التحول الديمقراطي مرحلة انتقالية بين سقوط نظام وآخر، وهو عملية بناء نظام ديمقراطي جديد وفقاً للرؤية التي يتم التوصل إليها بين القوى السياسية الفاعلة، وعلى الرغم من أن العراق قد انخرط في مسارات التحول الديمقراطي منذ نيسان / أبريل 2003 إلا أن مستقبل هذا التحول ما زال يشوبه الكثير من الأخطاء وربما يواجه الكثير من الأخطار، وذلك بسبب ابتعاد هذا التحول عن القواعد الأصولية التي يعتمد عليها أي تحول ديمقراطي في العالم.
أن المرحلة الأولى للتحول الديمقراطي تبدأ بالفترة الانتقالية وتمر بين مرحلة تقويض دعائم النظام السياسي وإقامة نظام يتبعه، وتعرف عملية التحول الديمقراطي: بأنها عملية تطبيق القواعد الديمقراطية سواء في مؤسسات لم تطبق من قبل أو امتداد هذه القواعد لتشمل أفراداً أو موضوعات لم تشملهم من قبل، أو هي إجراءات يتم اتخاذها للتحول من نظام غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي مستقر.
فعملية التحول الديمقراطي تمثل حركة النظام السياسي اتجاه الأخذ بالإجراءات التالية وهم نواب منتخبين عبر انتخابات حرة ونزيهة، إضافة إلى حق تولي الوظائف العامة، والوصول إلى السلطة، مع حرية التعبير، وتوافر مصادر بديلة للمعلومات، مدعومة قانونياً باستقلالية مؤسسية، لذلك فان التحول الديمقراطي بالمفهوم العام هو الانتقال من وضع استبدادي إلى وضع أكثر حرية وفق انتقاله تدريجية مرحلية وليست طفرة فجائية.
إن فهمنا للديمقراطية فهماً صحيحاً سيكون العامل الأساس الذي يعكس ضوئه في سلوكيات الأفراد والأحزاب والائتلافات السياسية داخل المجتمع، لأن عملية التحول الديمقراطي في العراق خاضت أطواراً وتحدتّ مصاعب كبيرة، وتدخلت فيها دول إقليمية لرسم معالم العملية السياسية وفق متطلبات مصالحها.
وقد وصف بعض المفكرين الديمقراطية (أن من الوهم أو النفاق القول بأن الديمقراطية يمكن أن توجد بدون الأحزاب، وذلك أنه مما لا يحتاج إلى بيان أن الشخص وهو منفرد لا يكون له أي نفوذ حقيقي في تكوين الإرادة العامة فالديمقراطية هي ولاشك دولة الأحزاب).
أية عملية انتقال ديمقراطي سليمة لا يتم الإعداد الجيد لها ولا يتم الاتفاق بشأنها ولا تتم السيطرة عليها، سيؤدي لا محالة إلى حدوث فوضى في البلاد، فالديمقراطية لعبة، وهي ليست حلاً لمشكلات داخلية، بل هي رؤية سياسية ترغب في تطبيقها.
فالمرحلة الانتقالية التي مر بها العراق اعتبرت مرحلة بالغة الأهمية والتعقيد، لأنه سيتوقف على ما يجري فيها من تفاعلات، للانتقال من نظام إلى نظام جديد أكثر تطوراً وفقاً للمعايير الديمقراطية أو إجهاض المحاولة والعودة إلى نظام أشد تسلطاً، بدعوى تجنب الفوضى أو الوصول إلى نظام جديد أكثر تطوراً ولا يحظى بقبول القوى السياسية، ومن ثم قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي فتتصاعد لتصل إلى السعي لإسقاط هذا النظام الجديد من جانب القوى السياسية وأن كان منتخباً، وأخطر ما في هذه الحالة هو حدوث انقسام واستقطاب حاد بين القوى السياسية التي شاركت من قبل، في الانتخابات التشريعية.
أن النخب السياسية في العراق ما زالت تعمل بشكل مغاير لما تشترطه بعض القوانين الدولية على التحول الديمقراطي، لأنها تعمل في إطار التصارع وليس في إطار التنافس أو المساومة، وكثير من هذه النخب ما زالت تعيش في إطار مفهوم المعارضة للسلطة وليس في إطار السلطة الحاكمة.
فالانفتاح الديمقراطي لابد وأن يصاحبه قلق اجتماعي وأمني، لأن عملية التحول الديمقراطي تبدو في التجربة العراقية مجرد استجابة للمطالب الدولية دون أن تفرض شروطاً تقتضي تطبيقها على أرض الواقع.
وعدم التوصل إلى اتفاق بين ممثلي مكونات الشعب العراقي بكل أطيافهم ومذاهبهم يمكن أن يحول الديمقراطية إلى حالة غير مستقرة، إذ يكفي أن تعلن الحكومة المنتخبة في أية دولة عن استعدادها لإرساء الديمقراطية حتى يُعاد ادراجها في المجتمع الدولي، في حين أن الديمقراطية في العراق لا تعتبر في واقع الأمر ضرورة داخلية خاصة وأن عملية الانتقال تنبع من الرغبة الداخلية للأنظمة السياسية أو تكون مفروضة من الخارج، وفي كلتا الحالتين لن يجد النموذج الديمقراطي، حافزاً أو أساساً قوياً يمكنه من القيام بإصلاحات.