بعد انعقاد مؤتمر باريس والاعلان عن تشكيل تحالف دولي يضم اكثر من 40 دولة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية , اعتقد الكثير بان مسألة داعش في طريقها للزوال لامحال فعدد المنتمين الى داعش بحدود 20- 30 الف فرد حسب التقديرات العالمية , وتحالف الناتو الذي سيقاتلهم له امكانيات بامكانها ان تغزو العالم برمته , الملاحظ انه بعد موافقة العراق على قيام التحالف لتقديم الدعم والاسناد للعراق بعد زيارة رئيس الجمهرية ورئيس مجلس الوزراء لامريكا لحضور اجتماعت الجمعية العمومية ومجلس الامن , فقد بدأت التصريحات تأخذ اشكالا متصاعدا اشبه بالمزادات فبعضهم يقول ان الحرب على داعش تمتد لعام وآخر يقول ثلاث سنوات وآخر ماوصلنا من تقديرات فأن الحرب قد تستغرق 30 سنة .
وفي غضون هذه التصريحات والتوقعات المشوشة فقد باشرت المقاتلات الامريكية والبريطانية والفرنسية والبلجيكية والعربية وغيرها بشن غاراتها على الدواعش مستهدفة اضعاف القدرات القتالية ودعم القوات العراقية , وعند تفحص التفاصيل بخصوص تلك الغارات نجد ان الاهداف التي تمت معالجتها لا تنسجم مع حجم المهمات من جهة والى تكاليف ومخاطر تلك الطلعات (القتالية ) من جهة اخرى , حيث ان هناك طلعات عبرت المحيط الاطلسي وخضعت طائراتها الى الارضاع الجوي لغرض تزويدها بالوقود والنتيجة انها اصابة مدفع هاون او سيارة او قتل اثنين من الدواعش, وحسب البيانات الامريكية فان نفقات طلعاتها لوحدها (مثلا ) تكلف 7,5مليون دولار يوميا .
وهنا يحق لكل منا ان يسأل هل ان هذه الطلعات لأغراض قتالية فعلا ام انها استعراضات ومشاركات رمزية ؟ وهل يمكن ان تشارك دولة اوروبية بثقلها العسكري المعروف بطائرتين او ثلاثة فقط ؟ وهل يعقل ان تبتعد هذه الدول عن حسابات (الكلفة / المنفعة ) التي تسود في فعالياتها كافة ؟ والاجابة معروفة , وهي ان من يشارك يقع تأثير من يقود التحالف وهي الولايات المتحدة الامريكية التي تريد ان تثبت للكونغرس الامريكي ولشعبها الذي ضغط على ادارته لسحب الجيش الامريكي من العراق( سنة 2011) بعد تعاظم الخسائر بين ابنائهم بأن الامر يستحق التدخل مرة اخرى برا بارسال قوات على الارض العراقية لأبعاد الخطر عن الامة وقد اثبتت الاستطلاعات الأخيرة ان 2 / 3 من الامريكان يؤيدون التدخل البري .
ونقولها بضوء متابعة الوضع السائد حاليا , ان سعي الادارة الامريكية لانشاء تحالف دولي ليس بالضرورة غرضه تخليص العراق من داعش وانما لاعادة احتلال العراق بطريقة يتوافق عليها الاجماع المعني بالموضوع , فلو أوفت امريكا بالتزاماتها بتسليح العراق بموجب العقود المبرمة لهذا الغرض التي تتضمن تزويد العراق بطائرات F16 والاباتشي وغيرها لما احتاج العراق لأية معونة خارجية , ولكن تأجيل تنفيذ هذه العقود لأكثر من مرة عن مواعيدها لأسباب واهية , مرة لاعتراض بعض المكونات ومرة لعدم اكتمال تدريب الطواقم ومرة لاسباب لوجيستية , وقد اثبتت الوقائع بانها تأجيلات غير موضوعية وكان من الواجب على حكومتنا فضح هذه الامور ولكنها راحت للتعاقد مع دول اخرى لغرض التسليح وابقاء موضوع العقود مع امريكا دون ردة فعل خوفا من (زعلها) على التصريحات .
وبضوء الاحداث الحالية فان التدخل البري واقعا (لامحال) وتوقيتاته وترتيباته تتعلق بالجانب الامريكي الذي سيقوم باتخاذ الترتيبات التي تناسبه بهذا الخصوص , قد يقول قائل ان كلمات السيد العبادي رئيس مجلس الوزراء الاخيرة قد أشارت الى ممانعة التواجد البري , ولهم نقول ان قرارات من هذا النوع لا يتم اتخاذها بضوء مصالحنا الوطنية وانما من خلال التسويق لها ومنها تسويغ ابعاد خطر(داعش) عن العالم حتى وان اضطر الموضوع لاصدار قرار دولي من مجلس الامن , ولكي نتجنب التدخل البري فان هناك حلا واحدا لاغير وهو التوحد الوطني لمحاربة داعش متناسين كل الخلافات فالتحامل على الخلافات افضل بكثير من معاناة الاحتلال وقد لمسنا آثاره في الاحتلال الأول بالفعل , ولكن من الناحية العملية فان التوحد مسألة غاية في الصعوبة وهو أشبه في كونه من ( امنيات العيد ) .
وقد يعتقد البعض ان التدخل البري ستكون له فوائده في تخليصنا من هذه الازمات والتسريع في حلها بدلا من التعويل على الحلول المحلية غير مضمونة النتائج , ولهم نقول ( ونتمنى ان يكون تحليلنا موضع الخطأ ) , ان هذا التدخل سيدخلنا في قلب العاصفة الاقليمية لأن غاياته غير المعلنة هو تصفية الحسابات مع خصومهم وليس خصومنا وبشكل يجعل بلدنا وشعبنا هو من يدفع الثمن في الخراب والتضحيات نيابة عنهم , فهي مشاريع تتعلق بأعادة بناء وترتيب الشرق الاوسط من جديد بحيث تنتهي في العراق , وهي أهداف كان من المفترض تتحقيقها امتدادا لاحتلال العراق سنة 2003 ولكن حصلت متغيرات حالت دون ذلك وقد تم احيائها اليوم , والمشكلة الحقيقية التي تسود في بلدنا حاليا انه يعاني من تداخلات وتدخلات اقليمية ومحلية بحيث يصعب التمييز في تسميات من يقاتل على الارض قبل حدوث التدخل الامريكي (المحتمل) .