يلاحظ المتتبع لدور المرجعية الشيعية في العراق , منذ مطلع القرن العشرين , الدور الوطني الواضح ضد الاستعمار البريطاني , الذي قاده السيد محمد سعيد الحبوبي, والذي حارب الاستعمار البريطاني في الشعيبة , ولم يكن هذا الجهاد لحساب جهة ما آو دولة معينة كالخلافة الاسلامية في تركيا . وقد تحمل السيد مسؤوليته للدفاع عن الدين حسب اجتهاده , وشارك عدد من رجال الدين الذين الهبتهم فكرة الدفاع عن الوطن , ولم يبتعدوا مطلقا عن دورهم التقليدي الديني ليحلوا مكان السياسيين كما هو حاصل الان .
ان نقص الاستقلالية وضع المرجعية عائمة ويتعامل معها السياسيون حسب المصلحة , وتشبهت بدور الازهر الذي تعامل مع اليسار واليمين ووجد التبريرات الدينية جاهزة والايات التي تخدم هذا الغرض وذاك كثيرة , وامسى ذيلا خلف السياسي . فبعد وفاة السيد جواد البرجوردي في قم دعم شاه ايران مرجعية الحكيم , لاضعاف المعارضة الدينية في ايران , ونقل المرجعية خارج ايران لتوفير مسافة مآمونة , وكانت الطريقة المعتمدة في ترشيح مرجع ما , هو ان يرسل شاه ايران برقية تعزية موجهة للعالم الذي يرغب الشاه ترشيحه لهذا المنصب , ويكون صاحب البرقية هذا هوالاكثر حظا في نيل المرجعية . فالسيد محسن الحكيم لم يكن الاعلم او الاكبر سنا , فقد كان السيد محمد حسين الحمامي حيا يرزق ,وكان هو صاحب المرجعية العامة بعد وفاة السيد الاصفهاني في العراق , وكان بجانبه التبريزي والشاهرودي والشيرازي , لكن السيد الحكيم كان الابرز في التعاطي مع سياسة الشاه كما سيآتي تبيانه , فهو الذي حطم المرجعية التقليدية وادخل السياسة والسياسيين لعرينها , واصبح بيت السيد يشبه احد مقرات الاحزاب , وقد شبه احد طلاب الصدقات بيت السيد تشبيها بليغا عندما قال بان السيد قد (سد باب الفقراء وفتح باب الوزراء ) , ومنه انطلقت جماعة العلماء والحزب الجعفري والشباب المسلم وحزب الدعوة , ومنه ذهب البعثيون وتسلموا الحكم في بغداد في رمضان باعتراف الكل , ونفس البيت الذي استقبل فيه السفير امريكي لاول مرة في تاريخ المرجعية اضافة الى ميشيل عفلق والبكر ورشيد مصلح علم 63 بعد بيان13 .
بذل الزعيم عبد الكريم قاسم في عهد حكمه جهداً استثنائياً وتدريجياً، وهادئا للتخلص من جميع أشكال التمييز العرقي، والديني، والطائفي بحيث كادت الطائفية أن تختفي تدريجياً، حيث أكد على عدم الأخذ بالعرف السائد الذي كان معمولاً به في العهد الملكي في رفض الطلبة الشيعة في الكلية العسكرية، والضباط الشيعة على قلتهم في كلية الأركان، وفي مناصب الدولة الأخرى. كان سلوك قاسم في عدم التمييز بين أبناء العراق على أساس مذهبي يعتبر انقطاعاً مع الموروث، وخروجاً على أحد أهم أركان السياسة العراقية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
لقد أنصف الزعيم قاسم الشيعة كما أنصف بقية مكونات الشعب العراقي، إذ لم يلتزم بالعزل المذهبي، أو العرقي، أو الفحص الطائفي للمتقدمين لإشغال المناصب الكبيرة في الدولة، بل كان يعتمد على كفاءة المتقدم وسمعته الوطنية وتاريخه النزيه. لذلك فقد أصر قاسم على تعيين الدكتور عبد الجبار عبد الله، رئيساً لجامعة بغداد، وهو من أبناء الصابئة المندائيين الأقلية، وذلك لمكانته العلمية، والدكتور مهدي المخزومي – شيعي- عميداً لكلية الآداب، لمكانته المتميزة كأستاذ بارز في اللغة العربية. وشدد على تجاوز الأعراف الطائفية في القبول في الكلية العسكرية وكلية الأركان، كما وشدد على علاقات جديدة بين الضباط والجنود، وألغى عقوبة الجلد المهينة، ومنع استخدام الجنود كخدم في منازل الضباط.
لذلك اعتبرت هذه السياسة خروجاً على المألوف من قبل غلاة الطائفية والمستفيدين منها، الأمر الذي أدى إلى التحالف بين ممثلي المدرسة التركية، والقوميين، الجمهوريين والملكيين، وممثلي المصالح البريطانية، والأمريكية، وغيرهم من المتضررين من الثورة. لذلك أتهم عبد الكريم قاسم بالانحراف عن مبادئ الثورة، كما واتهم بالشعوبية ومخالفة الإسلام. إن الكراهية لعبد الكريم قاسم قد حققت وحدة بين خصومه قلما يحصل في التاريخ، وحدة جمعت شخصيات، وأحزاب علمانية، ودينية، ودولِ عربية وأجنبية مختلفة، وحملات إعلام واسعة، ومكثفة ضد ثورة تموز وقائدها.
يستغرب المتتبع لتصرفات الحكيم آبان حكم قاسم موقف وتصرفات السيد اتجاهه , فمنذ قيام الثورة تصرف السيد سلبيا اتجاهها , فلم يرسل مثلا رسالة تآييد بعد قيام الثورة , في حين ارسل السيد الحمامي والبغدادي والشيخ كاشف الغطاء وعدد آخرمن العلماء من مناطق العراق المختلفة برقيات تهنئة مختلفة المضامين , لكن السيد الحكيم لم ينس ارسال برقية تهنئة وبهجة لانقلابيي 14 رمضان التي قتلت شهيدا صائما وابنا بارا للشعب العراقي اضافة للمجازر التي افتتحها عهد البعث والسيد ايضا لم ينس ارسال برقية لايقاف اعدام الطبقجلي وزملائه واخرى لايقاف اعدام السيد قطب واخرى لايقاف قانون الاحوال الشخصية، واخرى بحرمة الحرب في كردستان بعد ان تحالف مصطفى البرزاني مع الشاه ضد عبد الكريم قاسم .
من نافل القول أن لثورة 14 تموز استحقاقات تاريخية، لأنها لم تكن مجرد انقلاب عسكري كما يحلو للبعض وصفها، بل كانت استجابة لمتطلبات تاريخية، وضرورة وطنية، أي أنها أحدثت تغييرات جذرية سياسية، واقتصادية، واجتماعية في الدولة والمجتمع. لذلك أصدرت الثورة قوانين ثورية لتحقيق هذه الأغراض. ومن هذه القوانين ما يلي: قانون الأحوال الشخصية كانت المرأة العراقية مسحوقة، إجتماعياً وسياسياً إلى درجة كبيرة قبل ثورة 14 تموز 1958 وخاصة في المجتمعات الريفية الفلاحية. لقد خلقت الثورة أوضاعاً جديدة في العراق وخاصة فيما يخص مكانة المرأة في المجتمع، فلأول مرة شاركت المرأة المسؤولية في الحكم في العراق، وتسنمت منصب وزاري حيث تم تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات. ولانصاف المرأة، أصدرت حكومة الثورة قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، الذي استغل من قبل الخصوم ضد ثورة 14 تموز 1958 وقائدها الزعيم عبدالكريم قاسم، وتم تحريك رجال الدين الإسلامي وبالأخص الشيعة منهم فاعتبروه خروجاً على الشريعة الإسلامية.
قانون حكم العشائر العشائرية مرحلة من مراحل التطور الحضاري ما قبل تكوين الشعوب والدولة. لذلك لم يكن شيوخ العشائر في العهد العثماني، وما قبله، إقطاعيين من مالكي الأراضي الزراعية، بل كانوا وجهاء قبائلهم، ينضِّمون شؤون أبناء العشيرة وحمايتهم من العدوان الخارجي، أي كانوا بمثابة حكومة مصغرة لكل قبيلة. ولكن بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، رأى الانكليز احتلالهم للعراق، تمليكهم قطاعات واسعة من الأراضي الزراعية التي كانت هي ملكية الدولة في العهد العثماني، وبذلك تم تحويل الشيوخ إلى إقطاعيين، كما ومنحوهم امتيازات قانونية لكسب ولاء هؤلاء الشيوخ، فأصدروا قانون حكم العشائر الذي يخول شيخ العشيرة حل المنازعات بين أفراد عشيرته وليس عن طريق المحاكم المدنية. والجدير بالذكر أن سكان الريف كانوا يشكلون نحو 70% من الشعب في العقد الأول من عمر الدولة العراقية الحديثة. ومعنى هذا أن حكم الشعب بقانونين، قانون مدني حديث لسكان المدن، وآخر قانون العرف العشائري لسكان الأرياف، يكون شيخ العشيرة دكتاتوراً يعمل بفلاحيه ما يشاء ودون أي رادع، إضافة إلى كون هذا القانون العشائري يكرس التخلف. لذا فقد اعتبر علماء الاجتماع نظام حكم العشائر، عقبة كأداء أمام التطور الحضاري لسكان الأرياف ويعمل على إبقائهم متخلفين. وعليه، رأت حكومة الثورة من الضروري إلغاءه. لذلك استغل قرار إلغاء هذا القانون من قبل أعداء الثورة، فحاول شيوخ العشائر استمالة رجال الدين ضد الحكومة وحققوا في ذلك نجاحاً كبيراً. قانون الإصلاح الزراعي لتجريد شيوخ العشائر من سلب أتعاب الفلاحين من أبناء عشائرهم، أصدرت حكومة الثورة قانون الإصلاح الزراعي الذي هو الآخر أضر بمصلحة الإقطاعيين لتجريدهم من منابع قوتهم الاقتصادية، وكان لهؤلاء نفوذ كبير على رجال الدين بما يدفعون لهم من خمس وزكاة.
هذه القوانين الثورية الثلاثة، الأحوال الشخصية، حكم العشائر، والإصلاح الزراعي، أثارت نقمة الرجعية المحلية والإقليمية المتمثلة في أعداء المرأة، وشيوخ الإقطاع، فحركوا رجال الدين ضد الزعيم عبدالكريم قاسم وحكومته الوطنية، رغم ما قدمه الرجل من تعاطف ومودة واحترام لهم، وما قدم من خدمات جليلة للجماهير الفقيرة. ومن نتاج هذا التحرك هو إصدار فتوى من المرجع الشيعي السيد محسن الحكيم ضد الحزب الشيوعي (الشيوعية كفر وإلحاد)، حيث تم تفسير الفتوى أنها ضد قاسم وحكومته، إذ أنهم اتهموا قاسم بالشيوعية مسبقاً. وقد استنسخت هذه الفتوى على شكل شعارات
ولافتات ألصقت على البنايات في الشوارع في جميع المدن العراقية، وطبعت بأعداد كبيرة من النسخ وزعت على نطاق واسع من قبل القوميين والبعثيين وحزب التحرير (الأخوان المسلمين)، إذ لم يكن للسيد الحكيم آنذاك أي تنظيم سياسي واسع للقيام بهذه المهمة. وقد تحمس لها رجال الدين السنة، وشخصيات قومية لهذه الفتوى فشهِّرتها سلاحاً ماضياً في مواجهة الحزب الشيوعي العراقي، كما واستخدمت سيفاً بتاراً لإضعاف حكم قاسم من قبل المناوئين له. كذلك أصدر رجال دين آخرون فتاوى بهذا المعنى، واعتبروا الشيوعيين مرتدين عن الإسلام يجب قتلهم ما لم يتراجعوا عن الردة ويعلنوا التوبة! علماً بأن نحو 70% من الشيوعيين كانوا من الشيعة ومعظمهم من الفقراء.
وغني عن القول أن هذه الفتاوى لعبت دوراً مهماً في إجهاض الثورة، إذ فسرها كثيرون بأن المقصود بها هو الزعيم عبدالكريم قاسم وحكومته، حيث اتهم الرجل بالشيوعية، علماً بأنه كان متديناً، ويحترم رجال الدين، ولكنهم فسروا موقفه هذا ضعفاً منه!! كما وضيَّق الخناق على الشيوعيين بعد أحداث الموصل وكركوك عام 1959، حيث حاول خصوم الشيوعيين إلقاء تبعة هذه الأحداث المأساوية على الشيوعيين لأسباب وتعقيدات ليس هنا مكانها. المعروف في تلك الفترة أنه لم تقف جماهير الشيعة إلى جانب مرجعياتهم الدينية ضد قاسم، بل أغلبها ظلت صامدة في تأييدها له، نظراً لما عرف عنه من مناصرته للفقراء فقابله هؤلاء بمناصرتهم له أيضاً، لذا لم تكن للمعارضة الدينية لقاسم أي نفوذ شعبي في المدن الشيعية. لذلك لجأت هذه المعارضة إلى ممارسة نشاطها في المناطق السنية، مثل الأعظمية، والرمادي، والموصل. فشهدت تلك الفترة وحدة إسلامية غير مسبوقة بين رجال الدين الشيعة والسنة. وكان حزب البعث ينظم الاحتفالات والمهرجانات الدينية بمنسبة المولد النبوي مثالاً، والمؤتمرات التي أقيمت في داخل حرم جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة، يحضره مندوبون عن الشيخ محمد مهدي الخالصي وعن جماعة الإخوان المسلمين وجماعة علماء بغداد، والحركة القومية، وحزب البعث….وغيره
وبإعتراف الأستاذ حسن العلوي، البعثي السابق، أنه شارك شخصياً في هذا النشاط بدور فعال، إذ أنيطت به مهمة كتابة الخطب الخاصة بحزب البعث، سواء التي ألقاها بنفسه في تلك الاحتفالات، أم التي ألقيت من قبل أشخاص آخرين. ويقول العلوي الذي غيَّر موقفه من حزب البعث وقاسم في أوائل الثمانيات من القرن الماضي: “وعندما نتأمل جيداً في العوامل التي أسقطت حكم عبد الكريم قاسم وإعدامه على الفور، نجد العامل الخارجي كان العامل الحاسم لأن العامل المحلي لم يكن مؤهلاً للنجاح بدليل أن الأغلبية الساحقة من العراقيين مازالت مشدودة إلى عبد الكريم قاسم.”
إن عملية إغتيال حكومة عبد الكريم قاسم أدت إلى حرمان العراقيين من نظام سياسي غير متعصب لم يلتزم بتعميم تمذهب الدولة. وما أن تم القضاء على ثورة تموز وقائدها، حتى انفرطت تلك الوحدة التي ضمت القوى والشخصيات المتناقضة وعادت إلى صراعاتها الدموية فيما بينها. وكان بعض علماء الإسلام، والبعثيون، والضباط، والوزراء الشيعة الذين شاركوا في إسقاط عبد الكريم قاسم من ضحايا هذه السياسة.
ما الذي يجعل التناحر ياخذ صفة دينية ؟ اهو الدين ام السياسة ؟ ان مرجعية الحكيم مهما تلبست بلباس الدين والتقوى فان الدين منهم براء والسيد محسن ماهو الا سيا سي لبس اللباس الديني ومات بعد ان نجح في اسقاط اول جمهورية للشعب العراقي , ومات السياسي الاول عبد الكريم قاسم (رحمه الله) صائما وفي منتصف شهر رمضان المبارك ولم يعرف له قبرا سوى قلوب العراقيين الشرفاء