8 أبريل، 2024 2:21 ص
Search
Close this search box.

التحليل التاريخي للبنية السياسية للاحزاب العراقية

Facebook
Twitter
LinkedIn

لقد عني معظم الباحثين بدراسة الجوانب السياسية في حركة التاريخ الحديث والمعاصر للعراق، ولم تنل الجوانب الاقتصادية الا عناية قلة منهم او انها لم تحظ بنفس العناية التي حظيت بها الدراسات السياسية. ونظراً لأهمية الجانب الاقتصادي وما للاحزاب السياسية من أثر كبير في الحياة الاقتصادية، فقد اختارت المؤلفة الكتابة في هذا الموضوع، حيث درست المنطلقات المبدئية لاحزاب المعارضة العلنية والاحزاب السرية ازاء المسألة الاقتصادية واعمدتها الثلاثة- الزراعة والصناعة والتجارة- وابراز ادوارها وتأثيرها في وضع السياسة الاقتصادية للبلاد وبيان مواقفها المبدئية والفعلية من عدد من القضايا والمشكلات الاقتصادية المهمة وردود افعالها المختلفة ازاء القرارات والقوانين الخاصة بالسياسات الاقتصادية الحكومية المختلفة التي اتخذتها الحكومات العراقية المتعاقبة بالفعل خلال السنوات 1921-1958.
ان تمكن القوى الاقطاعية القبلية من التحكم بفعل واقعها الاقتصادي ودعم سلطات الاحتلال البريطاني في توجيه مقدرات الحياة السياسية في العراق الذي ترتب عليه تمايز اجتماعي كبير ليس في الناحية الاقتصادية فحسب بل ومن الناحية السياسية ايضاً دفع الى تزايد الوعي السياسي بين ابناء المدن من المنتمين الى الطبقة الوسطى وانتظامهم في تنظيمات سياسية وتشكيلهم للمنتديات السياسية والثقافية للنضال في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والتخلص نهائياً من الاستعمار البريطاني ونفوذه وتأثيره… وهكذا كان تشكيل الاحزاب السياسية بعد قيام النظام الملكي في العراق وما حوته مناهجها من مواد في المجال الاقتصادي انعكاساً للاوضاع الاقتصادية والتطورات السياسية والاجتماعية وعلى هذا الاساس تشكلت العديد من الاحزاب والجمعيات السياسية منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
كان الوعي السياسي قد اتسع في العراق خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت التيارات السياسية والفكرية قد تبلورت وظهرت عدة تكتلات وجماعات تدعو الى الحريات الديمقراطية والتنظيم الحزبي، وما ان اعلنت وزارة توفيق السويدي (شباط- مايس/ 1947) السماح بتكوين الاحزاب حتى تقدم ممثلو تلك التيارات بطلباتهم، فأجازت الحكومة تأليف خمسة احزاب… وهكذا شهد العراق احزاباً مجازة رسمياً تحمل عقائد سياسية بعد ان كانت الحياة الحزبية معطلة منذ سنة 1936.
وفي سنة 1949- 1950، رأى السياسيون التقليديون ان يتكتلوا في صعيد واحد فتشكل ائتلاف ليكون جهة ضد احزاب المعارضة العلنية، وفضلاً عن هذه الاحزاب كانت هناك احزاب تعمل في الخفاء وكان نشاطها واضحاً ملموساً مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردي وحزب البعث  العربي الاشتراكي وجماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي وحركة القوميين العرب.
لم يكن العراق خلال فترة الاحتلال البريطاني الاول 1914- 1921 احزاب سياسية منظمة او تنظيمات حزبية معترف بها من لدن السلطة المحتلة وان كانت للجمعيات السرية التي تعمل لدى القضية الوطنية اثر بارز في مقاومة سلطات الاحتلال البريطاني. اما في فترة الانتداب 1921- 1932، فقد تألفت مجموعة من الاحزاب تأليفاً رسمياً بموجب قانون الجمعيات الصادر في 2/تموز/ 1922.
ويبدو ان الاحزاب السياسية العلنية التي قامت في العراق كانت تضم احزاباً وطنية كما كان بعضها احزاباً موالية للحكومة. والملاحظ كذلك ان الاحزاب آنذاك كانت تظهر نتيجة لغايات معينة تزول بعد تحقيق تلك الغايات وان معظمها كانت ضعيفة التكوين لا تستند على قاعدة جماهيرية واسعة منظمة وكانت غاياتها غامضة محدودة المجال.
ومن اهم الاحزاب التي اجيزت خلال فترة الانتداب كان: الحزب الوطني العراقي برئاسة جعفر ابو التمن، جمعية النهضة العراقية برئاسة امين الجرجفجي، الحزب الحر العراقي برئاسة محمود عبد الرحمن النقيب، حزب الامة برئاسة ناجي السويدي، حزب التقدم برئاسة عبد المحسن السعدون، حزب الشعب برئاسة ياسين الهاشمي، حزب العهد برئاسة نوري السعيد، حزب الاخاء الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني.
اما الاحزاب السياسية التي تشكلت بعد حصول العراق على استقلاله الشكلي سنة 1932 ولا سيما السرية منها، فقد عكست واقع التيارات والاتجاهات الفكرية التي عرفها العراق حينذاك، لذا احتلت المسألة الاقتصادية حيزاً رئيسياً في منهاجها كما قامت بدور اكثر فاعلية من الناحية العملية عن الدور الذي ادته الاحزاب السياسية العلنية التي تأسست خلال سنتي 1931- 1932، في الحياة الاقتصادية لارتكازها على التنظيم الشعبي السري والتزام اعضائها بالقيود الحزبية الصارمة. واهم هذه الاحزاب كان: جماعة الاهالي وجمعية الاصلاح الشعبي برئاسة عبد الفتاح ابراهيم وعبد القادر اسماعيل ومحمد حديد وحسين جميل، حزب الوحدة الوطنية برئاسة علي جودت الايوبي، حزب احياء الاتحاد العربي او الوحدة القوة العربية برئاسة عبد المالك الفخري، والاحزاب السرية كانت الحزب العربي القومي وواجهاته المساندة والحزب الشيوعي العراقي.
يستنتج مما سبق، ان الاحزاب والجمعيات السياسية في فترة الانتداب، كانت عموماً احزاباً قطرية او محلية ضعيفة التكوين لا تستند الى قاعدة جماهيرية واسعة منظمة وكانت غايات محدودة المجال ومناهجها اشبه ما تكون بمناهج الوزارات التقليدية، كما ان عملها ونشاطها باستثناء الحزب الوطني العراقي والاخاء الوطني الى حد ما كانا قاصرين على المجالس النيابية.
ولم تكن لمعظم الاحزاب الفترة العلنية برامج اقتصادية تنم عن فلسفة اقتصادية واجتماعية ولا اهداف اصلاحية بعيدة المدى، وان مناهجها عموماً كانت متشابهة الى حد كبير، فقد اكدت جميعها على ضرورة تحقيق الاستقلال للعراق، ولم تتناول معالجة القضايا الاقتصادية رغم دعوات معظمها الى الاهتمام بالزراعة والصناعة وان اكثرها معارضة للنظام الملكي كان منهاجها يخلو من ادنى اشارة الى القضايا العمالية او الاصلاح الزراعي، ويبدو ان هذه القضايا كانت لا تهم احزاب المعارضة الا في حدود انعكاساتها السياسية الآنية، لانها لم تكن بوسعها ان تشكل في اي وجه من وجوهها هدفاً استراتيجياً يتعلق بها.
الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته، تألف من تمهيد واربعة فصول، بحث التمهيد بشكل مركز الاوضاع الاقتصادية في العراق خلال السنوات 1921- 1946، ونشأت الحياة الحزبية والاحزاب والجمعيات السياسية السرية والعلنية التي تشكلت خلال السنوات 1922- 1946 وبيان مدى اهتمام مناهجها بالمسألة الاقتصادية ومواقفها من القضايا والمشكلات الاقتصادية وسعيها لتطوير الاقتصاد العراقي في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة.
الفصل الاول بحث في بعث الحياة الحزبية العلنية بعد الحرب العالمية الثانية فضلاً عن الاحزاب التي كانت تعمل سراً، وتأسيساً على منهج الحزب هو السياسة التي يسلكها الحزب في الاصعدة كافة طوال بقائه في العمل، فقد جاء الفصل الاول نظرياً الى حد ما، اذ ركز على المواد الخاصة بالمسألة الاقتصادية في منهاج كل حزب سياسي وعلى احزاب المعارضة العلنية والاحزاب السرية، لانها معارضة لسياسة الحكومات التي تألفت خلال السنوات 1946- 1958 فضلاً عن كونها احزاباً فكرية، ولم يغفل الفصل البحث في انعكاس التكوين الطبقي والاجتماعي لقادة وقواعد كل حزب على مناهج تلك الاحزاب ولا سيما المواد المتعلقة بالجانب الاقتصادي منها.
وبين الفصل كيف ان اضطهاد الاحزاب السياسية وحلها في ايلول 1954 قد سهل امكان تكاتف وتعاون الاحزاب العلنية مع الاحزاب السرية والذي تمثل في قيام الجبهة الوطنية الانتخابية سنة 1954 وتشكيل جبهة الاتحاد الوطني في شباط 1957 واندماج تنظيمات الضباط الاحرار في تنظيم موحد في اذار 1957 وتعاون جبهة الاتحاد الوطني مع التنظيم العسكري للاطاحة بالنظام الملكي في تموز 1958.
وبحث الفصل الثاني في موقف الاحزاب السياسية في مجال التطبيق العلمي من مشكلة الارض والنظام الاقطاعي الذي تسنده السلطة ونشاطها السياسي في الريف ومواقفها من معالجات الحكومات العراقية المتعاقبة لمشكلة الارض والعلاقات الاقطاعية ومن انتفاضات الفلاحين في سبيل حياة افضل.
وخصص الفصل الثالث لبيان موقف الاحزاب السياسية من الصناعة الوطنية وتطويرها ومن حقوق العمال والتنظيم النقابي والنقابات العمالية التي تشكلت منذ سنة 1944، وتطرق الى نشاطاتها في صفوف العمال واثر تلك النشاطات على قيام الاضرابات العمالية الاقتصادية والسياسية. وتضمن الفصل كذلك موقف الاحزاب من مسألة النفط واستثماره ومن اتفاقية مناصفة الارباح التي توصلت اليها الحكومة العراقية مع شركات النفط الاجنبية، ومن اهم مسألة اثيرت حين ذاك وهي مسألة تأميم النفط.
وتناول الفصل الرابع التجارة والمسألة المالية والتخطيط الاقتصادي وموقف الاحزاب من النشاط التجاري والمشكلات الاقتصادية، مثل مشكلة التموين ومشكلة البطالة وازمة الخبز ومشكلة الارصدة الاسترلينية. كما بحث الفصل في موقف الاحزاب السياسية من الميزانيات المالية العامة والتطوير والتخطيط الاقتصادي، مثل مجلس الاعمار، ولم يتطرق هذا الفصل الى النظام المالي، الا بقدر ما ينسجم ومتطلبات البحث.
نستنتج من قراءتنا للكتاب، من ان الوضع الاقتصادي للعراق في العهد الملكي تميز بالتسيب وضعف التخطيط واطلاق العنان لحرية الاستغلال الداخلي والخارجي الى حد ما، وكانت هذه السياسة تجري تحت اغطية زائفة من النظريات الاقتصادية والاستعمارية، وادى ذلك الى التبعية الكاملة للاقتصاد الاستعماري لا سيما في القطاع النفطي التحويلي والمصرفي والنقدي وقطاع التجارة الخارجية بجانبيها التصديري والاستيرادي واختلال الموازين الرئيسة للاقتصاد الوطني، مثل الميزان التجاري والميزان النقدي والميزانية المالية العامة، اما سياسة مجلس الاعمار فقد كانت تهدف من حيث الجوهر الى تثبيت التبعية الاقتصادية والى ابقاء العراق سوقاً لمنتوجات الدول الغربية ومصدراً للموارد الخام ولا سيما لبريطانيا.

• الكتاب- التحليل التاريخي للبنية السياسية للاحزاب العراقية 1946- 1958، تأليف- خالدة ابلال الجبوري، ط1، النايا للدراسات والنشر ومحاكاة للدراسات والنشر، دمشق، 2012، 280 صفحة

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب