20 مايو، 2024 3:04 م
Search
Close this search box.

التخبط في البحث عن الحل

Facebook
Twitter
LinkedIn

العصيان المدني هو عمل تقوم به الشعوب بعد أن تستنفد كل ما لديها من وسائل تؤدي إلى حل أزمة ما. وغالبا ما يؤدي إلى استجابة الدولة لمطالب من قاموا بالعصيان حتى إذا كان النظام دكتاتوريا؛ ذلك لأن العصيان يشل اقتصاد الدول المتقدمة.
أما في الدول المتخلفة؛ فالعصيان المدني لا يعني شيئا، ذلك لأن الدول المتخلفة لا تمتلك ما يمكن أن يشله العصيان، فالعراق ـ على سبيل المثال ـ بلد مستورد يبيع النفط ويشتري بثمنه كل شيء حتى الملح، إذ يمكن أن نسمي الموازنة التشغيلية التي تبلغ ثلثي الموازنة العراقية بالموازنة الشرائية أو التجارية من طرف واحد، فثلثا موازنة العراق التي تزيد على 70 مليار دولار هي للاستيراد. فالعراقي لا يشتري من منتجه الوطني شيئا مهماً يمكن أن يتأثر بتوقف انتاجه بسبب العصيان المدني.
فما هي المعامل والشركات التي ستتوقف إذا استمرت الانبار بعصيانها لمدة شهر مثلا؟ هل سيعاني العراق من قلة انتاج الطائرات او السيارات او  من قلة انتاج خطوط المعامل أو من قلة انتاج معجون الطماطم حتى؟
فلا شيء يتوقف حتى على مستوى الخدمات داخل أية محافظة تعلن العصيان، إذ ليس هنالك خدمات يمكن أن تتوقف، فهي شبه متوقفة أصلا. وإذا حق لنا التهكم  في أثناء الجد؛ نقول إن التوقف أفضل من استمرار العمل، لأن التجديد في العراق يعني العودة الى الخلف على جميع الأصعدة، فغالبا ما نسمع ـ على مستوى الخدمات ـ مقولة شائعة وهي بالعربي الأفصح: (جان كَبل أحسن)، وقد توسعت هذه العبارة حتى شملت التغيير برمته،
ما أريد قوله هو أن العصيان المدني في العراق لا يستطيع الضغط على الحكومة، ولا يحرجها اقتصاديا مع الدول الأخرى، إذ ليس هناك دول تستورد من العراق شيئا مصنعا حتى تشعر الدولة بالاحراج الذي سيؤدي الى غرامات تأخير تقع عليها بسبب التأخير في انتاج البضائع.
ومن خلال ما تقدم يتضح بأن العصيان المدني عمل غير مدروس ولا يؤدي إلى شيء مهم، وهذا ما وعاه سكان محافظة الأنبار باللاشعور مما دعاهم الى الضغط على الدولة من خلال قطع الطريق الرابط بين العراق وسوريا والاردن، فلو كانوا يمتلكون شركات ومعامل منتجة ومهمة لما لجأوا إلى اسلوب قطع الطريق.
إن العصيان الذي يمكن أن يحرج الدولة هو عصيان عمال النفط، وهذا ما يؤيده تاريخ العراق الحديث جدا، كانتفاضة عمال النفط سنة 61 التي شلت الاقتصاد العراقي، فلعمال النفط امكانية كبيرة في تعطيل الاقتصاد المعتمد بالدرجة الاولى على النفط. ومن هذا نفهم بأن القرار العراقي بيد البصرة بالدرجة الأولى، فبرطانيا احتلت العراق من البصرة، وانتفاضة 91 بدأت من البصرة، وإجهاض الانتفاضة بدأ من البصرة، والأمريكان احتلوا العراق من البصرة. ولو اختلفت دولتان في أي جزء من العالم فلابد أن تُقصف البصرة، كما يدعي أهالي البصرة، ورغم المبالغة في هذا الإدعاء إلا انه يعبر عن دور البصرة الكبير في نمو الاقتصاد العراقي، ليس لأنها المنفذ الأهم للتجارة، بل لأنها المورد الأهم للعراق.
ومن الجدير بالذكر، هو أن العصيان في البلدان المتخلفة يضر بالذي يقوم به ويؤثر عليه أكثر من تأثيره على المُطالب بالتنازل، فاذا كان المُطالب بالتنازل لا يهتم بسين أو صاد من الناس؛ فكيف يمكن التأثير عليه بإضرار النفس؟ ومن هذا يتضح أن العصيان إقرار بحيادية الآخر.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب