18 نوفمبر، 2024 12:52 ص
Search
Close this search box.

التجارب والسلوك

التجارب والسلوك

المجتمعات الحية المتطورة القوية المتوثبة نحو المستقبل الأفضل , هي التي تتعلم دروسا حضارية من تجاربها الإنسانية.
والمجتمعات المتأخرة لا تتبصر ولا تتعلم من تجاربها , وإنما تكرر أخطاءها وتمعن في خطاياها ومآسيها وتداعياتها القاسية.
وهذا الفارق له تأثيره الحاسم على تقرير حالة التقدم والتأخر والقوة والضعف.
والواضح أن قادة وأنظمة وأحزاب المجتمعات القوية المتقدمة , تنهج أسلوب التعلم من الأخطاء , التي يتم دراستها وتحليلها بعلمية ونزاهة ودقة, للوصول إلى إجراءات وسلوكيات تمنع تكرارها.
فكل قرار عبارة عن تجربة واعية يتم إخضاعها للدراسة والبحث الرصين.
وهناك سلوك تشترك فيه جميع المجتمعات المتقدمة عنوانه (الإعتراف بالخطأ) , لأن ذلك يعني تجاوزه إلى ما هو صالح ونافع للمجتمع , وبهذا يتجسد عندهم قول ” الإعتراف بالخطأ فضيلة”.
وقد يستغرب القارئ إذا عرف بأن قادة الصين , وعلى رأسهم ماو , كانوا يتعاملون مع قراراتهم على أنها تجارب , فيقتربون من نتائجها بعلمية وبحث تنويري دقيق , لأنهم يدركون أن في كل قرار هناك خطأ كامن , وأن عليهم أن يتعلموا من الأخطاء.
وبهذه الروحية إستطاعوا تقييم قراراتهم والوصول إلى الطريق الأصح والأفضل لقوتهم وتقدمهم.
وثورتهم الثقافية , كانت ذات أخطاء لكنهم تعلموا منها واستفادوا فتحققوا.
وكانوا ولا يزالون يعرفون , أن كل قرار عبارة عن درس يعلمهم الإقتراب الأفضل من الموضوع الذي يتم التصدي له , وكذلك يتعلمون من كل أزمة يمرون بها , ويعملون بجد وإجتهاد لمنع تكرارها.
فعندما أصابتهم المجاعة في العقد السادس من القرن العشرين , أدركوا أن المجتمعات التي لا تستطيع إطعام نفسها لا يمكنها أن تقدم شيئا للحياة , فرفعوا شعار “مَن لا يزرع لا يصنع”. ووفقا لذلك حصلت ثورة غذائية وزراعية في بلاد الصين , حتى صارت الصين اليوم قادرة على إطعام نفسها وغيرها من البشر , وأصبح الطعام الصيني مبذولا للجميع.
ولهذا فالمجتمعات تستورد من الصين الطعام وما تحتاجه من المصنوعات.
وبهذا يزول عجب المرء عن كيف للصين أن تطعم أبناءها , لأن الصيني أدرك أن من مسؤوليته الوطنية أن يساهم في إطعام نفسه وإبتكار غذائه , فصارت علاقته بالأرض والطعام علاقة مصيرية وإبداعية.
بينما المجتمعات المتأخرة , قد أغفلت أهمية إطعام نفسها ورعاية أرضها , فترى فيها القطع أكثر من الزرع , وعشنا عقودا ولا زلنا نقطع الأشجار المثمرة ونحيلها إلى حطب , وما تعلمنا مهارات نقلها وتكاثرها , كما أننا أهملنا الأرض بدعوى التحضر وأصبحنا على عداء معها , فحل الفقر والجوع والضعف.
ومضى القرن العشرون والعقد الأول من القرن الجديد ونحن لانزرع ولا نصنع ونعتمد على غيرنا في الطعام , فكيف سنتقدم ونكون أقوى ونعاصر؟!

أحدث المقالات