اختلطت الرؤى لدى المواطن العراقي ، كيف ينظر إلى مستقبل بلاده ؟ وأي النماذج والتجارب أصلح لنا كعراقيين .. ومتى تتضح التجربة العراقية التي ضاعت وسط صراع السياسيين الذين بشرونا بعراق يزدهر فيه الانسان ، وتخضر الأرض ويعلو البنيان ؟ وكنا أول أيام سقوط النظام نمني الانفس بـ”تجربة” قريبة منا صنعت بفكر عربي وجهد عربي واموال عربية .. ألا وهي تجربة (دولة الامارات العربية) .. في حين ان الذين صنعوا الإمارات الجديدة كانوا ينظرون إلى البصرة على انها مَثَلَهم الأعلى .. وسبق أن عرضنا في هذا الموقع للتجربة الكورية والتجربتين الصينية والماليزية التي استطاعت خلال فترة قصيرة بناء دولة عصرية متطورة .. فما الذي حدث ؟.. كيف حصل هذا التحول والتطور الكبير في زمن قياسي ..؟ في الإمارات كان “الشيخ زايد آل نهيان” وفي كوريا كان “بارك شونغ هي” اما في ماليزيا فقد كان “محمد مخاتير” .. فهل أن هؤلاء الأشخاص هم الذين بنوا هذه الدول ونقلوها من حالة التخلف إلى حالة التطور والتقدم ؟ أم أن عصا سحرية أمتلكها هؤلاء بحيث أنهم بضربة واحدة بنوا دولاً يشار إليها بالبنان ..؟ أين دور الشعوب إذن ؟.. لماذا تنسب الإنجازات الكبيرة دائماً إلى فرد وتهمش الشعوب ؟.. هل هو الإعلام الذي ينفخ في صورة القائد ؟.. أم انها عبادة للشخصية يتوارثها الناس في كل زمان ومكان ؟ في الحقيقة لابد من وقفة .. ففلسفة التأريخ تشير إلى دور الفرد في صناعة التأريخ .. وهناك شواهد عديدة على هذه النظرية .. لعل أقربها روحياً إلينا هي ما قام به النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بنى أمة ودولة في وقت لم تكن هناك أمة ولا دولة .. وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام معززا برعاية الله عز وجل . فإن المخلصين لشعوبهم يعززون أيضاً بطاقات خفية لعل أولها التوفيق من الله عز وجل متى صدقوا مع الله ومع شعوبهم وأنفسهم . ومع ذلك فنحن لا نرى من هذه الطاقات شيئا .. بل رأينا عمراناً وحضارة واقتصاداً قوياً ، وحلاً سحرياً لمئات المشكلات التي كانت تعاني منها بلادهم ، والسؤال يبقى قائماً هل أن تلك التجارب كانت لأنظمة شمولية ..؟ وهل ننتظر في العراق زعيماً تلتف حوله جموع الشعب لنبدأ حركة البناء الجديدة ..؟ زعيماً يوحد الناس على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم ، فيقوي من الاواصر الوطنية ويعيد اللحمة إلى ابناء الشعب .. هل هذا هو الحل المنتظر في التجربة العراقية ؟.. وهل يمكن لمثل هذا الزعيم أن يقود الناس بإتجاه الهدف دون منغصات ومعرقلات
وصراعات وانسحابات وتهديدات ؟. كانت الفرصة متاحة امام عبد الكريم قاسم الذي حاول بعد عام 1958 بناء عراق جديد بكل مقاييس حركة التطور ، إلا ان الصراعات السياسية اثبطت عمله حتى اودت بحياته ليتوقف البناء (20) عاماً .. فهل ننتظر زعيماً وقائداً آخر يقود سفينة العراق إلى بر الأمان .. وهل نعود مرة أخرى إلى عبادة شخصية الفرد ، ونركن جانباً القيادة الجماعية ، بعد ان مللنا عدم التوافق وتعدد مراكز القوى .. فنفتخر بقائد فذ نسلمه زمام أمورنا ورقابنا ونقف على بابه في انتظار مكارمه وبناء دولتنا الجديدة على يديه .. لا ملامح لمثل هذا القائد في الوقت الحاضر يمكن أن يلتف حوله الجميع ، بل لدينا شتات من القادة يلتف حولهم مؤيدوهم وبعض الذين يراقبون الموقف من بعيد ، واليوم نعرض لتجربة أخرى ، ألا وهي تجربتنا الذاتية ، “التجربة العراقية” ، فهل لدينا تجربة حقا ..؟.. كان الامل يتجدد في الدورات الانتخابية التي حصلت في الاعوام ( 2006-2010 ) والدورة الانتخابية الجديدة التي جرت في الثلاثين من نيسان 2014 علها تؤذن بمفاجآت جديدة ، وولادات لقادة من رحم الديمقراطية ، ربما يكون أحدهم هو الزعيم الذي يقود البلاد إلى تحقيق عراق آمن مستقر مزدهر يعيش أبناؤه بكرامة وعزة نفس تليق بهم وببلدهم وتأريخهم .. ترى أي نظام يحقق لنا هذا الأمل ..؟ هل هو النظام البرلماني الدستوري الذي يقود البلاد منذ سقوط النظام الدكتاتوري .. أم نذهب إلى نظام رئاسي .. أم ندير سكان البلاد إلى ملكية دستورية على غير ما كُتب في الدستور الجديد ، وهذا يحتاج إلى تعديل دستوري .. ولكن من يكون “الملك” يا ترى ومن أي أسرة وأية طائفة وأية قومية واية مدينة ، وهل يرضى الآخرون بهذا الحل .. نحن بحاجة إلى استفتاء إذن .. يجري بعده تعديل دستوري يضمن بناء عراق جديد نقدم من خلاله تجربة عراقية حقيقية ..!!