23 ديسمبر، 2024 8:57 م

التحالف المدني الديمقراطي في العراق و خيبة الأمل

التحالف المدني الديمقراطي في العراق و خيبة الأمل

يتطلع الناس الى الخلاص من المصيبة العراقية التي فاقت مثيلاتها في الزمان و المكان و يحاولون العثور على كتلة سياسية تمثل طموحاتهم. و قد علق كثير من الناس آمالهم على التحالف المدني الديمقراطي، لكن المتفحص لبرنامج هذا التحالف سيجد أن هذه الوثيقة تدفع للاعتقاد ان هذه الكتلة اذا ما فازت أو حققت مقاعد محددة لن تكون قادرة على حل المعضلة العراقية أو التخفيف من معاناة الشعب بل ان برنامجها يعطي الانطباع بأنها ستندمج في مسار السلطة الرئيسي القائم و أنها مسكونة بهدف المشاركة في السلطة بذاته و لذاته. و اليكم الاسباب:
لاوجود لكلمة “معارضة” في البرنامج!!
المشاركة في انتخابات برلمانية بقائمة مستقلة تعني بالضرورة ان تحالفا أو حزبا ما غير راض عن الاداء الحكومي و أنه سيسعى للحصول على أغلبية المقاعد و تشكيل حكومة بديلة كجهاز تنفيذي لاصلاح الحال مدعوما بأغلبية برلمانية لاقرار التشريعات (وبعكسه سوف يرشح ضمن قائمة الحكومة).
 أو أن التحالف أو الحزب لا يحصل على عدد كافٍ من المقاعد فيكون في الغالب حزب معارضة.
و في الحالتين فإن المطلوب هو التغيير، و من اجل ذلك يجب ان يكون ثمة تكتيكان لكل حالة، حالة الانتصار الحاسم و حالة الحصول على مقاعد محددة.
سنناقش أولا الاحتمال الثاني ثم نكرس بقية المقال للاحتمال الاول و نرى هل أن فقرات برنامج التحالف قادرة على تقديم بديل يتماشى مع الحالتين
سيلاحظ القارئ بادئ ذي بدء ما يلي:
1 ـ ن برنامج التحالف المدني الديمقراطي لم يحدد سلوكه كمعارضة، بل أن كلمة معارضة أو معارض لم ترد حتى لمرة واحدة في كامل البرنامج. و الكل يعرف انه لا وجود لديمقراطية حقيقية بدون معارضة حقيقية.
2 ـ بالرغم من تشخيصه للسلبيات بشكل عام، تجنب البرنامج انتقاد الحكومة أو تحميلها و لو جزئيا مسئولية السلبيات أو الكوارث التي حصلت و هذا امر غريب و غير مألوف لكتلة تطرح نفسها بديلا.
3 ـ لم يحدد البرنامج اهم ملمح لمعارضة حقيقة وهو عدم جواز المشاركة في الحكومة، إذ لا يجوز الجمع بين الوجود في البرلمان كمعارض و الاشتراك في الحكومة، لأن هذا يشل دور الكتلة  كمعارض و يضر بمصداقيتها، فكيف يمكن التوفيق بين كتلة معارضة تسعى الى نقد الحكومة و تصحيح مسارها و المشاركة في الجهاز التنفيذي المنتقد؟!
إن مشاركة وزير ما في وزارة فاسدة (و هذا ما فعلته احزاب مشاركة في التحالف) يجعله فاسدا لإن مسئولية الوزارة جماعية تضامنية، لا وجود في انظمة العالم السياسية لوزير نظيف في وزارة فاسدة، انما هذا من تأسيسات السياسة العراقية وحدها، و هو شكل من اشكال السلوك الانتهازي.
4 ـ إن البرنامج لم يحدد طابع الحكومة. فالبرنامج تحدث عن المحاصصة و الفساد و لكن دون لوم الحكومة و التحالف الحاكم و في نشوءها و ترسيخها وجرى تحميل النظام السابق و الاحتلال مسئولية كل المساوئ تقريبا و هذا يصب في مصلحة السلطة.
السلطة القائمة هي جوهريا: سلطة ثيو ـ طائفية، تحالفها الرئيسي مع قوى قومية كردية، يرتكز على اتفاقات معلنة دستورية أو أخرى غير معلنة و تقديم تنازلات مستمرة من قبل السلطة المركزية لصالح الأقليم تتناسب طرديا مع الصعوبات التي تواجهها. و تقوم تحالفات السلطة جزئيا على تحيّد و تزيف ارادة قوى و شخصيات من مكونات أخرى مقابل مغانم مادية.
فهل لدى التحالف ما يخالف ذلك التشخيص لطبيعة السلطة؟ سيسرنا ان نسمع ذلك!
إن التفسير المنطقي لعدم إشارة التحالف الى امكانية لعبه دور معارضة و لعدم ورود كلمة “معارضة” في برنامجه، و لو سلمية و بناءة، أن التحالف يسعى للحصول على قدر من الاصوات لكي يدخل في قائمة الحكومة كحليف لما بعد الانتخابات، أي كما قلنا في صدر المقال، الاندماج في المسار الحكومي و الحصول على بعض الوزارات و المقاعد دون احداث تغيير جوهري في الوضع العراقي و بذلك لا يكون البرنامج برنامجا بديلا او برنامج انقاذ انما يكون برنامجا لانقاذ الحكومة مقابل الحصول على جزء من مغانم السلطة و هذا ما يتعارض مع مصالح الشعب المتطلع الى حكومة تسعى إلى تغيير جذري.
 البرنامج الانتخابي
يلعب البرنامج الانتخابي دورا مهما في سبيل:
اولا: حشد الناس لانتخاب القائمة (قبل الانتخابات)
ثانيا: تحديد المهمات اللاحقة (بعد الانتخابات)
و من اجل ان يكون البرنامج الانتخابي اداة حقيقية للتغيير ينبغي له ان يتجنب الصياغات العمومية و يلجأ الى اقصى درجات الوضوح و التحديد و الملموسية .
فهل استجاب برنامج التحالف المدني الديمقراطي لذلك؟
يجد قارئ البرنامج القليل من البنود الواضحة، أشير هنا الى مثال مقتبس:
“حصر حمل السلاح بيد الدولة وحل المليشيات ومنع أي مظهر من مظاهر التسلح غير القانوني”.
و لكن أغلب البنود التي يفترض أن تكون حاسمة، بقيت ضمن العموميات، كما في المقتبس التالي:
ورد في المحور السياسي:
1. “العمل على اعادة بناء عملية التحول الديمقراطي، وإقامة مؤسساتها وفق المعايير الوطنية بعيداً عن نهج المحاصصة الطائفية الذي ثبت فشله وعجزه”.
انتهى الاقتباس.
من الممكن لهذه الفقرة بكاملها ان توضع في برنامج أي حزب، بما في ذلك الاحزاب الطائفية دون ان تجد اي حرج منها او أي نوع من الالزام المحدد، فالكل ينادي بمحاربة الطائفية و المحاصصة.
و لكننا لو وضعنا بدلا عن ذلك فقرة تشير الى ما يلي :
“من اجل قطع الطريق على المحاصصة الطائفية و القومية و الاثنية و العمل على شغل المراكز السيادية على أساس المواطنة، نسعى الى تعديل الدستور بما يضمن انتخاب رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء عن طريق الانتخاب المباشر و السري على أن يحصل الفائز على الاغلبية المطلقة”.
فأننا بذلك سنضع اقتراحا محددا و ليس عبارات عديمة المعني، فهذه الطريقة هي الوحيدة القادرة على قطع الطريق امام صفقات “اعطني و خذ”.. فلماذا اغفل واضعو البرنامج الانتخابي هذه النقطة؟
ربما جرى ذلك لإرضاء الكتلتين الرئيستين الكردية و الشيعية، عندها لن يكون البرنامج برنامج مشروع وطني مدني انما برنامجا مكملا لنظام المحاصصة لا غير.
و لكن لربما يصار الى المحاججة التالية، انه بوجود اكثر من مرشحين اثنين (اربع أو خمس مرشحين) سوف يتعذر حصول احد المرشحين على الاغلبية المطلقة (أكثر من 50 % من الاصوات).. و الجواب على ذلك هو أن يصار إلى اضافة فقرة اخرى للمادة تشير الى ” في حالة عدم حصول احد المرشحين على الاغلبية المطلقة يصار الى الى جولة ثانية من الانتخاب يشارك فيها اثنين من المرشحين الحاصلين على اعلى الاصوات، أي الأول و الثاني” و في هذه الحالة سوف يحصل احدهما على الاغلبية المطلقة حتما.
هذه الطريقة ليست جديدة و معتمدة في انتخابات الرئاسة الفرنسية.
إن التخوفات من وصول اثنين الى الرئاسة من طائفة أو قومية واحدة غير مبررة، لأننا نتحدث عن معيار المواطنة و ليس غيره و  لأن البديل الاخر هو المحاصصة الطائفية لا غيرها، تلك المحاصصة التي يلعنها و يكرس وجودها الجميع في نفس الوقت.
الدين و الدولة
أن الوضع العراقي سيء بشكل حاسم و لا يتم اصلاحه الا ببرنامج حاسم و جرئ. و لا يصح ان تقوم كتلة انتخابية او حزب ما بالجري وراء الجمهور لاستدرار رضاه و صوته و تتجنب كل ما يزعجه. الاصلاحيون الحقيقيون يجب ان يتقدموا عموم الناس و يرشدوهم الى الطريق الصحيح لا أن يسيروا وراءهم.
يخسر العراق ملايينا من ساعات العمل سنويا بسبب المناسبات الدينية و تشل مؤسسات الدولة بالكامل و تتأخر معاملات المواطنين، و لا تعمل الدولة على وضع هذه المناسبات ضمن الاطار و الحجم الصحيح و انما تقوم بدعمها من المال العام و تكرس لها مئات الالوف من رجال الامن لاغراض الحماية، فيما ترفض قوات الامن حماية المتظاهرين السلميين المطالبين ببعض المطالب المشروعة و تعرقل و تقمع كل شكل من اشكال الاحتجاج بحجة انها غير قادرة على حمايتهم.
ممارسة الطقوس الدينية تدخل ضمن الحريات الشخصية و على الدستور أن يضمن ذلك بشرط ان لا تتعارض مع النظام العام و تتناقض مع عمل مؤسسات الدولة و أن لا تؤدي الى قطع طرق المواصلات و لا يجوز الصرف عليها من المال العام.
فهل هذا واقع الحال؟ و هل قام التحالف المدني بنقد الحكومة بهذا الصدد؟ هل طرح البديل؟
لم يفعل ذلك حتى نظريا عن طريق برنامجه الانتخابي المعلن!
رجال الدين يجبون اموال المواطنين بدون رقيب
يحصل رجال الدين على مبالغ خرافية من خلال ما يجبونه من اموال من المواطنين. و مثل هذه المناسبات الدينية تصب المزيد من الاموال في خزائنهم عن طريق التحالف بين البازار العراقي و رجال الدين الذي تغذيه المناسبات الدينية التي فاق عددها مداها كل تصور، و لا يمكن ادامة هذا النهب لمال فقراء الناس و كادحيهم الا بإدامة التجهيل و تأجيج الكراهية و ادامة البكائيات و استحضار اسوأ الحوادث قبل اكثر مما يقارب الألف و خمسمائة سنة.
كل هذا و غيره لم يجد له اي مكان في البرنامج الانتخابي للتحالف المدني الديمقراطي! و لم نجد من لدن “الديمقراطيين” الداعين للعدالة الاجتماعية و من المتخصصين منهم في الاقتصاد ما يشير الى الموقف من الاموال التي يجبيها رجال الدين و كيف انها اسوأ بكثير من أرباح رأس المال (الذي اشبعوه نقدا و تجريحا) من حيث ان ارباح رأس المال تعود و تدخل دورة الانتاج و التداول مرة اخرى و أن جزءا منها يستعمل لتجديد ادوات الانتاج و يشغّل العديد من العاطلين فيما اموال الخمس لم تستثمر اطلاقا في سبيل اعادة البناء.
يحاول البعض ان يصور ان الدعوة الى دولة مدنية هو بمثابة دعوة ضمنية الى فصل الدين عن الدولة. أن تأسيس مجتمع مدني هو عملية شاملة ذات اوجه متعددة و قد تحتاج لكي تتحق الى عشرات السنين و لكنها تبدأ اول ما تبدأ بفصل الدين عن الدولة و هذا هو الاشتراط المسبق لنشوء المجتمع المدني.  هذا النوع من التأويل للمجتمع المدني و جعله بديلا عن شعار فصل الدين عن الدولة هو نوع من التمويه و القفز المقصود على الاولويات.
لا يوجد بلد في العالم من استطاع السير في طريق الديمقراطية و حقوق الانسان و التطور الاقتصادي و الاجتماعي و استطاع بناء مجتمع مدني دون فصل الدين عن الدولة كأولوية سبقت غيرها، و حتى الاحزاب التي تهتدي بالافكار المسيحية بمعناها الانساني مثل الاحزاب المسيحية الديمقراطية هي احزاب ملتزمة بفصل الدين عن الدولة.
لم يُبذل أي جهد من قبل القوى المتحالفة لتوعية الناس بأن فصل الدين عن الدولة، ليس كفرا كما يحاول ان يصوره بعض رجال الدين و انما العكس، و هو ان العلمانية هي الشرط الافضل لنمو الاديان و الايمان الحقيقي الطوعي الصادق و تشهد بلدان الديمقراطيات الغربية العلمانية افضل مناخ لتلاقح الاديان و تفاعلها الثقافي السلمي . فهل يجهل ذلك حقا واضعو البرنامج من الديمقراطيين المدنيين؟
من أين نبدأ؟
في كل وضع شائك تتراكم فيه المشاكل الاجتماعية و السياسية و الثقافية تُطرح مشكلة الاولويات و السؤال : من اين نبدأ.
أجد ان الخطوة الاولى في سبيل اصلاح مؤسسات الدولة يجب ان تكون بقطع الطريق على شاغلي مراكز الرئاسات الثلاث و الوزارات و اعضاء البرلمان و وكلاء الوزرات في جعل مراكزهم وسيلة للاثراء و أن يتم تحديد مرتبات هذه المراكز بشكل جلي و واضح و معلن و ان يحدد الحد الاعلى لمخصصات الحماية و المخصصات الأخرى و ان يتم اعتماد الشفافية بنشر ذلك في الصحف الرسمية.
فرئيس الجمهورية على سبيل المثال يدفع مرتبات لمستشارين من مرتبه الضخم الذي يتجاوز مثيله في كل بلدان العالم بل و يتجاوز مرتب رئيس الولايات المتحدة الامريكية اغنى دولة في العالم و الامر ينطبق ايضا على رئيس الوزراء. من هم هؤلاء المستشارون؟ كم هي مرتباتهم؟ لا احد يعلم.
يتطلب الأمر العمل بمبدأ الشفافية و فصل مرتبات المستشارين عن مرتبات الرئاسات و ان تكون معلنة.
يكتسب الامر اهميته القصوى بسبب أن
1 ـ الحصول على رواتب و مخصصات ضخمة جدا تتجاوز مثيلاتها في دول العالم، تجعل الكثير من غير المخلصين و غير الصادقين يتطلعون الى الفوز بهذه المراكز ليس لخدمة سواد الشعب انما للاثراء السريع.
2 ـ ان هذا الاثراء يمكنهم من جمع ارصدة مالية و تحويلها الى البنوك الخارجية ثم  التهرب من المسئولية و المسائلة، خصوصا و ان اغلبهم حاصل على جنسية دولة أخرى و اننا بحاجة الى اناس يرتبط مصيرهم بمصير ناس هذا البلد و لا يفكرون بمغادرته.
فما الذي ورد بهذا الخصوص في برنامج التحالف؟
اقتباس
“وضع سلم جديد وعادل لرواتب واجور عموم موظفي الدولة على اسس علمية سليمة بما يزيل مظاهر التفاوت الحاد وعدم التوازن القائمة حاليا، والاستجابة للمطالبة الجماهيرية الخاصة بتخفيض رواتب و تقاعد موظفي الدولةالكبار وذوي الدرجات الخاصة واعضاء البرلمان”
لا يوجد ما هو اكثر عمومية من ذلك.
هنا اقترح ان يكون الحد الاعلى للرواتب 5 مليون دينار عراقي للرئاسات الثلاث و 3 ملايين دينار عراقي لمستشاري الرئاسات و للنواب و الوزراء و مادون ذلك لوكلائهم.
أن يتم تحديد مبلغ اجمالي للحمايات بأن تكون 4 ملايين دينار عراقي لحماية الرئاسات و ما دون ذلك للوزاء و النواب.
هذه الارقام مجرد اقتراح للمناقشة و لكن لا يجوز بكل حال من الأحوال لبرنامج يطرح نفسه للانقاذ أن يتجنب اعلان رقم محدد و أن لا يطالب بأن تكون الرواتب معلنة و خاضعة للرقابة. و بزيارة بسيطة لموقع غوغل يستطيع القارئ ان يعرف رواتب رؤساء و رؤساء وزراء دول العالم و المخصصات التي يحصلون عليها.
لقد خاضت احزاب متنافسة الانتخابات في اوربا و دار جدل و صراع حول الحد الادنى من الاجر اليومي و دعت احزاب الى جعل الحد الادني لاجور العمل 8 و نصف يورو للساعة الواحدة. و حين فازت الكتلة التي رفضت هذا المقترح، اضطرت الى تبنية فيما بعد لانها لم تكن قادرة لوحدها على تشكيل الحكومة فدخلت في مفاوضات لتشكيل تحالف و لم تجد بدا من تبني العمل بهذا المقترح.
هذا مثال على الملوسية.
هنا اقترح  ما يلي
الحد الأعلى للرواتب في مؤسسات الدولة بما في ذلك الدرجات الخاصة : 5 ملايين دينار
الحد الادني للرواتب في مؤسسات الدولة و للمتقاعدين: 750 الف دينار عراقي
الحد الادني للمشمولين بالرعاية الاجتماعية : 450 الف دينار عراقي
فبماذا سيحاور واضعو برنامج التحالف و مادحوه باعتباره منقذا؟ و هل لديهم مقترحات بديلة ام الصمت؟
تمويل الزيادات
لا يقوم مشرعون في اي نظام في العالم بوضع تعديلات تتطلب تخصيصات مالية دون مصادر بديلة، اي أن يقوموا بتقليص الانفاق هنا و تغطية الزيادة هناك كما اقترحنا في مسالة تعديل رواتب الحد الادنى.
و بما الحد من الانفاق الحكومي في مجال الحد الاعلى من الرواتب قد لا يوفر مبالغ لتغطية الفرق الناشيء عن زيادة الحد الادنى و الرعاية الاجتماعية، و بما ان الفقرة التالية الواردة في برنامج التحالف جديرة بالمناقشة، فإن العمل بها قد يوفر مصادر بديلة للتمويل. و المصدر البديل هو تقليص قوى الامن الداخلي و الجيش.
ورد في برنامج التحالف المدني:
“اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لاعادة بناء القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي على اساس المهنية ومعايير المواطنة بعيدا عن المحاصصة بمختلف اشكالها، وتربيةمنتسبي القوات المسلحة باحترام المؤسسات الدستورية والديمقراطية و حقوق الانسان.”
هذا الفقرة مثال آخر على التعميمات و الهروب من اية مقترحات محددة.
إن قوى الامن العراقي غير كفوءة و غير موالية للمؤسسات و القوانين و لكنها قبل ذلك كله متضخمة جدا وينبغي تقليصها حيث لا يلعب العدد اي دور في علميات حماية الوطن و محاربة الارهاب و كان من المنتظر أن يتضمن البرنامج اشارة الى ضرورة تقليص حاسم لعدد قوات الامن و تعدد مستوياتها كشرط اساسي اولى لتحسين ادائها و يضع خطة لتحويل الفائض من منتسبيها الى مشاريع انتاجية.
تستهلك قوات الامن الموارد الاساسية لدخل الدولة دون ان تقوم بعمل حقيقي في مكافحة الارهاب و من الممكن للمبالغ التي تتوفر ان ترصد لتمويل الفروق الحاصلة من رفع الحد الاعلى للمرتبات.
قوانين الرعاية الاجتماعية
ورد في البرنامج:
“تشريع القوانين التي تحقق عدالة اجتماعية كقانون التقاعد الموحد، وقانون التامينات والضمانات الاجتماعية.”
إن مراجعة بسيطة لقانون الضمان الاجتماعي و قوانين العمل تثبت أن العراق قد شرع قانونا متقدما للرعاية الاجتماعية و قانون العمل قياسا بالزمن الذي تم فيه التشريع، و القانون هو حصيلة نضال الشغيلة و المطالبات المستمرة بإجراء تعديلات على قوانين العمل في مختلف مراحل تاريخ العراق الحديث، و المطلوب هو العودة لهذه القوانين و دراستها و تعديلها بما يتناسب مع المتغيرات و خصوصا التضخم النقدي.
و يبقى المقترح مرة اخرى غير حاسم اذا لم يصار الى اقتراح حد ادنى للأجر و حدا ادنى لمخصصات الرعاية الاجتماعية بما يتناسب مع التضخم.
السياسة الخارجية
يعرف واضعو البرنامج ان ايران هي اللاعب الرئيسي في الساحة العراقية و هي المهيمنة على القرار الداخلي من خلال نفوذها على ممثلي السلطة المركزية و رجال الدين النافذين و كذلك نفوذها على الاتحاد الوطني الكردستاني حتى ان رجل دين شيعيا قد صرح بذلك دون مواربة.
و رغم التطورات الاخيرة في العلاقة بين ايران و المجتمع الدولي لا تزال ايران تقف في مواجهة شاملة مع المجتمع الدولي. و لا يمكن للعراق ان يبني سياسة خارجية مع المجتمع الدولي دون أن يقيم مع ايران علاقة تقوم على الاحترام و التكافؤ المتبادل.
ليس مطلوبا من البرنامج ان يصوغ عبارات استعداء ضد اي من جيران العراق و لكنه يحتاج الى صياغة اكثر و ضوحا في اعتبار العلاقة مع المحيط العربي و المجتمع الدولي في مقدمة اولويات السياسة الخارجية العراقية و أن يدعو إلى علاقات متوازنة على الاقل. و بعيدا عن العقد الطائفية و القومية ينبغي اقامة علاقة متينة مع تركيا و إيران و الدول العربية و دول الخليج تقوم على المصالح و الاحترام المتبادل، و لكن العلاقة مع تركيا ذات اهمية خاصة، خصوصا و انها تتحكم بمصادر المياه.
نقاط متفرقة
قدم البرنامج نقاطا عديدة لمختلف مناحي الحياة في العراق و منها ما يتعلق بالبيئة و كذلك باصلاح النظام التعليمي.
ان هيمنة الفكر الديني الغيبي الطائفي المعتمد على خرافات تدور عن خوارق تفوق قدرة البشر يتطلب مرة اخرى ان نربط اصلاح النظام التعليمي ليس بالتعددية الفكرية و حسب و انما ايضا بمبدأ فصل الدين عن الدولة و اعتماد المناهج العلمية. و لا يمكن بأي حال من الاحوال اصلاح النظام التعليمي اصلاحا جذريا بدون هذا الفصل.
ليس العراق مبتلى بالمحاصصة الطائفية و العرقية و القومية بل ايضا بالمحاصصة الحزبية، و تعمل الاحزاب بما في ذلك احزاب نافذة في التحالف على تقديم منتسبيها على غيرهم في قضايا الامتيازات و شغل الوظائف، و لم يقم عمليا حزب ما بترشيح تكنوقراط مستقلين لشغل الوظائف العامة. أن الحياة الحزبية في العراق غير سليمة، فالحزب يجب أن يكون خادم المجتمع و لا ينبغي له ان يقدم الخدمة و الامتيازات لاعضاءه و مؤيديه. و قد شهد العراق بسبب سياسة هذه الاحزاب العصر الذهبي للانتهازية و الوصولية، و وجد انصار النظام السابق في هذا فردوسهم حيث استفادوا مرتين، مرة باعتبارهم اعضاء في الحزب الحاكم قبل 2003 و مرة اخرى باعتبارهم منتمين لاحزاب طائفية ، فيما اقصي الكثير من المعارضين مرتين : مرة في زمن النظام السابق و مرة اخرى لانهم حافظوا على استقلالهم و ميولهم النقدية.