23 ديسمبر، 2024 4:42 ص

التحليل السياسي..ومشكلات (صناع القرار)!!

التحليل السياسي..ومشكلات (صناع القرار)!!

التحليل السياسي ، مهمة حديثة العهد ، ولم تكن معروفة منذ عهود ، الا بعد إن شهد العمل الإستخباري والدعائي تطورات مذهلة ، إستخدم فيها الإعلام أحد ادوات هذا العمل الذهني الخلاق، الذي يفترض بأن يعتمد المعلومة المؤكدة في المقام الأول!!
بل أن العمل الإعلامي والاستخباري والبحثي الرصين الذي هو أقرب الى مصلح (Information) لايعطي لـ (التحليل السياسي) أو (Political analysis)الأهمية البالغة،وهو يعده (الحلقة الأضعف) في نشاطه العقلي الميداني، وهو (حالة هروب) و(تهرب) من المسؤولية، وليست عملا متكاملا يعتمد (المعلومة الموثقة والمؤكدة)، إذ ان (الخبر) أو (المعلومة الخام) لاتدخل في (قاعدة المعلومات) قبل توثيقها والتأكد من مصداقيتها!!

ويبقى (التحليل السياسي) في كل الأحوال هو (الحلقة الأضعف) من وجهة نظر أي جهاز إستخباري أو أي مركز بحثي مرموق ، أو حتى جهاز إعلامي لديه انتشارا واسعا، وبسبب إخفاق المعني بإبداء (الراي) في القضايا المهمة والمستعجلة في حصوله على (المعلومة المؤكدة) لهذا (يلجأ) إضطرارا الى (التحليل السياسي) الذي يعد (أضعف الإيمان) في عمل الأجهزة البحثية التي تحترم نفسها ومكانتها، وليس على شاكلة أجهزتنا الاعلامية ومراكز البحوث والدراسات الحالية التي هي الان أقرب الى (مراكز اعلامية) من أن تكون (مراكز بحثية) ، راحت تعد (التحليل السياسي) مهمتها الأساسية، بل وغطى على كل مهامها في تقديم المعلومة الى المتلقي أو الرأي العام المستهدف ، في حين لا يعتمد العلم الحديث وعمل مراكز البحوث المتقدمة والاجهزة الاستخبارية في المقام الأول على (التحليل السياسي)، بل على (المعلومة المؤكدة) وليست (المعلومة الخام) ، إذ ان الأخيرة تمر بمراحل (تنقية) أو (تصفية) والسؤال عنها من أكثر من جهة ، لحين التأكد من ان تلك (المعلومة) أصبحت (موثوقة) وقابلة لكي تكون (قاعدة معلومات) يعتد بها، وتكون مصدر وثوقيتها عالية!!

ويدل (التحليل السياسي) غير المعمق والذي لا يعتمد على الخبرات المتراكمة والطويلة لبعض المتمرسين في تلك المهمة الشاقة وذات البعد الستراتيجي على ان القائم بمهمة (التحليل السياسي) ليس لديه (قدرات خارقة) أو لأن (المعلومة) لديه (ضعيفة) ، بل بما يفتقر اليها أصلا ، فيلجأ الى (التحليل) كبديل عن عدم تيقنه من وجود (معلومات) لديه، ويعد هذا الأمر ، وبخاصة في العمل العسكري (خطيرا) جدا و(كارثيا) إن لم يمتلك (معلومات موثقة)، لأن من شان (معلومات مضللة) تربك (صانع القرار) أن تدخل البلد في (أزمة) او (انتكاسة) إن إعتمد على (التحليل) دون (المعلومة)..وقد نشبت حروبا بين دول كثيرة و(اخفاقات) لاحصر لها بسبب افتقار المؤسسات العسكرية لتلك الدول الى (المعلومات الموثقة)، وربما أدخلت البلد في ورطة بسبب رفعها (معلومات مضللة) الى قيادتها العليا!!

ربما تعد هذه المعلومة التي عرضناها غير متداولة ،لدى كثيرين وهناك في الأجهزة ذات الطابع البحثي والإستخباري من يعد (المحلل السياسي) من أرقى المهن ، وهي فعلا كذلك، لكن مهمة ا(لتحليل السياسي) الحالية هي أضعف حلقات العمل الإستخباري والبحثي والاعلامي على حد سواء، لأن كل من هب ودب دخل مجالات (التحليل السياسي) وبخاصة على شاشات التلفزة، وأصبح البعض منهم (نجوما) بالرغم من انهم لايفقهون في هذا العلم الحيوي الا قشوره، ووجده (البعض) مهنة سهلة لـ (الارتزاق)، ووجدت فيها بعض الفضائيات ووسائل الاعلام مجالها الرحب للانتشار، وتعاملت مع (محللين سياسيين) كثيرين وخصصت لها برامج (تحليلية) في (الشأن السياسي) ، بالرغم من ان تلك المهمة تخفي الكثير من الحقائق، وتقوم ببث التضليل والخداع والفبركة بين ثنايا مضامينها ، كل حسب الجهة التي يعمل لصالحها او يتعاطف معها، وربما يتم تكليف البعض من المحللين السياسيين بإشاعة (ترويجات) عن قضية معينة بين ثنايا حديثه ، للفت انظار قطاع معين من الرأي العام اليها، واعتبار تلك (الترويجات) على إنها (حقائق) او مجالا للـ (الاتهام) لقطاع آخر من المجتمع يراد تطويقه بمبررات مختلفة، ولهذا تجد (المحلل السياسي) في أغلب الاحيان منشغلا بترويج (توجهات دعائية) معينة ، لإضفاء نوع من (التقبل) لدى الآخرين لـ (ترويجات) من هذا النوع، وتستخدم حالات من هذا النوح حاليا على نطاق واسع، في الفضائيات وبعض وسائل الاعلام التي تعتمد في توجهاتها الاساسية على سيل اعلامي من الاختلاق والفبركة والتضليل والخداع والترويج لتوجهات تخدم جهات سياسية بعينها، تم تمريرها بين ثنايا (التحليل) ووجهات النظر ،حتى يعدها البعض على أنها أشبه بـ (حقائق) وهي ليست كذلك!!

هذه نبذة مختصرة جدا عن موضوعة (التحليل السياسي) ، يتم إستعراضها لأول مرة، وما نجده من (محللين سياسيين) على شاشات التلفزة، وبعضهم يحسب نفسه على مراكز بحثية او دوائر صنع القرار السياسي، وهو في حقيقته ، يميل الى الجانب الاستعراضي للموضوع الاعلامي المثار، ويتخذ من وجهات نظر آخرين ، حتى وان كانوا من (رواد المقاهي) ،موضوعا لنقاش مطول، ربما يصيب الكثيرين بالملل و(النفرزة)، لانهم لن يجدوا ضالتهم فيمن يوصلهم الى الحقائق الدامغة، أو يقرب لهم الصورة من خلال (المعلومة) ويوهم الآخرين انه يمتلك القدرة على غرس أفكاره وطروحاته في عقولهم، والبعض من المغفلين قد تنطلي عليه تلك الترويجات، الا ان العقول المتفتحة والثاقبة، ليس بمقدور أشخاص من هذا النوع، إيصالهم الى (قناعة) بشأن ما يجهد نفسه في الحديث عن (قضايا الساعة الساخنة) التي تدخل في نطاق الجانب الاعلامي والدعائي لجهة سياسية بعينها اكثر منها ما له علاقة بـ (الجانب المعلوماتي)!!

وهناك من يطلق على عصرنا الحالي بـ (عصر المحللين السياسيين) للعدد الهائل الذين يطرقون أسماع الجمهور كل يوم، وبعض هؤلاء تحول الى (دلال سياسي) على شاكلة بعض سياسيينا الذين تذهب طروحاتهم ذات اليمين وذات الشمال، حتى أن الجمهور سئم طروحاتهم، وراح يلعن اليوم الأسود الذي سلط عليه سياسيين و(محللين سياسيين) على هذه الشاكلة من الغباء ومن (الاستغباء) للآخرين، وهو في قرارة نفسه يعرف انه (يضحك) على عقول الناس أو يستغفلهم، عله يكون بمقدوره أن يصدقونه وبخاصة الجهلة والسذج ومن ذوي المستويات الضحلة اجتماعيا، وهناك من (رواد المقاهي) من يتفوق على (محللين سياسيين) من هذا النوع، لكن مهمة الكثيرين في التضليل والخداع تبقى ليست سهلة المنال، لأن عقول كثير من العراقيين (أصبحت مفتحة في اللبن) كما يقال !!