23 ديسمبر، 2024 1:16 ص

التحشيد الطائفي … لعبة انتخابية بأمتياز

التحشيد الطائفي … لعبة انتخابية بأمتياز

يتطلع الشعب العراقي في الداخل والخارج لانتخابات عام 2014 على امل احداث تغيير جوهري في ادارة الحكم بعد الفشل المستمر للأدارات التي تعاقبت على حكم العراق منذ عقد من الزمن تسببت في هدر مايقارب من 600 مليار دولار تنوعت بين صفقات فساد او مشاريع اما وهمية او متعثرة او على شكل امتيازات للرئاسات الثلاث . بالمقابل سيعمل رئيس الحكومة وفريقه ما بوسعهما والى اقصى درجة من اجل ضمان الفوز بالانتخابات القادمة عام 2014 من خلال اعادة احياء الورقة الطائفية وبتكلفة عالية وصلت الى حد استثمار القتل اليومي الممنهج للشعب لصالح اعادة احياء التحشيد الطائفي وبصورة علنية.
ان اللعب على الوتر الطائفي كورقة في الانتخابات القادمة بذات الطريقة التي تم التعامل معها في انتخابات العام 2005 و 2006 وحتى 2010 والمتضمن جزء كبير منها تذكير الناخب بدور حكومة السيد المالكي في التصدي للحرب الطائفية عام 2006 – 2008 وملاحقة الخارجين عن القانون واعادة الامن والاستقرار النوعي الى معظم محافظات العراق في حينه قد اسفر عنه تمكن قائمة التحالف الوطني من تشكيل الحكومة وانتخاب السيد المالكي رئيساً لها مستفدين من الثغرة القانونية عند تفسير أحقية الكتلة الفائزة الاكبر في تشكيل الحكومة ، كل ذلك لم يعد ممكناً في الوقت الحاضر.
اذ لم يعد الان للمبررات التي أتت بالسيد المالكي الى سدة كرسي الحكم في الاعوام السابقة اي دور او قيمة تذكر في الظروف الراهنة ، كما انها لن تكون كافية لضمان حشد اصوات الشارع الشيعي للاصطفاف حول قائد الضرورة خصوصا بعد ان تكشفت نوايا القائد وحزبه على مدى ثماني سنوات في سعيهما المستمر للهيمنة الكاملة على السلطة وعلى معظم مفاصل الدولة واستنزاف المليارات وتوزيعها على المقربين منهم فقط واستهداف العديد من حلفاء الأمس من داخل التحالف الوطني او حتى من خارجه كالأكراد مثلا بهدف التفرد بالسلطة واصدار النسخة المعدلة من نظام الحزب الواحد والقائد الملهم المفكر والزعيم الأوحد القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات الى اخره من المناصب .
وبعد نجاح عمليات فضح ملفات الفساد التي اشترك في ارتكابها معظم اعضاء الحكومة الحالية والسابقة يقابله ضعف او صمت حكومي في الاجراءات المتخذة بحق الفاسدين والفشل المستمر في ادارة الملف الامني والخدمي وعدم اكتراث المسؤولين لمعاناة المواطنيين مما تسبب ذلك في تذمر شريحة كبيرة من المواطنيين وخصوصا من مؤيدي الحكومة وناخبيها السابقيين والذي انعكس بشكل واضح في خسارة فريق دولة القانون للعديد من المواقع في انتخابات مجالس المحافظات والذي سينسحب بالتأكيد على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة من خلال منح اصواتهم لمنافسين أخرين ينتمون الى كتل اخرى من داخل التحالف الوطني ، هذه العوامل قد ازمت الوضع بين اعضاء التحالف الوطني ودفعت بفريق دولة القانون الى التفكير في الكيفية التي تضمن لهم اعادة التحشيد الطائفي لضمان عودة اصوات ناخبيهم التي فقدوها في انتخابات مجالس المحافظات من جهة وكمبرر للتغطية عن الفساد والفشل الامني والخدمي المستمر للسنوات الثمانية من حكم رئيس الحكومة.من جهة اخرى، لذلك كان لابد عليهم من التفكير في فعل قوي ومؤئر جدا ينتج عنه التخندق الطائفي وفي ذات الوقت يبعث بأشارات الى الناخب من ذات الطائفة بضرورة اعادة انتخاب السيد المالكي مجددا كونه حامي الطائفة والمنقذ الوحيد لها من خطر الارهاب “السني”  مستندين الى أمرين:
الاول خطاب التشنج والتحشيد الطائفي الذي صدر عن النائب احمد العلواني معتبراً نفسه الممثل الشرعي والوحيد لأهل السنة في العراق وليستثمره العلواني في ذات الوقت لصالح كسب المزيد من الناخبين السنة ، قابله صمت على ما صرح به النائب من قبل رئيس واعضاء القائمة السياسية او الكتلة التي ينتمي اليها ، وليقدم لنا النائب رؤيته وتحليله لما بعد الضربة الامريكية لسوريا بطريقة صب المزيد من الزيت على النار والتي أفضت الى عودة القتل والتهجير الطائفي للعديد من اهل السنة في جنوب العراق.
والثاني ضمان اصطفاف السلطة القضائية الى جانب فريق السيد المالكي بعد نقض المحكمة الاتحادية لقانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث ليعقبه أعادة انتخاب الاستاذ مدحت المحمود كرئيس لمجلس القضاء الاعلى.فضلاً عن كونه رئيساً للمحكمة الاتحادية.وليمسك بجميع مفاتيح السلطة القضائية .
وما الاحداث الاخيرة من القتل الطائفي الذي طال العراقيين جميعاً والتهجير للعوائل والعشائر في مختلف محافظات العراق يقابله عجز وصمت حكومي بأمتياز وآخره خطاب السيد المالكي الاخير من ناحية الغراف في الناصرية والذي تحدث فيه بلغة المكون الاكبر والاصغر وان بحر من الدم بينهما ماهو الا دليل دعوة صريحة للتخندق الطائفي مجدداً ، مع العلم ان الخطاب صدر بعد يوم واحد من التوقيع على ما يسمى “بوثيقة الشرف” التي انتجت “معجون المحبة”، والتي نصت على ضرورة بث روح التسامح والمحبة والألفة بين ابناء الوطن الواحد ، والتي أوصت بضرورة الابتعاد عن الخطابات الطائفية التي من شأنها ان تزيد من حجم الهوة بين ابناء المجتمع ، فهل يعقل ان يخاطب رئيس حكومة يفترض به ان يكون الشخص الاول الذي تذوق من ذلك المعجون وصاحب الصدر الواسع والعقل المتفتح الذي ينبذ لغة الخطاب الطائفي ، هل يعقل ان يخاطب شعبه بلغة المكونات ذات التوجه الطائفي متوعداً مكون من المجتمع ببحر من الدماء . هذه الغة من الخطاب التي تحدث بها رئيس الحكومة سيتقبلها جميع المكونات لو كانت صدرت عن لسان رئيس حزب او كتلة وليس رئيس الحكومة الذي يفترض به انه يمثل الفسيفساء الداخلة بصناعة معجون المحبة. فما الفرق اذاً بين ما صرح به النائب العلواني وبين خطاب رئيس الحكومة. كلاهما وجهان لعملة واحدة ، تلك هي الطائفية المقيتة.
أن دعوة زعيم اكبر تيار شيعي وهو السيد مقتدى الصدر في كلمة له وجهها الى العراقيين يوم السبت المصادف 21/9/2013 بأن يحتكموا الى التوحد والعقل والمنطق ويقدموا المصالح العامة على ‏الخاصه ، والابتعاد عن التناحر الطائفي والذي سيؤدي بجميع العراقيين الى الهاوية التي لايمكن الخروج منها ، وعدم الانجرار وراء رغبات ومصالح شخصية من خلال اللعب بورقة الطائفية والعمل سويتاً من اجل الحفاظ على وحدة العراق ، يعد خطاباً وطنياً بأمتياز ونابع من الشعور بحجم المخاطر التي تحيط بالعراق ، لكن بعد ساعات على خطاب السيد الصدر وصلت الرسالة الى مدينة الصدر من خلال مجزرة العزاء ليعقبها في اليوم التالي مجازر في الدورة والاعظمية لتقول ان صوت الطائفية اقوى من اي صوت يدعو الى العقل والمنطق ، وان تحقيق المصالح الخاصة هي الضمان والطريق الوحيد للوصول الى المصالح العامة ليعود التحشيد الطائفي لعبة أنتخابية للمتنافسين بأمتيــــــــاز.