصة لتسوية مستحقات المودعين مما حفز العديد منهم الى سحب ايداعاتهم من المصارف الخاصة وتحويلها الى المصارف الايرانية وقد عزز من هذا الاتجاه التعقيدات الادارية والروتين الحكومي في في المصارف العراقية الحكومية .
*إنخفاض سعر الفائدة في المصارف العراقية التي لم تزد عن 5% في حين تمنح المصارف الايرانية اسعار فائدة مرتفعة تزيد عن 15% وتصل احيانا الى 22% مما شجع العديد من العراقيين على بيع ممتلكاتهم وتحويل اموالهم الى المصارف الايرانية .
*وضعت المصارف الايرانية شروطا سهلة يستطيع من خلالها المودع ان يستلم سعر الفائدة شهريا او كل ثلاثة اشهر او نصف سنوي او سنويا مع بقاء اصل الوديعة في المصرف ولا يستطيع المودع سحبه إلا بعد مضي سنة واحدة من ايداعه في حالة الودائع المتوسطة الاجل .
*إضطرار العديد من التجار الى ايداع اموالهم في المصارف الايرانية التي تستقطب الدولار وتحوله الى العملة الايرانية من اجل تمويل استيراداتهم الكبيرة من ايران التي تزيد عن 6.5 مليار دولار سنويا .
*شجعت بعض الفتاوى الدينية العراقيين على ايداع اموالهم بالمصارف الايرانية بإعتبار ان ايران بلد اسلامي لا يتعامل بالربا .
وبسبب الخسائر الكبيرة التي تعرض لها المودعين العراقيين في المصارف الايرانية فمن المتوقع ان تشهد الفترة المقبلة انخفاضا كبيرة في تلك الودائع بسبب تحول سعر الفائدة الحقيقي في ايران الى السالب نتيجة ارتفاع مستويات التضخم .
2.التدفق المحتمل للاموال العراقية الى ايران للاستثمار في بعض الاصول الثابتة في ايران مثل شراء المنازل والفنادق والاراضي وغيرها بسبب انخفاض اسعارها المقومة بالدولار الامريكي .
3.ستصبح ايران الوجهة المفضلة لاغلب العراقيين للسياحة والعلاج بسبب رخص كلفة السفر والاقامة فيها .
4.من المتوقع ان تتراجع السياحة الدينية في العراق بسبب التراجع المحتمل لعدد الزائرين الايرانيين الى المراقد المقدسة في العراق بسبب ارتفاع كلفة السفر والاقامة في العراق بالنسبة للوافدين الايرانيين .
5.سيصبح العراق ممرا مفضلا الى ايران لتوريد العديد من السلع الممنوع على ايران استيرادها .
6.على غير المتوقع قد تشهد الصادرات الايرانية الى العراق تراجعا ملحوظا خاصة بعد تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الامريكية اذا لم يستطع الطرفان ايران والعراق التغلب على القيود التي ستفرضها الولايات المتحدة على نظم مدفوعات التجارة الدولية وعلى النظام المالي والمصرفي وربما سيلجأ العراق وإيران الى اعتماد نظام المقايضة او اسلوب الدفع المباشر خارج اطار النظام المصرفي لتمويل تجارتهما .
7.الارتفاع المتوقع في اسعار النفط العالمية بسبب التقليص المحتمل للصادرات النفطية الايرانية التي تبلغ حاليا اكثر من 60 مليار دولار سنويا وهو ما سينعكس سلبيا على الاقتصاد الايراني وايجابيا على الاقتصاد العراقي من خلال ارتفاع قيمة الصادرات النفطية العراقية .
8.من المتوقع ان يرتفع الطلب على الدولار الامريكي في العراق لغرض تهريبه الى ايران وقد بؤدي ذلك الى ارتفاع سعر الدولار الامريكي في السوق الموازية العراقية من جهة والى استنزاف كبير في رصيد العراق من العملات الاجنبية .
9.من المتوقع ان تزداد العمالة الايرانية المهاجرة الى العراق والدول الاخرى بحثا عن فرص العمل نتيجة لتفاقم البطالة وتدهور مستويات المعيشة في ايران بسبب العقوبات الامريكية عليها .