التجارة كوجه من أوجه الرزق، مفهومة ومتقبلة على المستوى الأخلاقي والإقتصادي والإجتماعي، وليس عيبا أن نسمي الأشياء بأسمائها ونتعامل معها بكل حرية. إنما العيب كل العيب أن تتشبه تجارة المدارس والمستشفيات أيضا وباقي القطاعات الخدمية، بتجارة البضائع الاستهلاكية من باب أن ما يجري على سوق الجملة والخضار والعقار والملابس والسيارات، يسري بالضبط على الخدمات.
خلال أسبوع واحد ظهرت على الساحة قضيتان في غاية الأهمية والخطورة، تخصان قطاع التعليم الخاص والتنمية الاجتماعية؛ الأولى حين تم الاكتشاف بالصدفة بأن بعض المدارس الخاصة، والتي تحمل على عاتقها شعارات رنانة لا أعرف من فكر لهم بها، إن كان يعلم نفسيات أصحابها، تدرج بين شروط قبول الطلبة عندها شرطا أساسيا لاستقبالهم، وهو أنها لا تقبل بطلبات الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة!
هكذا بكل صلافة ووضوح أعتبره شخصيا غير أخلاقي، توفر إدارات تلك المدارس على رأسها صداع التعامل مع أهالي بنات وأولاد من المحتاجين للرعاية الخاصة، قبل أن يطرقوا أبواب مؤسساتها العتيدة وصروحها العظيمة.
مع أنهم لو كانوا يملكون حسا إنسانيا بقدره الأدنى، لأخبروا أهالي هؤلاء الطلاب بشكل شخصي ومحترم دون جرح مشاعرهم، بشروطهم تلك لأسباب يؤلفونها في حينها. وعلى ذكر الأسباب فإن تلك المدارس “وهي ذات أسماء رنانة بالمناسبة”، وضعت شروطا على شروط القبول في حين قبلت بهم، رغم سياستها التي لا تقبلهم، أنقل لكم من موقع واحدة منها:
“إذا كان باستطاعة الطالب الاستفادة مما تقدمه الأكاديمية من برامج تعليمية واتباع التعليمات الموجهة إليه.
– إذا لم يكن بحاجة إلى اهتمام ورعاية طوال الوقت.
– إذا لم يفتعل أي مشاكل سلوكية داخل أو خارج حرم الأكاديمية.
إذا استطاع الاندماج في الجو الاجتماعي العام للأكاديمية وأن لا يظهر سلوكاً غير مقبول حسب الأنظمة والتعليمات” انتهى الاقباس!
وأظن أن صفة مضحكة باتت مفهومة، إن كانت هذه شروطهم لذوي الإحتياجات الخاصة، حيث أنها بالضبط نفسها التي يجب أن تنطبق على بقية الطلاب”.
القضية الثانية والتي حصدت تناولا واسعا على مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام المحلي خصوصا الإذاعي، وقامت مشكورة كعادتها الزميلة نادين النمري بفرد تقرير شامل عنها أمس في الغد، تخص حضانة الأطفال التي لم ترع صاحبتها ضميرا ولا أخلاقا ولا دينا ، حين اكتشف بالصدفة ومن قبل جيران الحضانة الانتهاك الصارخ الذي يتعرض إليه الأطفال، ممثلا في فيديو انتشر بشكل واسع بطلته طفلة لم تتجاوز السنة ونصف السنة من براءتها.
وبالطبع الجيران المشكورون على كشفهم القصة، لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن فاض بهم الكيل من تصرفات إدارة الحضانة السيئة تجاه الصغار. هذه الصورة المزعجة التي تداولتها وسائل الإعلام اكتشفت صدفة من قبل أناس يملكون ضميرا بين أحشائهم، إنما المخبأ مؤكد أسوأ من ذلك وبمرات، دون علم الأهالي ودون رقابة وزارة التنمية الإجتماعية، التي لا تكلف خاطرها بالتحرك الجدي تجاه حضانات الأطفال، إلا إذا قامت الدنيا على قضايا مماثلة. وهذا أسلوب الوزارة منذ عقود، ولم يتبدل قيد أنملة سواء بمداهمات أو إجراءات تفتيشية، إلا بعد أن يكتشف الإعلام سواء القديم أو الحديث قضية تهز المجتمع.
لن أتحدث هنا أكثر عن اضطرار الأمهات لوضع فلذات أكبادهن في الحضانات، في حين يكفل القانون حقها بمكان ملائم لهم في مكان عملها، لا تنفذه غالبية قطاعاتنا العامة ولا الخاصة، لأن التقرير المذكور شمل الموضوع من جوانبه كافة.
إنما ورجوعا لعنوان المقال فإن التجارة السهلة التي وجدتها بعض سيدات عمان، بالتلاعب بصحة الأطفال النفسية والجسدية، واستغلال حاجة الموظفات لهن، فهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه حتى التجارة التي تعتبر من أشرف أنواع العمل، بريئة من تلك الأشكال “الاستثمارية” القائمة على قاعدة واحدة وهي الجشع. التجارة الحقيقية تقبل الربح كما الخسارة، وبالقياس للخدمات التي تقدمها مثل هذه المنشآت فالأمر بعيد كل البعد عن ذلك المبدأ.
نقلا عن الغد الاردنية