لم تكن زيارة وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري الى روسيا يوم الخميس الفائت زيارة بروتوكولية دبلوماسية فقط, بل انها جاءت نتيجة الكثير من التداعيات والتغيرات التي حصلت في ملفات عديدة تهم مصالح البلدين, ومتعلقة أيضا بأحداث ومواقف اتخذتها بعض الدول الكبرى, حيث يمكن النظر الى أهمية هذه الزيارة من ناحيتين.
الناحية الأولى, تتمثل في تغيير استراتيجيات الضغط الدولية, وانتقالها من ثنائية القوة الصلبة(العسكرية) والقوة الناعمة(الضغط الدبلوماسي) إلى استخدام استراتيجية جديدة قائمة على اسلوب وسطي جديد يسمى قوة الطاقة, حيث يستخدم ملف الطاقة في الوقت الراهن من أجل الضغط على الدول التي تخرج عن طاعة القوى الكبرى, في محاولة لتحطيم اقتصادياتها, بالأخص لدى الدول المعتمدة على مصادر الطاقة, انتاجا واستهلاكا.
الضغط باتجاه تخفيظ أسعار النفط من خلال ايجاد ما يسمى بمصادر الطاقة البديلة, تسبب بضرر كبير على الدول المصدرة للنفط, والتي تشكل ما يمكن تسميته بمحور مقاومة الدول الكبرى, وهي روسيا وايران والعراق وسوريا؛ العراق وروسيا, فقد اصابهما الضرر نتيجة حروب الطاقة التي تمارس بالضد منهما, فكان عقد اتفاقية بين البلدين تشمل قضايا التعاون الثنائي كافة، ولا سيما في مجال الطاقة.
والجانب الثاني لهذه الزيارة, هو ما يتعلق بالملف العسكري التسليحي, فمع أن العراق يحاول جاهدا ان يقوي من حظوره الدولي وتنشيط ملفاته الدبلوماسية مع كل الدول, إلا ان حربه مع عصابات داعش, وطلبه المساعدة من الدول الكبرى الوقوف بجانبه, جعل الصورة تتوضح أكثر فأكثر؛ فتململ وتردد الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة, في الإلتزام بتقديم المساعدات وشحن السلاح للعراق, جعل العراق – وهو في هذا الظرف – يضطر الى اللجوء لروسيا, حيث اكد نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين، إن الإتحاد الروسي كصديق للعراق “سيفعل كل ما هو ضروري لتعزيز قدراته الدفاعية وتأمين قواته المسلحة، وذلك ليتمكن من مواجهة التهديد الخارجي الذي يرهب البلد”.
التحرك العراقي على أكثر من محور دولي, إنما يدل على تطور واضح في سلوكيات الحكومة العراقية, مع توحد مواقفها السياسية في ملف العلاقات الخارجية, وهذه هي إحدى أهم حالات التعافي, والتي ستقود الى اصلاحات اخرى ملحّة, على صعيد لعلاقات الخارجية للعراق مع دول المنطقة.
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة.