23 ديسمبر، 2024 5:35 ص

التحالف الوطني واستعادة دوره

التحالف الوطني واستعادة دوره

بدأت تلوح في الأفق بعض ملامح الحل للازمة نتيجة الاستجابة المتأخرة للحكومة العراقية للمطالب المشروعة للمتظاهرين بعد الاستماع للآراء السديدة التي قدمتها المرجعية الدينية كخارطة طريق للخروج من نفق فقد الشعب الأمل لرؤية الضوء في نهايته ، فالمرجعية الدينية برؤيتها الحكيمة اعتبرت ان هناك أزمة حقيقية منشأها داخلي ولا مفر من حلها سوى الجلوس والحوار والاستماع للأخر والخروج بتفاهمات قاطعة لإنهائها ، وأكدت المرجعية في كل مناسبة وخطاب انه لا يمكن ان يدار البلد بترحيل الأزمات وتأجيل الحلول لأوقات لاحقة لنجد أنفسنا كما نحن اليوم امام جبل من الإشكالات والظلم الذي ولد انفجار ونزول للشارع “وهي من اخطر المراحل” مما يدفع الى تقديم تنازلات والقبول بشروط كان يمكن رفضها في أوقات ماضية .
وبالرجوع الى الوراء قليلاً وبحثنا في أصل منشأ الأزمة لوجدنا ان الطرف الفاعل في العملية السياسية حاول دائماً اختلاق الأزمات والتصعيد بين الفرقاء السياسيين في محاولة لكسب الأصوات ورفع شعبية حزبه على حساب مصلحة الوطن والمواطن وحاول تحشيد الجمهور لجانبه وتقديم نفسه بأنه القائد الأوحد وممثل الطائفة وحامي حماها ضد أي تأمر وعدوان متناسياً ان الممثل الشرعي الوحيد للطائفة هي المرجعية الدينية وان قيادة البلد سياسياً وأمنياً لا تتوقف وتختزل في شخص واحد فالعراق يزخر ويتزاحم بالقيادات القادرة على إدارة البلد والخروج بنتائج أفضل مما ينتجه شخص وصل به بريق المنصب الى حد التعصب ، فليست قيادة بلد مثل العراق متنوع الأطياف يدار بهكذا سياسة تعتمد على الإشكال والتشكيك وكسر العظام ، فخلال عام واحد خسر حلفاء إستراتيجيون بإشكالات المناطق المتنازع عليها مع الأكراد وتخلى عن معتدلي السنة ممن وقفوا وضحوا بأنفسهم في تثبيت الأمن في مناطق كانت تعتبر خارج سيطرة الدولة تحت مسميات قانون المسائلة والعدالة وتسريح الصحوات وعدم الوفاء بوعود تعين أبناء مناطقهم.
أن قيادات المتظاهرين ورجالات الدين ممن تصدوا لهذا الشروط وأعلنوا عن دعمهم للجمهور الغاضب في تحقيق مطالبه للجوء مطالبون للعودة الى مبدأ الحوار وسياسة التفاهم للوصول الى نتائج ترضي الجميع وتفوت الفرصة على المتربصين والمستعدين لزعزعة الوضع وتأجيج الفتن وإحداث التصادم بين الجيش وقوات الأمن من جهة والمتظاهرين من جهة اخرى لتنفيذ الصفحة الثانية من المخطط صفحة السلاح والدم .
كما تقع على الحكومة والجهات التشريعية من برلمان ومجالس محافظات مسؤولية الصدق والوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم وتعهدوا بتنفيذها بأسرع وقت وعدم التسويف والمماطلة بذلك حتى لا تعاد التحشيدات من جديد ونجد العراق في موقع لا يحسد عليه وحينها لا يفيد ندم النادمين ولا يمكن التفاوض او الحوار مع احد لان حينها تكون الثقة وجسور التواصل قد تقطعت ولا سبيل لوصلها وان يكون تعامل الرئاسات الثلاث بروح المسؤولية مع هذه الازمة وان لا يصطف كل طرف مع مكونه وينسى انه ممثل للعراقيين جميعاً وان على عاتقه تقع مسؤولية متابعة تنفيذ كل الحقوق من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ولا يمكنه التعامل بانتقائية مع الامور.
أما العشائر ووجهاء المناطق فهم يحتلون موقع رئيسي ولاعب مهم في حل التصعيدات والتواصل مع مختلف الطوائف كون التركيبة العشائرية في العراق ما تزال بعيدة كل البعد عن النفس الطائفي ولا زال انتماء الفرد الى قبيلته أقوى من الفتن الطائفية وقول شيخ العشيرة بمثابة حد السيف على أبناء عمومته مما يتطلب تفعيل دورهم بصورة اكبر ودعم مبادراتهم والوقوف معها وجعلهم مدخل للحل مع أطراف قد تعجز المؤسسات الرسمية عن إيجاد مدخلات لها.
في هذا الوقت نجد ان التحالف الوطني وبفضل حكمة حكيمهم ، الذي لم يتنازل عن دعواته للحوار وإنصاف المظلومين منذ أول يوم للازمة ، استعاد دوره القيادي وزمام الحل واستطاع ان يطوق الأزمة التي لم يكن ينظر اليها أي مواطن عراقي بعين التفاؤل وخلقت في الشارع العراقي روح التشاؤم في إيجاد حلول ترضي الأطراف المختلفة ، لذا يحتاجه التحالف الوطني بعد هذه الأزمة سعي جاد وحثيث لتصفير الأزمات المتراكمة مع كل الأطراف والتعامل بإستراتيجية مع الملفات المطروحة ، والحفاظ على وحدة مكوناته وتماسكها وزيادة الشعور بالمسؤولية الشرعية والسياسية الملقاة على عاتقه في كونه الكتلة الأكبر وصولاً للحفاظ على وحدة العراق وتحقيق المستوى العالي من الرفاهية لمواطنيه بمختلف انتماءاتهم وهذا كله لا يتحقق إلا بالتعاون مع شركاء الوطن الذين يشاركوننا فيه ولا يمكن لأحدنا ان يتركه او يبني جداراً فاصلاً كجدار برلين لان مشتركاتناً وروابطنا اكبر وأكثر من اختلافاتنا.