أأكد من جديد ان شركة النفط الوطنية العراقية (الشركة) تستحق قانونا افضل واحدث واكثر فاعلية من جميع النصوص، المسيسة، التي قدمت من قبل السلطة التنفيذية ونوقشت واقرت من قبل السلطة التشريعية واخرها ما تم الطعن به امام المحكمة الاتحادية العليا الموقرة والتي اقرت الطعن بالعديد من مواده الاساسية.
العراق بحاجة الى شركة للمستقبل ذات هيكلية جيدة واقعية متناسقة، ورؤيا موضوعية تتفاعل وتتعامل مع التطورات التكنولوجية والمعرفية المتقدمة والمتسارعة في مجال نشاطاتها، وتعالج التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتلتزم بمعايير الكفاءة العملياتية والشفافية وتطوير القدرات البشرية الوطنية في كافة مجالات عملها حصرا، وتعمل على المحافظة وتحقيق المصلحة العليا للشعب العراقي كما ورد في الدستور.
انا اتابع هذا الموضوع بدقة وبتواصل مستمر منذ عام 2007 وقد كتبتُ، وكتبَ غيري، الكثير الكثيرـ ولذا لا اجد حاجة او مبرر لتكرار ما تم تناوله سابقا. ولكنني في هذه المتابعة الموجزة اجد من الضروري التركيز على ما استجد من تطورات بشان قانون الشركة وبالاستناد الى الشواهد والادلة المادية، وخاصة الرسمية منها، ابتداء من الاحدث منها.
اولا: تضمن جدول اعمال الجلسة الاعتيادية 24 لمجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 22 حزيران الماضي الموافقة على: 1- التعاقد مع ثامر عباس الغضبان/وزير النفط السابق للعمل بصفة خبير لمجلس ادارة الشركة؛ 2- تكليف ماهر حماد جوهان/وكيل وزارة التخطيط واحمد فاضل ادهم/الوكيل الاول لمدير عام شركة نفط البصرة للعمل بصفة عضو في مجلس ادارة الشركة؛ 3- اختيار مدير عام شركة نفط الشمال لعضوية مجلس ادارة الشركة.
قبل البدء بتحليل موافقة مجلس الوزراء هذه، لا بد من الاشارة الى جانبين يتعلقان بالموضوع:
الجانب الاول، ان موضوع هذه الموافقة يتعلق بتنفيذ “المادة 7 /اولا/ الفقرتين 4 و5” من قانون الشركة رقم 4 لسنة 2018؛ قد تُبَرر هذه الموافقة على اساس ان هذه الفقرات لم يُطعَن بها امام المحكمة الاتحادية العليا مما يعني صحة التحرك من النواحي الدستورية والقانونية. هذا التبرير وارد في حالة تفسير قرار المحكمة الاتحادية العليا بشكل ضيق محدود ومجزأ فقط؛ في حين يجب ان ينظر الى القانون بمجمله كصيغة قانونية متكاملة ومتجانسة، وهذا لا يتحقق إلا بعد ان تكتمل اجراءات اقرار مشروع قانون التعديل الاول لقانون الشركة واكتسابه الدرجة القطعية وذلك بنشر قانون التعديل في الجريدة الرسمية؛ وهذا لم يتحقق لغاية تاريخه كما سابين لاحقا.
الجانب الثاني، يفترض ان هذه الموافقة جاءت بناء على مقترح من قبل وزير النفط باعتباره “مكلف بمهام رئيس الشركة” اضافة لوظيفته، تنفيذا لقرار مجلس الوزراء رقم 109 في 17/8/2020 وكتاب وزارة النفط رقم 19507 في 13/9/2020. لا تتوفر معلومات عن تاريخ تقديم وزير النفط هذه المقترحات للأمانة العامة لمجلس الوزراء ولكن يلاحظ ان الفترة الزمنية بين “تكليف” الوزير وتاريخ موافقة مجلس الوزراء تزيد على عشرة اشهر!! هنا تبرز اشكالية قانونية تتعلق بتجاوز الاطار الزمني المحدد بالمادة (19) من قانون الشركة رقم 4 لسنة 2018 ومشروع قانون تعديله الاول؛ فلماذا هذا التحرك المتأخر الان وما هو المخرج القانوني له!!! ؟؟؟
اضافة الى ما تقدم يثير نص ومضمون الموافقة اعلاه الكثير من التساؤلات لأنها تتعارض في اكثر من موضع مع ما ورد في قانون الشركة رقم 4 لسنة 2018 وفي مشروع قانون التعديل الاول له المقدم من الحكومة الى مجلس النواب في شهر آب 2020. ما يلي اهم الملاحظات على موافقة مجلس الوزراء:
على الرغم من ان الموافقة تتعلق بالفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 7/اولا الخاصة بأعضاء مجلس ادارة الشركة، فقد ورد في الموافقة تعابير مختلفة: تعاقد، تكليف للعمل، اختيار؛ فلماذا هذا التباين وما هي تبريراته او تبعاته؟ قد يكون الامر مقبولا قدر تعلق الامر بالتعاقد مع الخبير النفطي باعتباره متقاعدا في الوقت الحاضر (الفقرة الاولى من نص الموافقة)، ولكن الامر يثير الالتباس وخاصة فيما يتعلق بمهمة “تكليف للعمل” و”اختيار” الاعضاء الثلاثة المذكورين في الفقرتين الثانية والثالثة من نص الموافقة .
لم يرد ذكر وزارة التخطيط ولا ممثل عنها في مجلس ادارة الشركة لا في قانون الشركة رقم 4 لسنة 2018 ولا في مشروع قانون التعديل الاول له المقدم من الحكومة؛ وهذا يشكل مخالفة قانونية مما يتطلب من الحكومة سحب مشروع التعديل الاول وتقديم مشروع جديد لقانون التعديل الاول يتضمن تغيير اعضاء مجلس ادارة الشركة ليشمل وزارة التخطيط. وفي هذه الحالة على الحكومة تبرير اضافة وزارة التخطيط بالذات وليس وزارات او هيئات اخرى ذات علاقة مباشرة بعمل الشركة مثل وزارة المالية او (البيئة) او البنك المركزي!!
ان تكليف “الوكيل الاول لمدير عام شركة نفط البصرة” يخالف ما جاء في المادتين السادسة والسابعة من قانون الشركة حيث ورد حصرا “ثلاثة من رؤساء مجالس ادارة الشركات المملوكة” فلماذا استبعد رئيس مجلس ادارة (مدير عام) شركة نفط البصرة!!.
تم تعريف وكيل وزارة التخطيط والوكيل الاول لمدير عام شركة نفط البصرة بأسمائهم الشخصية في حين تم تعريف ممثل شركة نفط الشمال بمنصبه الوظيفي- مدير عام؛ فلماذا التباين!!؟؟
لم يتم التطرق الى العضو الثالث- الدوري- في مجلس ادارة الشركة الذي تكون فترة عضويته لعام واحد فقط؛ فلماذا ترك هذا الامر!!!
تخلط موافقة مجلس الوزراء بين ما ورد في الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 7/اولا؛ مما يتطلب اعادة النظر في النص ليكون دقيقا وصحيحا.
ثانيا: تطورات مشروع قانون التعديل الاول لقانون الشركة رقم 4 لسنة 2018
يشير الموقع الرسمي الالكتروني لمجلس النواب العراقي حصول القراءة الاولى لمشروع قانون التعديل وذلك في 26 تشرين اول/ اكتوبر 2020. وحسب الموقع الالكتروني للجنة النفط والطاقة النيابية فان اخر نشاط للجنة يتعلق بمشروع قانون التعديل الاول كان بتاريخ 11 تشرين ثاني- نوفمبر 2020 وذلك بعقد اجتماع مع وزير النفط ومدير عام الدائرة القانونية في الوزارة. ولم يرد في موقع اللجنة اي شيء اخر لغاية تاريخه.
تم ترويج وثيقة مؤرخة في 26 كانون ثاني 2021 موقعة من قبل رئيس لجنة النفط والطاقة النيابية هيبت الحلبوسي تتضمن جملة من “مقترحات اللجنة” على مشروع قانون التعديل الاول. يلاحظ على هذه الوثيقة ما يلي:
ليس واضحا ان كانت هذه الوثيقة تمثل موقف شخصي لرئيس لجنة النفط والطاقة النيابية ام راي اللجنة ذاتها؛ فاذا كانت تمثل راي اللجنة فلماذا لم تتم الاشارة اليها في موقع اللجنة الرسمي الالكتروني؟؟
لم يتم طبع الوثيقة على الورق الرسمي الذي تطبع عليه عادةً المراسلات الرسمية الصادرة عن اللجنة، ولا تحمل رقم الصادرة ولا الجهة المعنوَنة اليها ولا الاطراف التي اعطيت نسخة من الوثيقة اليها؛
وبما ان الوثيقة تتضمن العديد من “مقترحات اللجنة” فأنها، بالضرورة، لا يمكن ان تكون نهائية وبالتالي يتوجب ارسالها بشكل رسمي الى مجلس الوزراء للنظر فيها؛ اي اعادة النظر بمشروع قانون التعديل من قبل مجلس الوزراء في حالة موافقة مجلس الوزراء على “مقترحات اللجنة”. لا يوجد في كل من الموقع الرسمي الالكتروني لمجلس النواب العراقي ولا الموقع الالكتروني للجنة النفط والطاقة النيابية ما يشير الى اعادة مسودة مشروع قانون التعديل الى مجلس الوزراء!!
تتضمن “مقترحات اللجنة” العديد من الصياغات والطروحات والافكار غير المقبولة بل وحتى الخطرة والتي سأعالجها مستقبلا في حالة تبني “مقترحات اللجنة” من قبل اية جهة رسمية، تنفيذية او تشريعية.
في مقابلة مع “تقرير نفط العراق IOR” اجريت بتاريخ 15 حزيران الماضي اشار هيبت الحلبوسي الى العديد من الاشكاليات التي تواجه مشروع قانون التعديل، مستخلصا بانه لا يعرف متى يتم اقراره.
مما تقدم ارى ان تفعيل قانون الشركة بهذه الطريقة والمنهجية المتخبطة يثير الكثير من التساؤلات المشروعة والاتهامات التي يتطلب القانون التحقيق بشأنها؛ وارى عدم جدوى اتخاذ اي قرار مالم يتم تشريع قانون التعديل الاول الذي يجب ان يتوافق وقرار المحكمة الاتحادية العليا.
فلماذا الاصرار على تكرار نفس الاخطاء بصيغ مختلفة!!!؟؟