23 ديسمبر، 2024 4:24 ص

التداعيات الجيوستراتيجية لمعركة تكريت العراقية

التداعيات الجيوستراتيجية لمعركة تكريت العراقية

تحتل معركة تطهير مدينة تكريت ومجمل معارك تطهير محافظة صلاح الدين العراقية اهمية كبرى على المستوى الجيوستراتيجي فضلا عن انعكاساتها السياسية والعسكرية المحلية والاقليمية في ساحات المنطقة الملتهبة بحروب الوكالة والنيابة كتحصيل حاصل للانقلاب الهائل في الوعي العراقي خصوصا بعد الصدمة التي احدثها تنظيم داعش سواء في احتلاله لأراض شاسعة بصورة سريعة ومفاجئة ام لنيله براءة اختراع في اساليب الذبح والقتل والفتك والحرق أم في دوره الاستثنائي الصارخ في تنفيذ الاجندات الصهيو- اميركية باسم الاسلام والمسلمين.

تكمن هذه الاهمية الجيوستراتيجية في معركة تكريت في ما يلي:

1/ ان المنطقة تعيش فترة تحول وانتقال تاريخي ستدخل معه عصرا جديدا تسقط معه الامبراطورية الصهيو- اميركية الغربية وتتهاوى قلاعها الاصيلة واذنابها الوكيلة وسينجرف معها مشروع التدمير الشامل مشروع الشرق الاوسط الجديد بعد سنوات طويلة على بدء العمل به انطلاقا من العراق بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979.

2/ معركة تكريت فاصلة ما بين مرحلتين مفصليتين في تاريخ المنطقة والعالم بدأت تبرز فيها بوضوح جمهورية ايران الإسلامية كقوة اقليمية صاعدة فرضت نفسها كشريك اساسي في المعادلات الاقليمية والتوازنات الدولية اضطرت معها واشنطن للقبول بالأمر الواقع وتذعن لتوقيع الاتفاق النووي معها الذي سيكرس نفوذها الكبير وحضورها المؤثر في المنطقة وتوازناتها ومسارات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة فيها.

3/ ان نهاية هذه المعركة بانتصار عراقي واضح يعني انهيار وفشل نظرية الفوضى الخلاقة التي استُهدفت بها دول المقاومة في المنطقة والتي حولتها اميركا الى دول فاشلة عبر خلق عوامل الفشل والانهيار في أنظمة بعضها او محاصرة ومحاربة بعضها الآخر وظفته هذه الدول لصناعة جيوش عقائدية بديلة وبروز رموز قيادية بعقليات استراتيجية وادخلت شعوب المنطقة بمخاض اجباري فجر مكامن القوة وعناصر القدرة لديها فلولا وجود هذه التحديات والتهديدات والمخاطر لما اضطرت شعوب المنطقة الى استنفار جهودها وتوظيف امكاناتها لتقفز بوعيها الى مراحل متقدمة دفعها لخوض مواجهة الدفاع عن نفسها ومقدساتها ووجودها ومستقبل ابناءها.  

4/ ان معركة تكريت ومحيطها هي اول مصداق لإسقاط الحدود بين دول محور المقاومة وتغيير قواعد الاشتباك التي اعلن عنها السيد حسن نصر الله والتي افرزتها كنتائج ميدانية غارة القنيطرة الحمقاء التي شنها الطيران الصهيوني على مجموعة من مقاومي الحرس الثوري الاسلامي وحزب الله اللبناني في الجولان السوري ما ادى الى بروز واقع جديد ومعادلات قوة مختلفة استثمرها محور المقاومة على اكثر من مستوى وصعيد في الساحات السورية والعراقية واللبنانية.

5/ ان انتصار الارادة الشعبية العراقية وانفجار بركان المقاومة الاسلامية في العراق سيحدث هزات ارتدادية متعددة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية في الساحة العراقية وسيدق المسمار الاخير في نعش الطبقة السياسية الفاسدة وينهي سطوة الامبراطوريات السياسية التي بُنيت على جماجم ودماء العراقيين ويبشر بولادة عراق حقيقي جديد مختلف عن عراق الاستعمار البريطاني او عراق الاحتلال الاميركي.

قد تكون هذه اهم الاسباب التي دفعت بعض الدول الاقليمية الطائفية وغالبية القوى السياسية العراقية الى الرقص على ايقاع الاوركسترا الاميركية في التحذير من الفتنة الطائفية والتخويف من مرحلة ما بعد ورقة داعش التي لم يتصور المنتفعون منها احتراقها بهذه السرعة واطلاق التهديدات الاميركية والعربية المباشرة والمبطنة احيانا الامر الذي ترك أثره الكبير على سير المعارك بعد الضغوطات الهائلة التي تعرضت لها الحكومة العراقية.