4 نوفمبر، 2024 9:19 م
Search
Close this search box.

التحالف الشيعي الكردي – استرايجية تهميش الدولة

التحالف الشيعي الكردي – استرايجية تهميش الدولة

بعد انتفاضة اذار 1991 ونتيجة الطريقة الوحشية التي قمعت بها الانتفاضة في وسط وجنوب العراق من قبل النظام . ظهر هذا الاستخدام للمصطلح أو المشروع والذي قام على اساس المظلومية الكردية الشيعية. كان ذو طابع سياسي ومن ضمن الفعاليات المتنوعة للمعارضة العراقية ولكنه اكتسب لحما شيئاً فشيئاً مع الاندماج مع قانون تحرير العراق. مع الاقترب من 2003، اكتسب افاق عملية ومضامين اوسع وكانت من نتاجه الابرز هو نظام المحاصصة الطائفية القومية. حيث كانت قوى الاسلام السياسي الشيعي و الحركة الكردية هي الفاعل الاساسي في تبني المشروع الامريكي والذي حظى بالموافقه الايرانية وقبلها الإقليمية .
بعد 2003 تجسد التحالف بشكل عملي حيث اقيم مشروع الدولة الجديدة على اساس التحالف الشيعي الكردي وباعتباره القوى القابضة على زمام السلطة والمتحكمة بمفاصل عموم أفاق تطور الوضع لاحقاً.
أجتمع الطرفان على مفصل واحد من ضمن ما اجتمعوا عليه وهو استراتيجية تهميش الدولة ومن خلال اساليب متعددة بعد تفليشها من قبل الاحتلال والسعي لاعادة بنائها لاحقاً. كان هذا المسعى متوازٍ فكرياً واقتصادياً وسياسياً مع التوجه الامريكي لخلق فئات وجهات حاملة لمشروعها.
أحزاب الاسلام السياسي الشيعي في العراق وبمختلف أشكاله ( جماعة المرجعية، احزاب ولاية الفقيه التابعة للولي الفقه في ايران، التيار الصدري، الاخباريون ) وغيرهم من عموم الاثنى عشرية، تربط قضية الامامة بالعصمة والنص وتعارض او بالاحرى لا تعترف بالدولة لاعتبارها نتاجاً بشرياً، حتى ولو كان الشيعة على راس هذه الدولة. تستند أيديولوجية هذه الاحزاب في موقفها من الدولة الى فقها المذهبي الذي يتخذ من مبدأ( مجهول المالك ) طريقاً للتعامل مع دولة اللاعدالة البشرية والتي لن تكون بديلا عن دولة الامامة. فقهيا وسياسيا، اُعتبر ذلك المحدد الاساسي لهم للتعامل مع الدولة المراد بنائها من خلال تهميشها واضعافها الى اقصى حد ممكن. تستخدم ومنذ سنوات لعبة برغماتية بامتياز للخروج من مشروع الدولة الفاشلة التي اقاموها أو انتشالها من مأزقها العميق، من خلال الاستخدام السياسي بتصعد الدعوات الهستيرية وخاصة في فترات الازمات بين الاطراف المتحكمة للاتجاه نحو الدولة المركزية باعتبارها الحل السحري المفقود. هذه الدولة المعتمدة على الجيش وبدرجة اكبر على الحشد واقتصاديا اداريا، قائمة على الفساد والنهب، ثقافيا قائمة على التجهيل والتحشيد الطائفي والسياسي،.

بعد احتلال الكويت 1991 شاع قي الحركة الكردية في العراق فهماً ، ان هذا الاحتلال يسهم في اضعاف الدولة العراقية مما سيسهم ذلك في فسح مجالاً اخر واوسع لتطور القضية الكردية. كانت الحركة الكردية جزء من مشروع قانون تحرير العراق وجزء من النظام الذي رُسم لمستقبل العراق بما فيها فكرة التقسيم الى ثلاثة أقاليم / دول. بعد 2003 جرى بناء الدولة على اساس التحالف الشيعي الكردي، الذي كان اساس نظام المحاصصة. كان هو القوى المهيمنة على المشهد السياسي واعادة بناء العراق وصياغة الدستور وتبني الفيدرالية في الدستور والتي خرجت عن اطار المفهوم الذي سبق 2003، الذي كان يدور التصور فيه عن فيدرالية عربية وكردية وليخرج عن اطار الحقوق القومية والسياسية والادارية للشعب الكردي وليضاف له الجانب الطائفي والمناطقي.
كانت ستراتجية الحركة الكردية في العراق هو اضعاف الدولة المركزية وتهميشها الى اقصى حد ممكن. وتجسد ذلك في بعض فقرات الدستور الذي منح الاقليم سلطة أوسع من المركز. لم تكن المشكلة في صلاحيات الاقليم ولكن المشكلة كانت في صلاحيات المركز. طبعا لهذا الموقف مبرراته التاريخية. فسلطة المركز كانت على الدوام سلطة استبدادية، تعاملت مع الحقوق المشروعة للشعب الكردي وحقوق القوميات الاخرى وعموم الشعب بعدوانية وهمجية.

من الصعب أن نطلق أو نتعامل مع دولة المركز باعتبارها ما يصطلح عليه بالدولة الوطنية أو الدولة القومية والتي نشأت بعد الحرب العالمية الاولى لانها في واقع الحال وبالذات منذ 1963 والبعض يعتقد منذ 1958 لم تكن تشمل الجماعات الوطنية في العراق وهي سلطة مغلقة على جماعات محددة. وهذا ينسحب ايضا علي تسمية الدولة القومية فهي على العموم لم تكن كذلك.

هذه الاستراتيجية للحركة الكردية في العراق في تهيش تادولة بعد 2003 كانت تصبو الى هدفين أساسيين. الاول في ظل نظام المقايضة والذي ستلعب فيه الاحزاب الكردية دور بيضة القبان، استطاعت الاحزاب الكردية إن تحقق منافع اقتصادية كبيرة وتنعش أقتصاد الاقليم وتبني مؤسسات وهياكل دولة في مناطقها. وفعلا استطاعت أن تنجح بخطوات كبيرة في هذا المجال وبالذات تاسيس سلطات الاقليم. الهدف الثاني هو المساهمة الى جانب قوى المحاصصة في الابقاء على الفوضى العارمة في البلد من خلال هشاشة دولة المركز وهشاشة القوى المهيمنة عليها في بغداد وفي تصاعد النزعات الانفصالية مناطق العراق الاخرى على اساس طائفي أو مناطقي، والتي كانت القوى المتحكمة في سلطة المركز أو المناطق العربية تدفع بهذا الاتجاه. ظلت الذهنية او التفكير السياسي اسيرة فكرة ملخصها كما اعتقد أن انفجار الوضع في اي وقت وخاصة في ظرورف الاقتتال الطائفي في 2007 أو في وقت اخر وفي ظل الازمات المتلاحقة، ربما سيؤدي الى التقسيم وبذلك سيكون انفصال الاقليم كردستان أو الأقاليم الأخرى، هو تحصيل حاصل وواقع مفروض على العراقيين وعلى الاقليم.
وقع رسميا في2007 التحالف الشيعي – الكردي ( التحالف الرباعي) وثيقة معلنة. انتهى بشكل عملي 2017 بسبب الصراع حول السلطة والثروات. السنة في العراق كما هو معروف، دخلوا اللعبة متأخرين ورغم التحولات في صفوفهم من الاسلامي – البعثي الى العشائري، الا انها أجادوا اصول لعبة المقايضة كالصوص جدد ومن خلال معرفة مقدار حجمهم وطبيعة تحالفتهم ولم يختفلوا عن الاخرين وجوهر نشاطهم هو من يؤمن ( كاياتهم) حسب تعبير المشهداني.
عموما وبسب جملة من التغيرات والاصطفافات الاجتماعية والسياسية وغيرها واعتماد كل الاطراف اللبيرالية الاقتصادية وتهميش دور الدولة وصعود الاليغارشية المالية والعقارية والعمل على احتواء المجتمع وجملة من التغييرات العديدة، كل هذا قاد القوى المتحكمة في السلطة والدولة الى التخلي عن مشروع الدولة الحديثة والاليات الديمقراطية لادارة الحكم وتداول السلطة. قامت النخب الجديدة لتجاوز هذا الطريق بالتخلي عن مشروعها السابق والمعلن قبل 2003 بالعودة الى خيارات التحالفات القديمة التي كان تستند اليها الانظمة السابقة وبالذات النظام الساقط. الذي شكل ارثه المادة العملية والفكرية التي استقى القادمون الجدد طريقة ادراتهم للمجتمع والدولة وعموم الوضع والعودة الى روابط العائلة، تحالف العوائل ورجال العشائر ورجال الدين والاقطاعيين والاليغاوشية الصاعدة وغيرها من النخب القديمة وأيتام النظام.

هناك حسب ماهو معروف اربعة حلول/ تصورات للقضية الكردية. الانفصال ( هدف مازال سياسياً ونظرياً )، البقاء ضمن اطار ما يسمى بالدولة الوطنية ( حكم ذاتي، فدرالية، كونفدرالية)، مشرع الادارة الذاتية أو الامة الديمقراطية وهو يتجسد في المناطق السورية الخارجة عن سلطة النظام والمشروع الاسلامي بشكله السني أو الشيعي والذي ينكر الحقوق السياسية للشعب الكردي وهو اساساً لا يعترف بالوطن ولا بالمواطنة. عند التوقف عند المشروعين الثاني والثالث، تجد اشكاليتها في الموقف من دولة المركز بشكلها الملموس الحالي أو بشكل عام ورغم التباين بينها ولكن الاثنان ينظران بشؤم واحتقار لهذه الدولة ( بالتاكيد هي استبدادية) ، أضافة الى أن مشروع الادارة الذاتية يتغاضى عن الحقوق السياسية للكورد كشعب. بتقديري أن هذا الموقف بحاجة الى اعادة تقييم، خاص بعد التجربة النشيطة في كوردستان العراق .تمتاز تجربة الاقليم في العراق باهمية بارزة، ليس فقط بسب تاريخها وخبرتها وقدراتها وانما بسبب قانونيتها وطابعها الدستوري وثقلها في واقع تطور العراق وتطور القضية الكردية في عموم المنطقة وغيرها من العوامل. هي تمتلك لحد الان عوامل دفع وتواصل متعددة لكن هذا لا يعني عدم التوقف عند هذه التجربة.
لم تعد قضية انشاء الدولة الكردية سواء في بلد واحد او كردستان العظمى قضية داخلية تحددها القوى والعوامل الداخلية في البلد المعني. قضية وجود دولة كردية ومنذ سنوات عديدة هي قضية اقليمية ودولية وهي تشكل العامل الحاسم في هذا الامر . يبدو الحديث عن وجود حركة كردية موحدة هو حديث هلامي بسب كما اعتقد عدم التوافق في استراتجيتها واهدافها وطريق عملها. مازال النمط الطاغي بين أطرافها هو الصراع والهيمنة، غير ذلك، انها تفتقد لاطر واسعة وجوانب هامة من استقلاليتها وتشكل الارتباطات الاقليمية والدولية المتناقضة قدم أخيل في هذه الحركة. احياناً اتصور وكانها وجه اخر يقترب بشكل أو اخر من ما كان يدعى بالحركة القومية العربية.

أي تاسيس للدولة او لاي كيان كردي أذا لم يتم انجازه بطريقة سلمية أو اتفاق مع دولة المركز كحد أدنى ( هذا لا يعني أنكار اساليب النضال الاخرى بما فيها الكفاح المسلح)، سيواجه بالعنف والحرب لوأده ، الى جانب عدم الاعتراف القانوني به مما سيجعله على الدوام في حالة حرب مؤجلة أو مفتوحة مع دولة المركز والمحيط الاقليمي، وربما يشير حجم القواعد العسكرية التركية في العراق وعلى اطرافه اضافة للنشاط العسكري الايراني بوجوهه المختلفة وغيرها خير دليل على ما اقول.
الحركات الكردية من اجل تحقيق ألاهداف السياسية والحقوق المشروعة للشعب الكردي بما فيها حقه المشروع في تأسيس دولته، هي مدعوة بتقديري الى أعادة تقيم موقفها من بناء دولة المركز وليس الدولة المركزية وتجاوز الموقف السابق والذي كان ينحصر بين تفكيكي أو عدمي. هي بحاجة للنضال من اجل الدولة الحديثة في المركز والتي من المفروض أن تكون هي دولة علمانية ديمقراطية قادرة على تمثيل الجماعة الوطينة وناظمة للصرعات وترتكز علي العقلانية وحفظ وصيانة مصالح الجماعة الوطنية بما فيها حق الانفصال للشعوب والقوميات باعتبار ذلك انه موضوع يخص كل الجماعة الوطنية. أن القضية الكردية في العراق كما في المناطق الاخرى هي قضية معنية بها كل شعوب هذه البلدان التي لا تؤمن مسار سليم لتطورها اللاحق الا بحل هذا الاشكال القومي ليس للكورد فقط وانما لكل القوميات الاخرى. هذا ياتي من اعادة هيكلة مؤسسات الدولة وباتجاه الدولة الحديثة. اعتقد من الضروري تحريك الموقف المتعارف عليه والمتداول والذي هو بالنتيجة انعكاس للتجربة التاريخية بعد تكوين الدولة الوطنية أو القومية باعتبار الدولة المركزية والتي ارتبط وجودها باعتبارها بالضرورة أن تكون دولة استبدادية وكأنها قدر الهي لشعوبنا. ويتوافق مع ذلك النضال ضد كل العوامل الكابحة للتحول الديمقراطي من تفاوت طبقي واجتماعي واقصاء عوامل صعود النزعات الاستبدادية واستخدام العنف في ادارة الصراعات وادارة عموم المجتمع وتعزيز الادارة السياسية والادارية بكفاءات ونخب كفؤة وبناء مشروع يشكل قاسم مشترك للجماعة الوطنية.
يبقى السؤال عن مدى قدرة وفعالية التحالف مع قوى تؤمن بعقيدة الدولة التقليدية في احسن الاحوال أو الدولة الالهية، قادراً على انجاز الحقوق المشروعة للشعب الكردي، شاخصاً أمام مجمل الحركة الكوردية والديمقراطيه في العراق والحياة كفيلة بالاجابة عليه. من جانب أخر فان الحزبين المتقاسمين للسلطة في كردستان العراق بحاجة الى تقييم أعادة هيكلة سلطات أو دولة الاقليم باتجاه الدولة الحديثة والنضال من أجل العوامل الكابحة لها. أن اعادة تجربة الدولة القومية في البلدان العربية والتي استحوذت على الاقتصاد والسياسية في بلدانها ومحاربة او التضييق على اليسار والقوى الديمقراطية والمدنية وتهميش دورها واتخاذ إجراءات (ديمقراطية) كان الغرض منها احتواء المجتمع وحركته ادت، لاحقا الى خلق فراغ كبير شغله الاسلاميون لاحقا ودفع الكل ثمن ذلك بحور من الدماء. صحيح ان القوى الديمقراطية ضعيفة ومشتتة، ليس فقط بسب الضربات التي وجهت اليها وطبيعة التغيرات في المجتمع ولكن ايضا الاتجاه الموجود بين اطرفها في التخلي بشكل عملي عن تطوير عملها ودورها والتعويل على تغير النظام القائم في العراق باليات العملية السياسية التي جرى اقامتها. هذه الاستراتجية التي تثبت الحياة كل يوم عقمها.
ان الحوار بما فيه العربي الكردي او الكردي الكردي هي وسيلة ربما تكون فعالة فيما لو جرى العمل بجدية لتحويله لحوارت مثمرة ومستفيدة من كل التجارب السابقة من أجل تقييم أو أعادة تقيم واقعنا بروح نقدية ومن اجل تأصيل تجربة النضال المشترك، والعمل على أن يكون ممثلاً لمصالحنا المشتركة وأملاً أن تكون صفحة مجيدة في هذا المجال. هي بحاجة الى مزيد من الهمة والعمل لابقاء النار المتوهجة في هذا الحوار الذي لابد منه.
……………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………
المداخلة القيت في فعالية الحوار العربي الكردي فضاء رحب لعيش مشترك والتي اقامها المعهد الكردي للدراسات والبحوث وبالتنسيق مع جمعية الرافدين الثقافية في هولندا في 11 ايلول 2022 في لاهاي – هولندا.

 

أحدث المقالات