اقتضت ظروف العراق بعد عام 2003 ان يشارك السني والشيعي والكردي والتركماني في قيادة البلد , وكان الغرض عدم استفزاز اي مكون وعدم اشعاره بالتهميش والاقصاء , لكن يبدوا ان نية ( اخوانا على سرر متقابلين ) لاتصلح في عالم السياسة فاخذ يتحدث الكرد عن حق تاريخي ودستوري في رئاسة العراق .
ومع ان اغلبية العراقيين والناخبين من الشيعة وان هذه الاغلبية هي التي منحتهم منصب رئاسة الوزراء دستوريا لكننا لم نجد احدا من قياداتهم الدينية او السياسية من صرح بان رئاسة الوزراء حق حصرية بالشيعة كونهم شيعة , بل اننا سمعنا ممن يقود بعض التيارات السياسية في الساحة الشيعية يتحدث عن تهميش السنة من قبل الحكومة وان السنة مظلومون والشركاء مهمشون , كما يوجد بين الشيعة من يريد التنازل عن بعض الصلاحيات الدستورية الخاصة بمنصب رئيس الوزراء الى الكرد والسنة مقابل جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء .
يعرف المتابعون للشأن السياسي العراقي ان التحالف الوطني الذي تاسس بعد انتخابات 2010 هو الاطار السياسي العام الذي يضم الكتل السياسية الشيعية وابرزها دولة القانون والمواطن والاحرار , وتاسس للحفاظ على الاكثرية التي يترشح عنها رئيس الوزراء اذ كانت القائمة العراقية تزيد على دولة القانون بمقعدين في مجلس النواب وكانت الاكثرية لها , وعندما تاسس التحالف اختيرت له رئاسة ووضع له نظام داخلي واخذ يعقد اجتماعاته الدورية لتنسيق مواقفه وتوحيد رؤاه من القضايا المطروحة , لكن في حقيقة الامر ظلت كتلة المواطن ترمي ببصرها الى رئاسة الوزراء وتمسك العصا من الوسط فلا تساند الحكومة في موقفها من الموازنة الخاصة باقليم كردستان او تصدير الاقليم للنفط دون موافقة الحكومة الاتحادية , ولا تساند الحكومة في القبض على كبار المسؤولين المتورطين في عمليات ارهابية من مسؤولي القائمة العراقية , وهذه المواقف التي اتسمت بالميوعه والمداهنة تقوم اساسا لكسب هذه الكتل بعد انتخابات 2014 ودعم مرشح كتلة المواطن لرئاسة الوزراء .
وفيما يخص كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري فكانت في حرب معلنة مع الحكومة ورئيسها فلم يخل اي خطاب في الفترة الاخيرة للسيد مقتدى الصدر من هجوم على رئيس الحكومة وهو قيادي بارز في التحالف الوطني ويشكل ائتلافه العمود الفقري للتحالف , ومضت هذه المواقف بعيدا بتوقيع اتفاق اربيل لسحب الثقة عن رئيس الوزراء وبتشريع قانون تحديد ولايته بولايتين والذي ردته المحكمة الاتحادية لمخالفته للدستور .
من خلال هذه المواقف المتناحرة لا يمكننا ان نصف التحالف الوطني بالتحالف المتماسك الذي يمتلك رؤية موحدة من الحدث العراقي ولذا برزت بعد الانتخابات الاخيرة مواقف تدعو للمحافظة على لحمة التحالف وبقائه حيا دون توضيح الكيفية التي سيبقى فيها التحالف حيا متماسكا , هل حياته بانبوبة اوكسجين يتنفس منها ام بقنينة مغذ تزرق له في وريده ؟ .
ان استعراض مسيرة التحالف للسنوات الاربع الماضية لا تشجع على بقائه فهو خلالها ليس اكثر من بيت تلتقي فيه الاطراف المكونة له لكنه ليس احسن حالا من بيت العنكبوت !. لابد اذن من اسس جديدة يقوم عليها التحالف الوطني اهمها ان يكون سندا للحكومة لانها منبثقة منه , وان يدعم مشاريع القوانين التي ترفعها الى مجلس النواب ولا يعارضها كما فعل في الموقف من مشروع قانون البنى التحتية والموازنة , وبهذه الاسس سيحترم الاخرون الاغلبية الشيعية وكياناتهم السياسية ولا تتحول هذه الاغلبية الى سلة بيض يكسر بعضه بعضا عند اول تصادم .
بعض الاطراف من قائمة متحدون واياد علاوي صرحت بان لها تجربة ناجحة ومسيرة جيدة مع كتلتي المواطن والاحرار , وهنا يمكننا ان ندق ناقوس الخطر والتحذير لقيادتي هاتين الكتلتين من ان تخدعهم هذه التصريحات فهي تخفي وراءها هدفا شريرا وهو تحطيم التحالف الوطني وجعل اطرافه الاساسية في مواقع متقابلة متضادة , وهذه التصريحات من متحدون او اياد علاوي تشبه موقف ابي سفيان من السقيفة عندما جاء يحرض امير المؤمنين (ع) على القتال وانه مستعد لامداده بالخيل والرجال ومد يده يبايعه بالخلافة لكن الامام (ع) وهو رجل المباديء رفض دعوة ابي سفيان على الرغم من حقه المختطف لانه يعرف مواقفه طوال حياة النبي (ص) وانه ما اضمر في نفسه حبا للاسلام.
في الايام القليلة الماضية عقدت اجتماعات اولى وستعقد اخرى بين مسعود بارزاني والنجيفي واياد علاوي , وصرح بعضهم برفض هؤلاء لولاية ثالثة للمالكي , اعتقد من المعيب قبول هذه التصريحات والمواقف الاملائية الاستعلائية على اكبر مكونات الشعب العراقي خصوصا وان الكرد صرحوا بان رئاسة الجمهورية حق حصري لهم وان مرشحهم هو من يقبل به برلمان اقليم كردستان , ولا ادري هل يرضى التحالف الوطني هذه الاهانة بان رئيس الجمهورية من وجهة نظر الكرد هو من يقبل به برلمان كردستان بينما التحالف الوطني ليس له ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء ؟ وهل يرضى بفيتو اياد علاوي الذي لم يحضر اكثر من جلستين اوثلاثة في مجلس النواب السابق ؟ .
ان ما يحز في النفس انك غير قادر على طرد من يتاجر بحاضرك ومستقبلك لمصلحته الشخصية.