يوما بعد آخر تتأكد الحاجة في العراق الى أهمية التركيز على حل المشكلات والأزمات داخل العراق بطرق سلمية تحاول قدر امكانها ترك تغليب الجوانب العسكرية في التعامل مع الازمات الداخلية.. وكانت ازمة الانبار احدى الأزمات التي سعت القيادات العراقية مجتمعة للبحث عن مخارج حلول سلمية للأزمة بدلا من تعقيدها، باللجوء الى مزيد من التصعيد العسكري.
واليوم يجري حديث عن استعدادات لشن المزيد من الهجمات على مدن الرمادي والفلوجة والعمل على محاصرتها وعدم السماح بإدخال المؤن اليها بحجة اخراج المسلحين، رغم ان المدينتين ما زالتا تكتضان بعدد كبير من المدنيين الذين لم يتركوا احياءهم او انهم سمحوا للنساء والاطفال بالنزوح وبقي من كل عائلة فردا او فردين، وهناك عوائل بقيت بكامل أفرادها ورفضت النزوج بضمنها نساء واطفال لم تجد مناطق يمكن ان تلجأ اليها لعدم وجود معارف لديها، وان التلويح باستخدام الحصار على المدنيين وبخاصة في الفلوجة هو مخالفة لحقوق الانسان ولشرائع السماء والارضوتخالف اتفاقات جنيف بشأن النزاعات الانسانية ، اذ كان التجمع الجمهوري العراقي يؤكد دوما على ان يتم اسناد جهد القوات الامنية والجيش لانجاز المهمة بدون الدخول في مواجهة مباشرة مع غالبية الشعب الأعزل، والاعتماد على معلومات استخبارية تقلل الخسائر الى أقصاها ، ولكن هذا الامر لم يحدث حتى الان ، وتم التركيز على القصف المدفعي والطيران كسبيل وحدد للتعامل مع الازمة وتضررت الاف العوائل من المدنيين نساء واطفالا وشيوخا ، وشلت مختلف انواع النشاط وعانى عشرات الالوف ما عانوا من صنوف الضيم لذا فان تجديد القبضة الحديدية على الرغم من انها لم تؤت ثمارها حتى الان ، يدل على ان الحل العسكري لايوصل فعلا الى نتيجة متوخاة، وان الافضل الركون الى الحلول السياسية والانصات لدعوات المصالحة العشائرية التي انطلقت من أكثر من مكان وينبغي التعامل معها على انها المخرج الاقل خسارة لكل الاطراف، للحكومة وللعشائر وللقوات المسلحة، وبامكانها ان تقضي على المسلحين وتهني الأزمة بدون خسائر كبيرة كما يجري الان، وهي خسائر لايمكن قبولها اذا بقيت على هذا المنوال، بعد ان تشرد مئات الالاف من ابناء مدن الانبار لالذنب ارتكبوه سوى وجود بعض المسلحين ربما لايزيد عدهم على اصابع اليد الواحدة ، ما يتطلب فعلا ايقاف المليات العسكرية واعمال القصف بكل اشكاله، كون لن يوصل الى نتيجة متوخاة من استمرار العمليات العسكرية.
إننا نعلن في الوقت الذي اكدنا مرارا دعمنا ومساندتنا لقواتنا المسلحة في التصدي للارهاب ، فأن إستمرار التركيز على الحل العسكري لم يؤد الى نتيجة متوخاة حتى الان ، ما يتطلب الانصياع لدعوات وقف اطلاق النار وتسليم مقدرات الامور الى العشائر لتتولى زمام امر توفير الاستقرار الأمني في محافظة الانبار ، ومن ثم تمارس الحكومة المحلية مهامها في حفظ الامن بعد ان تعود الاوضاع الى طبيعتها، وبساندة القوات الأمنية وهو الطرح الذي يحظى برضى أغلبية العراقيين الذين لايريدون تأجيج الاوضاع واؤلئك الذين يرفضون صب الزيت على النار لتزداد اشتعالا.
هذه هي الحقيقة بكل مرارتها وهي أن الحل العسكري لحل أزمة الانبار لن يوصل الى نتيجة ، وان الحل الوحيد هو بالاستناد الى الحل السلمي الذي يترك أمره لعلية القوم وابناء العشائر، وبدونه ، لن يتحقق أمن ولا استقرار ، وتبقى أزمة الانبار ومآسيها قائمة دون حل، ما يعني دخول البلد في نفق ازمة لامخرج عنها، وقد تؤدي الى ازمات اخرى تتوسع نطاقها ويكون أمر السيطرة على مقدراتها ، بعد ان تنفلت الاوضاع لاسمح الله، من اصعب الأمور.