23 ديسمبر، 2024 7:05 م

التجنيد الأجباري كابوس يقض مضاجع العراقيين

التجنيد الأجباري كابوس يقض مضاجع العراقيين

يرد بعضهم النكسات التي المت بالجيش العراقي في معاركه ضد داعش، الى عدم العمل بنظام التجنيد الأجباري، وما ترتب عليه من تراجع للروح الوطنية والمساواة الأجتماعية لدى العراقيين حسب رأيهم. ولعل أحدث الدعوات للعودة الى ذلك النظام، ما صرح به النائبان في البرلمان العراقي، عبدالسلام المالكي: ( التجنيد الألزامي خطوة للقضاء على الطائفية وتحقيق المساواة بين جميع المكونات) وطالب البرلمان العراقي بـ (تشريع قانون له) وحامد المطلك: (ان الدستور العراقي أقر التجنيد الألزامي في مواده وبالتالي فأن إعادة التجنيد الألزامي سيكون خطوة مهمة في القضاء على الطائفية وتحقيق المساواة بين جميع المكونات).

ويشتد طرح موضوعة التجنيد الأجباري في أجواء تكثيف داعش لهجماته على الجيش العراقي واحتلاله للمدن، بحيث جعل القادة العراقيين يتخبطون، خبط عشواء في الأمور العسكرية، حين لا يكتفون بالدعوة تلك وانما يشكلون بين آن وآن قوات غير نظامية باسم (الحشد الشعبي) تارة وأخرى يخططون لبناء جيش رديف للجيش العراقي يحمل اسم (الحرس الوطني) علاوة على وجود (4) تشكيلات مسلحة داعمة للجيش والنظام القائم في العراق وهي: منظمة بدر وعصائب اهل الحق و جيش المهدي وكتائب حزب الله العراقي . علماً ان جيوشاً نظامية كبيرة في العالم من بينها جيوش عراقية في السابق كانت قد اعتمدت التجنيد الأجباري ومع ذلك منيت بهزائم نكراء أمام فصائل للثوار ظهرت وفق التطوع الأختياري لا التجنيد الألزامي، وثمة أمثلة كثيرة على ذلك منها: الهزائم النكراء التي الحقت بجيوش نظامية أمريكية واوروبية وعراقية وغيرها على يد: الثوار الكوبيين في كوبا عام 1959 وثوار الفيتكونك في فيتنام الجنوبية عام 1975 وثوار جبهة التحرير الجزائرية في اواسط الستينات من القرن الماضي والبيشمركة الكردية بدءاً من عام 1961 والى عام 2003..الخ من الأمثلة .عليه فأن التجنيد الأجباري لا يمنع الانتكاسات والأحباطات وأن غيابه في العراق منذ عام 2003 ليس السبب في تقهقر الروح الوطنية والمساواة الأجتماعية، فالطائفية والعنصرية أقدم بكثير من التجنيد الأجباري واثبتت الوقائع كيف ان التشكيلات الثورية المسلحة التي قامت على الأنضمام الطوعي والاختياري للأفراد إليها ، كانت تتمتع، ومايزال، بحس وطني رفيع على الضد من الجيوش النظامية التي انتهجت نظام التجنيد الأجباري في الأقطار المبتلاة بالنظم الدكتاتورية والعنصرية والطائفية والحروب. وفي بلد كالعراق لم يكن للعراقيين اصلاً ميل أو رغبة للأستجابة إلى التجنيد الأجباري، بل انهم كانوا ينفرون منه ويتألمون، ولقد كانت حالات التخلف عن أداء الخدمة الألزامية أو الهروب منها سائدة وشائعة. ومنذ اندلاع الثورة الكردية في عام 1961 والى الآن، فأن ولاء الكردي هو للبيشمركة فقط، التحقوا ويلتحقون بها ويضحون بحياتهم في صفوفها ويرفضون الخدمة في الجيش العراقي الى درجة انهم كانوا يفضلون في بعض من الاوقات اللجوء إلى القوات الكردية غير النظامية (الجاش) العراقي، وكلا التشكيلين: الجيش والجاش كانا منبوذين لدى الكرد وبدرجات وبعد سقوط النظام العراقي السني عام 2003 راح المواطن العربي السني ينظر بعين الشك والأستنكار إلى الجيش العراقي وينظر إليه النظرة الى جلاد وجسم غريب وطائفي، ودعا هذا المواطن في المحافظات ذات الاكثرية السنية وما يزال ، ليس الى رفض الخدمة في الجيش العراقي الحالي فحسب ، وإنما المطالبة بأبعاده من المدن والمناطق السنية أيضاً مع إحلال قوات محله تتألف حصراً من مواطني تلك المدن والمناطق أي من السنة.

على المنادين بالتجنيد الأجباري، أن يعلموا، ان من الصعوبة بمكان، ان لم نقل من المستحيل ،ان يلبي الكردي والعربي السني الخدمة العسكرية الألزامية، فالأول يفضل الخدمة في البيشمركة والثاني في الفصائل السنية المسلحة التي تخوض حرب عصابات وجبهوية ضد النظام الحالي في العراق، وليس في الجيش العراقي الذي ينعتونه بالطائفية . لذا فأن لكل مكون اجتماعي من المكونات الاجتماعية الرئيسية في العراق، جيشه الخاص به. وتسعى المكونات الاجتماعية الصغيرة كالتركمان والمسيحيين أيضاً وفي اجواء الصراع الطائفي والعرقي والديني الى تأسيس قوات مسلحة خاصة بها .

لقد كانت تجربة الخدمة الاجبارية في الجيش العراقي منذ قيام الدولة العراقية عام 1921 فاشلة ، لأن تلك الدولة لم تكن دولة مواطنة، وأخذ الشباب العراقي من كرد وشيعة بالأخص برفض الخدمة في جيشها الذي كان من يوم تأسيسه والى يوم حله عام 2003 طائفياً سنياً بأمتياز ،

وقامت الحكومات السنية في الماضي الى فرض أشد العقوبات قسوة لتحقيق الانضباط في الجيش مثل: الجلد والزحف والسجن وحلاقة شعر الرأس وبطريقة مهنية، ومن العقوبات المؤلمة والمهينة عقوبة قطع الآذان التي نفذت في مرحلة متأخرة من الحرب العراقية الأيرانية 1980-1988 لهذا فأن التجنيد الاجباري بدل من أن يقوي الروح الوطنية في العراقيين ويحقق لهم المساواة الاجتماعية ، فأنه أضعفها ونال منها وعمق من الظلم والامساواة الاجتماعية.

من يوم حل الجيش العراقي عام 2003 فأن المواطن العراقي يشعر بالراحة والاستقرار جراء عدم العمل بنظام التجنيد الاجباري، ويتمنى ألا يعود إلى الأبد. سيما اذا علمنا ان عشرات الألوف من الشباب العراقي أفنوا زهرة شبابهم في الخدمة بالجيش، ويلاحظ أنه كلما تفاقمت إحباطات الجيش العراقي في حربه على داعش والمعارضة السنية المسلحة، كلما تزايدت الدعوات الى إعادة نظام التجنيد الاجباري، ما يعني ان الهدف من وراء المطالبة بأعادته ليس تقوية الروح الوطنية ولا تحقيق المساواة الاجتماعية، بل توفير وقود بشرية للأدامة بالحرب ليس إلا.

في حال بقاء العراق على وحدته الهشة أو تفكيكه وتقسيمه فأن هنالك تجارب كثيرة تشجع على تجاوز التجنيد الاخباري وعدم العمل به مثل:

1- نجاح البيشمركة التي يربو عدد مقاتليها على الالوف والتي قامت وتقوم اصلاً على التطوع والانضمام الاختياري يذكر أنه عندما دعت القيادة الكردية قبل اسابيع أفراد البيشمركة السابقين للالتحاق بوزارة البيشمركة، فأن الالاف منهم، حتى في ابلدان الاوروبية والامريكية استجابو اللدعوة تلك، كما ان الافا اخرين من غير البيشمركة استجاب بدورهم للدعوة وتوجهت الى جبهات القتال ضد داعش، باسلحتها الشخصية وعلى نفقتها.

2- هنالك دول بلا جيوش أو تحتفظ بقوات رمزية ومع ذلك فان استقلالها مصون غير مهدد، ودولتان مثل اليابان والمانيا تحتفظان بقوات محدودة عقاباً لهما لشنمها حربين عالمتين في وقت ما، ومع ذلك ايضاً فان هاتين الدولتين تتقدمان باستمرار وان استقلالهما مصون كذلك.

3- ان التكنولوجيا العسكرية المتقدمة تستغني الى حد ما عن التجنيد الاجباري وتقلل من الاعتماد عليه وعلى الكم من الافراد، مثلما استغنت الاتمتة عن الالاف من العمال في مجالي الصناعة والزراعة، ان ما تحتاجه الجيوش في هذا العصر هو الاسلحة المتقدمة وليس الحشود البشرية الضخمة الناجمة عن التجنيد الاجباري.

4- ان الانقسام الحاد على الصعيد الطائفي والعرقي والديني في العراق، يقضي بل وقضى على المشتركات التي لم تكن متوفرة أصلاً بين العراقيين، لذلك فأن التجنيد الاجباري لن يكتب له النجاح.

5- في أجواء الفلتان الامني وتراجع حكم القانون في العراق، والعجز البين للحكومة في تطبيق القوانين، فأن، من الصعب جداً فرض قانون التجنيد الاجباري على العراقيين.

6- لقد عزز تحرير الكويت عام 1991 من الاحتلال العراقي، من ثقة الشعوب بنفسها وصيانة استقلالها، ومن الصعب تكرار ذلك الاحتلال وفي أي مكان من العالم ويتفق بشأن هذا المبدأ الشرق والغرب والعالم أجمع.

ختاماً، ان تقوية الروح الوطنية لدى المواطن وتوفير المساواة والعدالة الاجتماعية تتحقق من خلال منح الحقوق كاملة للعراقيين، بما فيها تلبية مطالب الكرد والسنة و المكونات الاجتماعية الاخرى فتأسيس دولة المواطنة، وليس عسكره البلاد من خلال ايجاد تشكيلات مسلحة جديدة وفرض التجنيد الاجباري.

*[email protected]