لم تزل الازمة السورية وتداعياتها تفرض واقعا جديداً وتشرع الابواب امام التدخلات الاقليمية والدولية، فبعد ان كانت الأزمة محصورة بين النظام وقوى المعارضة التي كانت تقودها الجماهير السورية المعترضة على سياسات النظام لاهداف معروفة، امتدت الى العراق بعد ان ايقظت خلاياها النائمة في المحافظات التي كانت مهيأة لأحتضان تنظيم داعش الارهابي نتيجة سياسات حكومة المالكي وتشديد الخلافات الطائفية التي انتهت باحتلال مساحات كبيرة من محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى والانبار ومناطق على تخوم العاصمة بغداد ، فضلا على امتدادها الى دول الجوار الاخرى مثل لبنان والاردن وتركيا وحتى اقترب بعضها من دول الخليج مثل السعودية واليمن والكويت ، حيث تكاد الازمة السورية القضية الاولى في منطقة الشرق الاوسط بعد ان فقدت القضية الفلسطينية اهميتها بفعل المساومات التي جرت عليها سواء من قبل بعض القوى السياسية الفلسطينية ام من الدول العربية التي كانت تدعي تحرير فلسطين كذبا لتضليل الرأي العام العربي والاسلامي.
بعد احتلال محافظة نينوى وسقوط عدد من المدن والمئات من القرى بيد مسلحي داعش الارهابي وزحف قوى الارهاب نحو بغداد واربيل عاصمة اقليم كوردستان ، اصبح الارهاب يهدد مصالح دول المنطقة ودول العالم بشكل جدي ما ارغم الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها ، بتشكيل تحالف دولي وبالتعاون مع بعض دول المنطقة خاصة الخليجية منها للدفاع عن مصالحها وفرض واقع ينسجم مع سياستها ومصالحها في المنطقة.
وفي الجانب الاخرشعرت ايران بان قوى الارهاب باتت على مقربة من حدودها مع العراق ما شكل هاجسا حقيقيا لديها وارغمت على دعم العراق بشكل عام واقليم كوردستان بشكل خاص ليكونا سدا منيعا امام الامتداد الداعشي نحو اراضيها وهذا ما اشارة اليه رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني عندما قال : ايران هي اول الدول التي امدت الاقليم بالسلاح والذخيرة بعد ان اقتربت قوات داعش الارهابية من اربيل عاصمة الاقليم.
اليوم وبعد مضي اكثر من عام على تشكيل التحالف الدولي ضد الارهاب في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة وعدم جدية الجانب الامريكي في ضرب البنى العسكرية والخطوط اللوجستية الرئيسة لمسلحي داعش الارهابي في سوريا والعراق وبقاء الارهاب في المناطق التي احتلها وفرض سيطرته عليها فضلا على التحاق الارهابيين من معظم دول العالم بصفوف داعش الاجرامي بدواع معروفة، ظهرت روسيا
على الساحة من جديد لأثبات وجودها كلاعب اساسي في فض او حسم قضايا المنطقة وشكلت تحالفاً رباعياً مع ايران والعراق وسوريا ويمكن ان يمتد ليشمل دولاً اخرى في اسيا مثل الصين وكوريا الشمالية، وقد شكل هذا التحالف توازنا للقوى المتصارعة على النفوذ بل ندا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ويعتقد المراقبون لشؤون الشرق الاوسط ان موسكو تسعى من خلال تحالفها ودخولها حلبة الصراع في سوريا لتحقيق اربعة اهداف رئيسة مرحلية فضلا على اهداف مستقبلية كي تلعب دورا محوريا في الخارطة السياسية المقبلة في المنطقة ومنها تخوفها على سقوط نظام الاسد الذي انهكته الحرب ضد قوى المعارضة المعتدلة والجماعات الارهابية خاصة تنظم داعش الارهابي وثانيا تعزيز تواجدها العسكري في المنطقة لفرض اجندتها السياسية في الازمة السورية من خلال ذلك التواجد ، وثالثا الحفاظ على قاعدة طرطوس الجوية والصاروخية من خلال سعيها لأنشاء قاعدة جديدة في شرق مدينة اللاذقية ورابعا القضاء او الحيلولة من دون رجوع آلاف المقاتلين المتشددين من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق التي انخرطت في التنظيمات الارهابية في سوريا ومنهم ما يقرب 2000 مقاتل روسي ما يشكل تهديدا خطيرا على امن وسلامة بلادها في المستقبل.
المتتبع للشان الكوردي وتأريخه النضالي من اجل الحرية وتقرير المصير يصل الى تلك الحقيقة وهي انه كلما اقترب هذا الشعب المكافح من تحقيق حلمه في تشكيل دولته المستقلة ، تتبدد تلك الاحلام وتتعرض الى أنتكاسة نتيجة لتلاقي مصالح القوى الكبرى مع نظم المنطقة خاصة الدول التي تتقاسم اراضي كوردستان.
على سبيل المثال جمهورية كوردستان في مهاباد تعرضت الى الانتكاسة نتيجة المصالح المشتركة للاتحاد السوفيتي السابق من النظام الايراني في اواسط اربعينيات القرن الماضي ، وثورة ايلول التي كادت ان تسقط نظام البعث في عام 1975 –
1976 وفرض واقع جديد في العراق وما كانت لتنتهي لولا المصالح المشتركة للنظام انذاك مع الحكومة الامريكية من جهة والحرب الباردة بين القطبين الدوليين المتمثلة بامريكا والاتحاد السوفيتي السابق.
وبتصوري ان التدخل المباشر الروسي الاخيرفي الازمة السورية ، سوف تكون له تداعيات تكاد ان تكون خطيرة على مستقبل القضية الكوردية في الشرق الاوسط ، وذلك لأسباب الآتية :
1- التدخل الروسي سيرجح كفة الميزان لصالح النظام السوري وبقائه مدة اطول في السلطة ، وهذا الأمر سيساعد النظام على القيام بمحاولات لقيام تحالفات جديدة ، للسيطرة على زمام الامور من جديد وفرض سطوته على الشعب السوري وبالاخص الشعب الكوردي في سوريا وهذا بحد ذاته يشكل خطرا على غربي كوردستان التي هي الان اقليم شبه مستقل ويتمتع بادارة ذاتية من قبل الاحزاب الكوردية.
2- بقاء النظام السوري سيكون سببا في تعزيز التحالف المشترك بين طهران ودمشق الذي يمتد الى بداية انتصار الثورة الاسلامية في ايران الى يومنا هذا وبالتأكيد سيكون عاملا مهما لتقويض وتحجيم الاحزاب الكوردستانية في شرق وغربي كوردستان من جهة وسيكون عاملا ايضا لضغط النظامين على حكومة اقليم كوردستان للحيلولة من دون تعاون القوى الكوردستانية فيما بينها وتأخير اعلان الدولة الكوردستانية التي باتت واقع حال خلال المرحلة المقبلة وضمن الخارطة الجيوسياسية الجديدة في المنطقة.
3- في حال قيام حرب بين التحالفين الامريكي والرباعي الذي يعتقد المراقبون السياسيون لابد من وقوعه بسبب صراع الجانبين على مناطق النفوذ في الشرق الاوسط ، بالتاكيد ستكون له تاثيرات مدمرة وكارثية على دول المنطقة برمتها ، واقليم كوردستان لن يكون بمنأى عن تلك التأثيرات التي لا يمكن التكهن بتداعياتها.
4- التحالف الرباعي سيؤثر سلبا على علاقات اقليم كوردستان مع تركيا، على اساس ان تركيا من الدول التي تسعى جاهدة لأسقاط نظام الاسد كجزء من الصراع في المنطقة، وستكون انقرة بمثابة ند للتحالف الرباعي في المنطقة بسبب علاقاتها القوية مع الغرب وخاصة مع الولايات المتحدة فضلا على
الدول التي تدور في فلك السياسة الامريكية في المنطقة خاصة الخليجية منها، والتقارب بين اربيل وانقرة لن يكون في صالح التحالف المذكور مما يرغمه على التأثير على تلك العلاقة التي هي الشريان الرئيس لأقتصاد اقليم كوردستان وعاملا مساعدا كبيرا للأقتصاد التركي اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار حجم التبادل التجاري بين الجانبين خاصة في موضوع تصدير النفط الكوردستاني عبر ميناء جيهان التركي للأسواق العالمية.