لم يَعد الأمر رأياً قابلا للنقاش، بل هو حقيقة لا يكاد يختلف عليها اثنان إلا من كان منهم (داعشي الهوى)، وهو أن هذا التنظيم الإرهابي المسمىّ داعش ( بما انطوى عليه من فصائل بعثية وما إستند اليه من خبرات لعناصر النظام الصداّمي المُباد) كان قد سفك الدماء دون وجه حق وأفسد في الأرض بشكل لم يبق معه حجر أو شجر أو أرض أو سماء إلاّ وضجّت من خسّة أفعالهم، وشهدت على جرائمهم وتبرأت من ظلمهم. لكن وعلى الرغم من استهجان جميع مكونات المجتمع الدولي للجرائم الداعشية، وتصنيفهم في عداد التنظيمات المعادية للإنسانية ألاّ أن السياسة التوسعية للحزب الحاكم في تركيا ما زالت تتماهى بشكل وبآخر مع التوجهات والتحركات الداعشية، وعلى وجه الخصوص في منطقة (كوباني).
في حقيقة الأمر أن علاقة داعش بالحزب التركي الحاكم، أكبر من أن توصف بالتماهي، بل هي علاقة تخادمية لم تعد خافية على أحد، وإذا ما تعلّق الأمر بما جرى ويجري في كوباني فيمكن القول بأن الطرفين التركي/ الداعشي يلعبان أدورا تكاملية، خاصة وأن الهجوم على المدينة قد تزامن مع إطلاق سراح (الرهائن الأتراك) في حينه، ومع أستبسال مقاتلي قوات حماية الشعب الكردي رغم إمكانياتها التسليحية المتواضعة ومع تمكنها من إيقاف الزحف الداعشي، ومن ثم دحر المجاميع الارهابية من مواقع كانوا قد تمركزوا بها بعد أن حضت بإسناد جوي من قوات التحالف الدولي، ولكن الموقف يبقى عائما وغير محسوم على صعيد المعارك التي تدور رحاها في المدينة، فبالإضافة الى عدم تكافؤ القوى من حيث امتلاك تنظيم (داعش) لأسلحة تفتقر لها قوات حماية الشعب للأسلحة، فإن الموقف التركي مما يدور هو الآخر، ليس محايداً، وليس مراقباً لما يجري أيضاً، بل يمكن الجزم بأنه منحاز ومشارك، وهو ما يعلنه المسؤولون الأتراك دون تردد في نعتهم الحزب الديمقراطي الكردي السوري بـ (الإرهابي)، والأكثر خطرا من (داعش)، رغم انفتاح التحالف الدولي على هذا الحزب.
ينطلق الرئيس التركي في موقفه هذا من إعتقاده الراسخ في كونه (الأب الروحي) للحراك الجماهيري العربي (الربيع العربي)، و(الثورة السورية) بشكل أخص.. ومن الطبيعي أن يكون تبني الحزب للإدارة الذاتية للمناطق الكردية والإحتفاظ بمستوى من العلاقات مع نظام الحكم في دمشق فضلا عن ما يربط الحزب من علاقات سياسية متميزة مع حزب العمال الكردستاني وعدم انضمام وحدات حماية الشعب لـ (الجيش الحر) المؤتمِر بأوامر أنقرة ، تلك الأسباب وغيرها كافية للدفع بأنقرة الأردوغانية للتخادم مع تنظيم داعش. وفقا لما يشكله ذلك من تعارض مع توجهات الحزب التركي الحاكم الرامية الى استثمار الحدود السورية السائبة اليوم لتحقيق إمتيازات سياسية غداً.
ولا شك بأن لمنطقة (كوباني) أهمية استراتيجية لأنقرة على أكثر من صعيد، فمن الجانب السياسي: لا تستبعد أنقرة أن تتحوّل المدينة الى ملاذ آمن للمعارضة الكردية التركية ، لذلك نرى اصرارا تركيّا على فعلِ استباقي تسعى أنقرة من خلاله على جعل المدينة محطة دائمية للمعارضة السورية، لديمومة الفعل المناهض للنظام السوري وفي نفس الوقت وأد تطلعات أكراد سوريا في الحُكم الذاتي.. أو على أقل تقدير خلق كيانات سياسية كردية موالية لأنقرة وترجيح كفتها على القوة السياسية السائدة في مدينة كوباني اليوم (الحزب الديمقراطي الكردي السوري).. ومن جانب آخر، يأتي عزم الحكومة العراقية على انشاء ميناء الفاو الكبير وإقتران ذلك بإعلان وزارة النقل العراقية عن النية لإحياء (مشروع سكة حديد بصرة/ بغداد/ برلين) الذي يربط الشرق بالغرب ليعطي لمدينة كوباني بُعداً اقتصاديا، مع وقوعها على مسار السكة الحديدية في المشروع المزمع إحياؤه ، مع الإشارة الى أن هذا المشروع كان حُلماً عثمانيا بذلت الدولة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر قصارى جهدها لإظهاره الى حيز الوجود. وعلى صعيد آخر، فالهاجس التاريخي له أكثر من نصيب في صدور العثمانيين الجدد، فقد كانت مدينة (كوباني) شاهداً تاريخيا على أحداث مضت، من حيث كونها احتضنت التجمع السكني الأول الذي إستوطن فيه الأرمن بعد استهدافهم من قبل الدولة العثمانية بمجازر الابادة الجماعية، ورغم هجرة معظم السكان الأرمن الى الاتحاد السوفيتي في عقد الستينات من القرن المنصرم، لكن السيطرة على المدينة وإزالة آثارها الحضارية وشواهدها التاريخية أسوة ببقية المدن التي وقعت بيد داعش أمراً يكتسب أهمية خاصة في السياسة الأردوغانية.
أن هذا التنظيم الارهابي الذي وجد الطريق أمامه سالكاً الى المُدن والقرى التي وقعت تحت سيطرته والذي اعتمد البشاعة سلاحاً أساسيا لبث الرعب وتحطيم معنويات الخصوم، كان قد اصطدم في مدينة كوباني بطراز خاص من المقاتلين الأفذاذ تتبارى في ساحات الوغى النساء مع الرجال للدفاع عن وجودها الانساني وحريتها في الحياة الحرة الكريمة. وبما يجعلنا مطمئنون مما يمكن أن تُسفر عنه المواجهة على الرغم من تفاوت القدرات التسليحية بين الطرفين، وبالرغم من وجود طرف اقليمي منحاز صوب الدواعش، ألا أن ما نخشى منه هو (أجندات الضد النوعي) التي سبق وأن حققت تركيا من خلالها اختراقات كبيرة في الصف الكردي نتيجة انخراط البعض في الأنفاق الضيقة لهذه الأجندات، فليس من المبالغة القول، بأن الدماء الكردية التي أريقت بفعل كردي مضاد تنفيذا لأجندة الغير أو صراعا على مناطق النفوذ تكاد توازي مثيلتها المراقة على يد الأعداء، فاليوم وبعد أن ضاقت السُبل بداعش وأخواتها، وبعد أن فشلت السياسة الأردوغانية في استغفال العالم وانتزاع مناطق حدودية عازلة في العمق السوري أو تكريس أبويتها الروحية للربيع العربي في أنظار المجتمع الدولي والإقليمي لم يبق لديها سوى استنفار وتوجيه جهود الأطراف الكردية المتورطة في ملفات مشبوهة لمؤازرتها في تحقيق ما عجزت داعش عن تحقيقه عبر الالتفاف على ارادة أكراد سوريا بطريقة أو بأخرى.. خاصة وأن ملفات المتعاونين مع تنظيم داعش بدأت تطفو على السطح، وقد تضمنت اللائحة أسماء قيادات بارزة في الحزبين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، ومن الطبيعي أن يكون لسكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني (فاضل مطني ميراني) حضوراً فاعلا في لوائح من هذا النوع، وكما في الرابط أدنى المقال.
ليس تثبيطاً للعزائم أو تشكيكا في المواقف عند التأكيد على خشية من هذا النوع، فالأحداث التاريخية البالغة المرارة ضمن (مسلسل الأخوة الأعداء) أكثر من أن تُعد وتُحصى، وتحاشيا لإثارة البعض ممن لديهم وجهات نظر متباينة حول تلك الأحداث، أقتصر الأمر في التأكيد مجددا على ما تعرضت له شخصيا من ظلم بعد أن بذلت ما بوسعي في المسار النضالي ضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني، متنقلاً بين سجون البعث الصداّمي حتى انتهى بي المآل في سجن قصر النهاية السيئ الصيت ولمرتين، وبعد اللتيا والتي، كانت تكريمي عن ما أفنيت من عشرات السنين في دروب النضال وما فقدت من أملاك صودرت، وجنسية عراقية أُسقطت، هو محاولة اغتيال فقدت على إثرها نصف بدني.. وعلى يد مسؤول اللجنة المحلية للحزب الذي كرّست نصف عمري لخدمة القضية الكردية من خلاله.. أحد سقط المتاع يدعى جمال قاسم وبأوامر مباشرة من سكرتير الحزب فاضل مطني.. وقد تمت أدانة المجرم جمال قاسم من قبل القضاء الأمريكي وحوكم بالسجن المؤبد، وبعد أن أمضى جزءا من محكوميته وتعاقب الوفود من كل حدب وصوب لإقناعي بالتنازل عنه، تم له ذلك ليرحل على وجه السرعة الى ربوع اقليم كردستان العراق، ولتناط به مواقع مسؤولية أكبر بكثير من تحصيله العلمي وبعيدة كل البعُد عن مؤهلاته الاخلاقية، خاصة مع ارتكابه جريمة القتل العمد.. وقد كان التكريم الصادر من رئيس الاقليم لهذا المجرم استخفافا واضحا بمشاعر الضحية واستهتارا فاضحا بكل القيم الانسانية ودلالة أكيدة على التبني الكامل للفعل الارهابي ( فقد كانت الجريمة ذو دوافع سياسية وعلى أرض دولة مستقلة ذو سيادة لا يمتلكون حق اتخاذها مسرحا لتصفية الحسابات السياسية).
بمعنى آخر، ليس لأردوغان أن يستأسد بهذا الشكل على الشعب الكردي لو لم يكن مطمئنا لمواقف أطراف كردية نافذة، لا يستبعد أن تكون قد هوت في المزالق الداعشية من حيث تدري أو لاتدري، بما يجعل منها رهينة للموقف التركي.. خاصة مع ماهو متعارف عن هذه الأطراف من هواية متجذرة في نفوسهم تتمثل في القفز على الحبال. وعلى الرغم من إجادتها التامة لممارسة هذه اللعبة الخطيرة، ألا أن الوضع مختلف تماما هذه المرة، فالحبال الداعشية لزجة لا يتسنى لمن يلامسها فكاك أطرافه وتكملة المسار بشكل طبيعي، ومع افتراض الافلات فلا بد من أن تترك أثراً يقض مضاجع المتورطين.. وبدليل ما يتسرب من تقارير رسمية او اعلامية عن تعاون أسماء بارزة مع الارهاب، التي تشير الى أن التعويل من قبل الاطراف المتضررة من الارهاب استنفار امكاناتها الذاتية بالدرجة الأولى ومن ثم التماس ما يمكن أن تحتاج اليه من الأطراف الدولية التي عقدت العزم على محاربة الارهاب ضمن استراتيجية ذو مراحل متدرجة تفرضها طبيعة المشكلة التي تواجه العالم والتي تتطلب إعتماد الجرأة الهادئة والتأني في الحسم، لن تتوقف بالتأكيد عند هلاك (الخليفة)، ولا تنتهي عند تحرير الأماكن التي سقطت بيد الارهابيين وأتاحت لهم الافصاح عن وجودهم العلني في تحدّ صارخ للقيم الانسانية والقانون الدولي، بل هي حرب ممتدة على الارهاب في الظلّ والعلن تستغرق من الوقت ما يفصل عالمنا المتناحر وحاضره المضطرب عن شواطئ الاستقرار والسلام.
جندي تركي يلتقط صورة مع افراد داعش في كوباني (صوت كردستان).
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=44117
السفارة الامريكية تنشر قائمة بأسماء شخصيات كوردية بارزه تعاونت مع داعش
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=44683
النهب على قدم وساق: خمسة فقط من القادة الكورد يمتلكون 200 مليار دولار
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=44563