23 ديسمبر، 2024 9:46 ص

التحالف الداعشي وأسلحة الدمار الشامل (فيديو مرفق).

التحالف الداعشي وأسلحة الدمار الشامل (فيديو مرفق).

لا يمكن وفي أي حال من الأحوال فصل ما يجري في العراق والمنطقة اليوم عن السياق التاريخي لمجرى الأحداث، وإن الحلول بأجمعها لا تعدو عن أن تكون ترقيعية مالم يكن هناك إدراك لحقيقة الظروف التي ساهمت بإنتاج هذه الأحداث، وتحديد ما إذا كانت الأزمة ظاهرة عابرة أم مشكلة مزمنة؟.. وماهي حدود وأبعاد المشكلة، هل هي محلية أم إقليمية أم دولية؟  كيما تتمكن الأطراف المعنية من وضع معالجات حقيقية قادرة على احتواء التداعيات المحتملة.

في عودة سريعة الى أحداث الماضي القريب وتحديدا في عام 1996 عندما استدعى السيد مسعود البارزاني قوات الحرس الجمهوري الصدّامي الى أربيل لرسم ملامح مرحلة مقبلة بإزاحة الخصم السياسي اللدود (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) من مدينة أربيل والمناطق المهمة وطرد المعارضة العراقية مما كان يُطلق عليه بـ (المنطقة الآمنة) في الشمال العراقي : كردستان العراق.

في آب 1996 وقبل أن يميل ميزان القوة في هذه المنطقة لمصلحة الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة السيد البارزاني كان الحزب منهمكاً في محاربة حزب العمال الكردستاني (أكراد تركيا) من جهة والاتحاد الوطني الكوردستاني (أكراد العراق) من جهة أخرى، الأمر الذي يؤكد الدعم التركي للبارزاني الى جانب الدعم اللامحدود من بغداد، والملفت للنظر في تلك المرحلة دخول (منظمة أنصار الاسلام الإرهابية) على خط الصراع الى جانب النظام الصدّامي والحزب الديمقراطي الكردستاني بالضد من قوات السيد جلال الطالباني والمعارضة العراقية للنظام الصدّامي في أربيل والسليمانية بوصفها (معارضة تحضى بالدعم الكبير من طهران )، يتفق كل من النظام الصدّامي وأنقرة على أن الأدوار التي تلعبها هذه المعارضة تصب بالنتيجة في تغذية الدور الإقليمي لإيران على حساب الطموح التركي وعلى أنقاض نظام صدّام، من هذا المنطلق تم تكليف سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني، فاضل مطني ميراني ذو الارتباطات الكبيرة بالمخابرات الصدامية بمطارة المعارضة العراقية واقتحام مكاتبها وأسر أفرادها وتسليمهم الى الأجهزة القمعية للنظام الصدّامي عند اقتحام الحرس الجمهوري مدينة أربيل، وهو ما تمّ بالضبط، عندما إنتهى مصير المئات من المعارضين في المقابر الجماعية وممّن أرسلت أسمائهم سلفا من قبل المخابرات الصدامية الى حزب البارزاني، وصلت أعدادهم الى ما يقارب 137 معارضا عراقيا من (السُنة والشيعة). حسبما نشرت صحف المعارضة حينذاك.

وعند النظر الى المقطع الفيديوي المرفق مع المقال، نرى بوضوح جغرافية الأطراف المسلّحة التي أنتجت أحداث آب 1996، و(خصوصاً) الجيب الحدودي الذي كان (منظمة أنصار الاسلام الارهابية) تهيمن عليه وتنطلق منه لشن الهجمات على قوات السيد جلال الطالباني، و (بشكل أخص) الشريط الرابط بين قوات النظام الصدّامي ومنطقة تواجد الفصيل الارهابي (أنصار الاسلام) والذي يشير الى أن دعماً كبيرا كانت تتلقاه هذه المنظمة الارهابية من النظام الصدامي، على غرار ما كان يحظى به الحليف الكردي الآخر (حزب البارزاني) من نفس النظام.. والذي يؤكد الدعم اللوجستي والدعم بالأسلحة والذخائر هو درجة التعاون والتنسيق العالي والعلاقات القوية بين الفصيلين الكرديين (حزب البارزاني- أنصار الاسلام) اللذان كانا يتلقيان الدعم من نفس المصادر.

ولكي لايتهمنا البعض بوجود نوع من التحامل الشخصي وإسقاط لمشاكلنا الشخصية على موضوع المقال في محاولة منهم لتجريد التحليل من الموضوعية، وقبل التأشير على ماهو أهم، نتطرق الى ما جاء في صحيفة (يو أس أي توداي) في 7/2/2003 وتم ترجمته ونشره في نفس التاريخ على واجهة صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان خبراء يصفون جماعة «أنصار الإسلام» في كردستان العراق بـ«مولود القاعدة» .. إستهلّت المقال بما يلي :

(“يقول الاكراد العراقيون ان الدليل الذي يثبت علاقة صدام حسين بـ«القاعدة» موجود فوق احدى التلال الداكنة الواقعة في ظل جبال شينروي الشاهقة. وتقع في الوادي تحت هذه الجبال قرية بيارة و19 قرية صغيرة اخرى تسيطر عليها جماعة اصولية اسمها «انصار الاسلام». ويقول ضباط الاستخبارات والسياسيون وقادة المليشيات في هذا الاقليم الذي يديره الاكراد بشمال العراق، ان منظمة «انصار الاسلام» تكونت تحت إلحاح مبعوثين من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وانها تتلقى مساعدات لوجستية واسلحة، بما في ذلك الاسلحة الكيماوية، من بغداد. وتوصف جماعة «انصار الاسلام» بأنها مولود «القاعدة» “).. إنتهى الإقتباس.  

يثير مثل هذا الإقتباس ومجريات الأحداث التي سبقته في سياق المقال أو تلته على أرض الواقع، أسئلة كبرى، منها : هل أن ما جرى في آب 1996 كان تخادماً مرحلياً أم تأسيساً إستراتيجيا بين الأطراف المنتجة للحدث؟ .. وسؤال أكبر : هل كانت ادارة الرئيس بوش مُحقّة في اتهام نظام صدّام بحيازة أسلحة الدمار الشامل؟..

أن دراسة الأحداث الجارية اليوم بعمق، والتأشير على الأطراف الداعمة أو المهادنة مع تنظيم داعش يشير الى أن سقوط الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي هو حدث تاريخي مماثل لسقوط أربيل بيد قوات الحرس الجمهوري في آب 1996 .. ويتعدىّ أن يكون رداّ للجميل من طرف الى آخر أو تقاطعاً والتقاءً في المصالح بين ذات الأطراف في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.

لا شك بأن تنظيم (داعش) هو أحد فصائل تنظيم القاعدة التي قررت الإنشقاق عنها بأمر من الأطراف الداعمة لهذا التنظيم يتيح لهم إمكانية توجيهها بالإتجاه الذي يخدم مصالح تلك الأطراف.. ويتفق معظم المراقبيين بأن بقايا النظام السابق من كبار البعثيين وضباط الحرس الجمهوري الصدّامي يشكلّون نسبة كبيرة من هذا التنظيم، إضافة الى المسلّحين الأجانب الذين تسلّلوا عبر الحدود التركية للإلتحاق بالتنظيم. وفيما يخص السيطرة على الموصل، لم يستطع أي طرف مهما كان إنتمائه وتوجهاته أن ينكر بأن هذا التنظيم الإرهابي هو الذي يسيطر على مجريات الأمور في الموصل اليوم، بل ذلك مالم يستطع المُدان الهارب طارق الهاشمي إنكاره، فرغم المحاولة الحثيثة لتصوير ما يجري على أنه (حراكاً شعبيا سُنيّاً) ألا أنه رضخ بالنتيجة لواقع الحال ليناقض نفسه بنفسه في التصريح الذي نقلته عنه وكالة رويترز والذي قال فيه … “لدينا جماعات كثيرة إلى جانب الدولة الإسلامية في العراق والشام.. لا أنفي وجودهم أو أقول إن هذه الجماعة (داعش) غير مؤثرة. لا.. بل هي مؤثرة وقوية جدا.. ولكنها لا تمثل الطيف الكامل للجماعات”.

فيما سبق كان قد تزامن زحف قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام صدّام 2003 مع ضربات جوية مُركّزة لمناطق تواجد منظمة أنصار الإسلام، لكن مثل هذه الضربات قد تُسهم في إضعاف هذا التنظيم ولكن لايمكن القول بأنه قد لفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة هذه الغارات.. وبما يعني أنه وبعد الانهيار الأمني تمكّن من الانتشار داخل العراق والإندماج مع بقية الفصائل الإرهابية لتأدية المهام المسندة له ضمن خارطة الإرهاب.. وفي المقابل، لم يدّخر السيد البارزاني وسعاً في استقبال وإيواء قادة الحرس الجمهوري وكبار البعثيين من أركان النظام السابق، منذ سقوط النظام 2003 والى اليوم، وفي هذا السياق يؤكد المؤرخ والنائب السابق حسن العلوي وكما هو موجود في المقطع الفيديوي المرفق، بأن السيد البارزاني إستقبل أعدادا كبيرة من البعثيين والقادة خلال الفترة الماضية ومنح هؤلاء دور سكن ومنازل في مناطق خاصة في الإقليم.. ولا يمكن لأي طرف أن ينفي علاقة هؤلاء (بقايا النظام) بما جرى في الموصل، بل يكاد يؤكد الموقف المنحاز للسيد البارزاني الى داعش بأن هناك إتصالا وثيقاً بين هذه الأطراف. وبما يشير الى أن كل من هذه الأطراف هو جزء من حراك استراتيجي يتمتع بخلفية تاريخية تديره أطراف إقليمية وليس وليد هذه المرحلة وحسب.

وفيما يخص السؤال الآخر، لايستبعد المقطع المجتزئ من مقال (يو أس أي توداي) السالف الذكر، الى وجود أسلحة محرّمة دوليا لدى منظمة أنصار الإسلام في 2003، وهو الأمر الذي يطرح من جديد مسألة حيازة النظام الصدامي المقبور لأسلحة الدمار الشامل، وبدوره يثير أسئلة أخرى عديدة منها :
 مالذي دفع نظام صدّام الى إرسال الطائرات العراقية لإيران في بداية التسعينات وإئتمانها على تلك الطائرات الحديثة، في الوقت الذي كان فيه صدام والى آخر لحظات حياته حاقداً على كل ما هو إيراني؟!..

فهل كان ذلك غباءً من صدّام أم إستدراجاً لإيران للتصادم مع المجتمع الدولي.. أم (وهو الأهم) للتغطية على خطوات أقدم عليها صدّام فيما بعد، لا نستبعد أن يكون قد سرَّبَ فيها الى دولة جوار أخرى أو حليف إستراتيجي أو كليهما معاً، جزءُ من أسلحة الدمار الشامل؟
أنه مجرّد تساؤل ما يهمّنا منه، هو : أن كان هناك أية إحتمالية في أن صدّام كان قد سرّب (في وقت ما) كميات من أسلحة الدمار الشامل أو دفنها في أماكن حدودية مع دولة مجاورة، أو إئتمن عليها حليف ما، ما يهمّنا حقّا أن لا يتمكّن الداعشيون من الوصول اليها أو إستخدامها في غفلة من الزمن عندما يصل بهم الحال الى اليأس التام من إمكانية الوصول الى أهدافهم اللا ّمشروعة، وعندما يصل الداعمون لداعش الى قناعة تامة بأن أدوراهم أضحت صفراً في مدار لعبة الأمم.
https://www.youtube.com/watch?v=Y5M0wQFHEOE