23 ديسمبر، 2024 2:38 م

تتلخص التجربة الماليزية بانتقال بلد متخلف عام 1981 الى بلد ناهض عام 2003 مسجلة مسجلة بذلك طفرة سريعة خطط لها ونفذت باسلوب علمي دقيق وباستخدام التدريب والتعليم والتقنيات الحديثة .. كان سكان ماليزيا ولغاية 1981 يعيشون في الغابات ويعملون في الزراعة ، حيث ان عدد السكان انذاك 27 مليون نسمة ، ومتوسط دخل الفرد 1000 دولار سنويا .. ماليزيا بلد متعدد الاديان والاعراق ، حيث هناك 18 ديانه وكانت بلدا محتلا من قبل انكلترا ونال استقلاله 1957 اي قبل عام واحد من استقلال العراق من نير الاحتلال البريطاني .

ويبدو ان لقائد التغيير مهاتير محمد دورا اسياسيا في هذا التحول الكبير .. حيث تشير السيرة الذاتية لهذا الرجل انه لم يكن سليلا لاسرة برجوازبة او مالكة .. بل نشأ في اسرة فقيرة ما اضطره الى بيع الموز لتسديد نفقات دراسته .. فهو الابن الاصغر ولديه تسعة اشقاء من والد يعمل مدرسا في مدرسة ابتدائية .. ونتيجة تفوق المهاتما فقد دخل كلية الطب في سنغافورة .. وقد تخرج طبيبا جراحا وفتح عيادة خاصة كان نصف وقته مخصصا للكشف على الفقراء مجانا .. الا انه طرق باب العمل السياسي عن طريق انتمائه الى اتحاد الطلبة المسلمين ليصبح رئيسا له فيما بعد .. وقد فاز بعضوية مجلس الشعب عام 1964 .. وفي عام 1970 الف كتابا عن مستقبل ماليزيا الاقتصادي .. فهو رجل ذو رؤية مستقبلية شمولية وضع بلاده نصب عينيه … ونتيجه لنشاطه السياسي فقد تم اختياره لمنصب مهم في الحكومة الماليزية عام 1974 ومن ثم تم منحه حقيبة وزارة التعليم عام 1975 .. ولم يتوقف التطور التدريجي لرجل ماليزيا الاول عند هذا الحد بل اصبح مساعدا لرئيس الوزراء عام 1978 وعين رئيسا للوزراء عام 1981 .. هذه بعض ملامح قائد النهضة الماليزية ..

فبدا مشواره برسم خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الاولويات والاهداف والنتائج التي يجب الوصول اليها خلال 10 سنوات .. ثم النتائج بعد 20 عاما وصولا الى عام 2020 .. ان حركة النهوض لم تتوقف الى حد ما بل هي مستمرة حتى تتحقق كافة الرؤى التي وضعت على الخارطة . فقد اعطى التعليم والبحث العلمي الاولوية , والتدريب والتاهيل ومحو الامية , وتعليم اللغة الانكليزية ، وارسال عشرات الالاف من الشباب الماليزي للدراسة في افضل الجامعات العالمية .. ولعل الاوضاع المستقرة في بلاده جعلته يصرف النظر عن بناء جيش قوي وقوات امنية تستهلك الميزانية العامة للدولة ، فوفر ذلك لتطوير الشعب الماليزي علميا . المواطن الماليزي كان له دور اساسي في هذه العملية عندما سار خلف خطى قائده ، وصدق مقولاته ، ولم يتهمه بالدكتاتورية او التفرد ، وبدات التطورات تتوالى .. ففي مجال الزراعة غرسوا مليون شتله من “نخيل الزيت وبعد عامين اصبحت ماليزيا اولى دول العالم في انتاج وتصدير زيت النخيل” .. وفي قطاع السياحة تم استثمار 33 مليار دولار سنويا .. حتى اصبحت بلاده واحدة من وجهات العالم السياحية .. وتطور القطاع الصناعي في عام 1996 وقفز قفزة نوعية حيث تجاوزت نسبة التطور 46% .. ولم يقتصر هذا التطور على قطاعات التعليم والزراعة والصناعة والسياحة بل امتد ليشمل قطاعات اخرى ، منها قطاع النقل وبناء المطارات والطرق السريعة وفتح باب الاستثمار على مصراعيه فزاد دخل الفرد الى 16 الف دولار سنويا .. ويصل احتياطي النقد الى 3 مليارات عام 1998 ولا بد انه تضاعف سنه 2010 .. وماليزيا الان بلد متطور يلفت انتباه كل من مر بها وسافر اليها او قرأ عنها .. وهي لاتمتلك خزينا نفطيا ولا نهرين جاريين ، بل يمتلك ابناؤها عقلا فذا وظفوه لتطوير بلادهم .. فنجحوا .