18 ديسمبر، 2024 6:14 م

التبصير والتوعية (14) الحركات الإسلامية والتصفية الجسدية (سر عدم الانتماء)

التبصير والتوعية (14) الحركات الإسلامية والتصفية الجسدية (سر عدم الانتماء)

يسالني بعض المحبين والمتابعين والمستغربين او المتشككين او ربما فقط المستطلعين لماذا لست منتميا لحركة او حزب اسلامي “رغم مايبدو عليك من دفاعك بقلمك!”
الجواب بالمباشر وباختصار : واجبنا جميعا هو الدفاع عن الإسلام لمن يستطيع اما في عقيدتي فإن اي حركة او حزب او فرقة تستخدم التصفية الجسدية في خلافها ضد خصومها الفكريين فهي ليست من الاسلام الصميم في شيء ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ قرآن كريم . و “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه” حديث شريف.
الخلاف فكري فلماذا تحوله قتلا او نفيا او إضرارا ، انت جبان اذن وفاشل ولست مسلما، و الا فانك لو تملك الحجة وتقارع بها مالجأت الى الإضرار والأذى والاقصاء . فهذا رجل مخالف لك في الفكر فقط و اخوك في العقيدة و ان أخطأ او حتى و لو وصل به الأمر إن قال مايخرجه من الملة في نظرك فاصبح ليس من اخوة الدين ، بل حتى لو كان مخالفا لك في الدين والعقيدة في الأصل ، من أباح لك ان تسلبه حياته او ممتلكاته او اي حق من حقوقه الآدمية ، ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ وهي عموم النفس من اية ملة كانت ، اما المحارب فهذا شيء اخر.
محدثكم ليس غرا او مفتريا او معاديا ، وانما جربت الحركات الاسلامية اغلبها وكنت في قلبها احيانا تجريبا او تنظيرا ودراسة وتحليلا ،
شيعتها وسنتها سلفيها واخوانيها وغيرهم .جميعها حركات جبانة مرتبكة منحطة الخلق ساقطة المبدا. (أقصد الحركات المنتسبة وليس الملل)،ولولا انني ادافع عن الاسلام الذي احبه واعتقده “بكلّيته” وانتمي اليه لكنت ناصبتهم جميعا و على الدوام وسفهت احلامهم وسخرت شطرا من وقتي وقلمي لحربهم وتسقيطهم على طول الأمد ولكن لاحيلة ، فالعدو المجاهر لايرحم ولايفرق بين سلفي وصوفي ، أو اخواني و تكفيري ،و انما يلعب على الاوراق كلها ، ولاني مدرك ذلك فلا اعادي لاصوفية ولاسلفية ولامرجئة ولا مدخلية ، على الأقل لأجل شرف التسميات.
فكلها تحمل اسم الاسلام ، حتى التكفيريين “الارهابيين” لم اكن ارغب ان اكتب او انادي ضدهم عندما كان عدوهم وهدفهم هو عدو الإسلام الغربي او المحتل الى ان فجَروا بقتل إخوانهم و استحلوا دماء المسلمين والناس جميعا ، فالحركات الإسلامية او “المتأسلمة” بدات بشعارات عقائدية منهجية توجيهية او إصلاحية ثم تحولت الى حركات مريضة وانتفاعية ووصولية سواء من أصل تاسيسها او بعد انحرافها على ايدي المجددين الانتهازيين الذين لايمتّون للاسلام بصلة الا الاسم ،القتل والحبس والاقصاء القسري للمختلفين معنا -فكريا- ليس من الاسلام في شيء .الاسلام دين الفكر والتدبر والمجادلة الحسنة والاقناع وهو قوي لدرجة ان لايحتاج الى ترهيب جسدي ،
اما مجازاة المحاربين بفعلهم فهذا فرض وجهاد ورجولة ، ولكن المصيبة انهم لايفعلون ، يقتلون خصومهم الفكريين من ابناء جلدتهم او من مناظريهم من الفرق غير الاسلامية ويتركون العدو المجاهر الذي يقتلهم ويهين امتهم كل يوم في فلسطين والعراق واليمن والشام وغيرها.
ولست مفتريا عليهم بل اقتربت منهم وقابلت كبراءهم وقادتهم ومنظريهم ، في بلدان العرب المهمة وبعض البلاد الاجنبية . حاورتهم و جاورتهم و درست في مدارسهم وحوزاتهم ودخلت مكتباتهم ومازال شهودي أحياء ، قال لي يوما احد قادتهم الميدانيبن وكان شريفا رجلا صلبا صادقا في زمن الاحتلال الامريكي (أغتيل رحمه الله، وذكرته في مقالي : رجال صدقوا،،،) ،وكان قد هاتفني بحضوره مندوب من الامريكان (عراقي ما زال حيا) لألتقي بهم ادلي بشهادة ضد مسؤول امني عراقي متنفذ كان اضرّ بي ظلما وتحقق لي الانتقام منه دون عناء فلم اقبل . ولما استنكر صديقي القيادي الإسلامي قلت : لا استقوي باجنبي على ابناء جلدتي وعمومتي وان كانوا اعداء قال : امرك غريب .
واحتسبت ظالمي الى الله ولو تسنى لي الان او بعد سنين ان اقتص منه (رجل الأمن المؤدلج ظلما باسم الاسلام آنذاك) بيدي سافعل باذن الله فهو حقي الشرعي ما زال. لكن الانتصار بالأجنبي او المحارب او العدو المجاهر و المبطن لأجل الوصول الى الغاية او فرض الإرادة او اقصاء المخالفين وترويعهم ونفيهم وحبسهم ، هذا ديدن الحركات الاسلامية الانتفاعية الغاية مذ عرفناها وجربناها ، كلامي هذا ليس هجوما مباغتا على الحركات الاسلامية ولا استذكارا لمظلمة انما هو لفت نظر المهتمين والمتحزبين والجماهير المؤيدين الى ان الإسلام لم يكن يوما اقصائيا ﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ، ولم يات نص واحد في الآيات او الأحاديث على إيذاء الخصوم غير المحاربين منذ ان استقر الاسلام واكتمل كدين وقويت شوكته وتمت نظمه ، فما تدّعيه الحركات الاسلامية وماتتبناه هو من اختراعها ومن هواها وتعصبها لغاياتها ،لم تعتمد فيه على نص و لم تأتمر فيه لأمر. وليس الكلام تأريخا او تحليلا انما هو وصف لواقع الغاية منه توعية الجيل لئلا تغرر به الشعارات فياخذه الحماس للانتماء ،وتبصير الجيل السابق او من فاته ذلك على سبب فشل تلك الحركات وغاياتها ،
وقد استُخدمت تلك الحركات كثيرا على مر التاريخ وخصوصا في العقود الاخيرة لزرع التناحر بين الامة وإضعافها بل واضطهادها احيانا ، وكانت -بعد ذلك- سلاحا بيد الحكام وبيد الاجنبي لزرع الخوار او لتضليل الجيل او لثنيه عن الاخذ بأمره ومقارعة ظلم الحكام وازالتهم تنفيذا للحكم الحقيقي الاسلام ، وإصلاحا لشان الامة،
فان قلتَ وكيف اتحرك “اسلاميا” ضد الحاكم الظالم والاجنبي المتآمر او المحارب الغاشم دون ان انتظم بحركة او اترشد بحزب ، اقول لك لاباس من ذلك لكن اية حركة على الارض اليوم قد تلطخت يدها بدم خصومها الفكريين ،او انحرفت لتصبح أداة بيد التشييع الصفوي او التخدير الصوفي او التشدد التكفيري او التسهيل للحاكم المتغلب المفسد او او او ، فإن تحزبت او تنظمت لأمر صالح ونية صادقة مع من يستجد ويتخذ الاسلام شعارا للتغيير ، فكن رقيبا عليه وعلى نفسك قبله من ان لايتخذ الاقصاء والتصفية الجسدية اداة لازاحة خصمه عن طريق غاياته ، فلا تتبع مهما حدثتك نفسك او حدثك باحاديث او مقولات ، و اعلم ان الخلاف الفكري هو فكري مهما كبر وعظم ، ومن لم يتخذ سلاحا لمخاصمتك ومقارعتك ، فلا تبادئه بذلك ، فان رايت منهم غير ذلك فاعلم انما هم ماجورون او انتفاعيون او اصحاب اهواء لا رشاد في اتباعهم ولاصلاح ،
وتبقى الحركات الإسلامية “التصفوية الاقصائية” عبئا على الإسلام وتشويه لخلقه وقيمه ، وتحريف لتعاليمه ونظمه ، إن بدأها تقي عاد فأساء اليها وحرّفها شقي ، إن أسست على صلاح و ارشاد مافتئت ان انقلبت الى إقصاء وتكميم و اضطهاد ، إن نشرها صالحون مثقفون منفتحون ما فتأ ان تغلغل فيها ظلمة جهلة متشددون ، فينقلب فكر المجادلة الى مقاتلة ، وفقه المناظرة الى مناحرة ، وثقافة القبول الى إقصاء وقتل وغلول .