23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

لو أردنا تبسيط تعريف النجاح، لقلنا انه الوصول الى الاهداف، لكن النجاح حقيقة هو الوصول الى الغايات وهي البنى التحتية للانطلاق الى مهمة الانسان في الاعمار وتثبيت السلالة الادمية.

ولكي نقوم بهذا فلابد ان نمتلك رؤية وتخطيط يضع المدروس من الظرف والتحديات، بمعنى تشكيل منظومة متكاملة غاياتها واضحة وبيئتها مفهومة مترابطة حول محورها معززة بالثقة ومتفاعلة معها في اعادة تغذية صحيحة وليس بمعلومات تنبع عن تشويه للحقائق بالنفاق بما يتجاوب وغريزة حب السيادة عند القادة، بل بما ينتج عن مراقبة دقيقة لروابط المنظومة ببيئتها.

عوامل الفشل:

الفشل لا يأتي منذ البداية، فالمنظومات تطرح ذاتها بوعود وكلام جميل وهي عارية بلا بيئة او مستقر ترتكز على الاماني وتخاطب التطلعات والرغبات، والبيئة المتشكلة عادة بيئة هشة شرط بقائها تحويل تلك الامنيات الى حقائق على الارض، وللمنظومة ايضا اهداف، فمنها السلطة والمال والجاه وغيرها من مرامي تختفي بالشعارات المعلنة والتي تخاطب اهداف الناس وليس اعلان حقيقة طموحاتها،  لكنها بلا رؤية حقيقة وانما تبيع الوهم مستغلة التطلعات بغاية الخداع او بغاية الوصول الى اهدافها ظنا ان اهدافها اولوية على ما تريده الجماهير، فتكوّن صناديق تفتقد لمتطلبات الهياكل لتكون منظومة، فهي كيانات هشة فاشلة ربما تستخدم وسائل اخرى للحفاظ على بقائها، وتخاطب الامل في بيئة حولها راكدة ربما ينقصها هذا الامل وتطارده من العجز.
الفشل ايضا يأتي من طبيعة فهم العمل في بيئة غير صحية، فحينما تأتي للعمل لابد ان تدرس كما نوهنا، وان تجد ما يناسب من خطط ضمن واقع المحيط والتحديات، لان التخطيط ارتكازا الى فرضية النجاح بالأماني لن يكون فاعلا قطعا، فتصبح التحديات شغل شاغل لأية منظومة وبالتالي تهمل الاهداف التي اسست لها، وتهمل الاماني للبيئة ويبقى حول مركزها دوائر المصير التي تشتغل بالنفاق واقناع المركز بانه على الصواب وان الفشل لان الاخرين لم يسمحوا لها بالعمل، فكرة طوباوية لا عذرا وهي دليل فشل في التخطيط ومرتكزات التفكير غير الاستراتيجي بالكامل، فمن الطبيعي في بيئة رخوة ان تتصارع الاماني وتعرقل مساعيك المنظومات الاخرى ما دمت مخالفا لتطلعاتها، والاصل في هذا ان لا رؤية لهذه المنظومات وانما تتحرك بالغريزة والانا او ان التطلعات التي تحملها المنظومة الفاشلة تواجه عملا منظما قويا مخططا مبرمجا يحتوي او يسحق من امامه من المنظومات الهشة، التعذر بإعاقةالاخرين لي ليس عذرا، وهو غير مقبول اصلا بالمنهج القرآني والذي هو اساس التكوين البشري لمنظومة آدمية هي آدم وحواء، وتواجه مخطط يفوق ذهنها وفهمها للشر (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ) {الاعراف- 23} لم يقولا ان ابليس اغوانا وانه لم يدعنا نعيش بسلام وانه شرير ونحن مسالمين، فالمعلومة عندك يا آدم والعزم بالتفكير ودراسة المعلومة وفهمها، والارادة لك والقرار، وابليس عرض عرضا وسهله لك فان مشيت به خالفت كينونتك وهدف وجودك انك ذو قدرة على التفكير والاستنباط والاستقراء والفهم ومن ثم القرار، اما ان اقول انا ناجح وافشلني الاخرون فهذا فشل مركب وتبرير غير صادق مع النفس والعاجز من سمع كلاما يسره واستمرأ امتداحه.
فشل أي منظومة انها قد تفتقد للمرونة والقدرة على التطور والتمحور، والاصرار على ما تراه هو الصائب، او الصدارة، وفي الرحلات الطويلة للطيور يقودها طائر يتعب يتراجع ليحل محله آخر، يصل لمرحلة تحتاج خبرة في الهجرة يتراجع ليحل محله الخبير، هذه امور تجري من حيوانات تتعامل بغرائزها مع نظام وقوانين الطبيعة فما بالك بالبشر الذي تدفعه الانا للبقاء تحت متغيرات الظرف ويقود منظومته للفشل، بل يجري التغيير طبيعي نتيجة تغير المعطيات من اجل استمرار المنظومة وان تغيرت او عدلت الاهداف.
المنظومة تحكمها قواعد التسويق محليا كأي منتج، وتحكمها قواعد البيئة العالمية من اقتصاد ومال وسياسة وتوجه عالمي ايضا، وتجاوز هذا ليس شطارة وانما مغامرة تخرج عن قواعد العمل في المنظومة ولعلي ذكرت هذا بوضوح وتفصيل في كتاب الفته عام 2000م يتحدث عن الادارة والادارة الهندسية، لكن المنظومة واشراطها تتطور مع الزمن، ومن لايتطور ويخدع نفسه بان التحديات غلبته وانه ناجح لولا التحديات فهو بالأساس معلن فشل منظومته ناهيك عن القدرة للقيادة والتخطيط المفقود عند اغلب المنظومات او الكيانات الموجودة حاليا لأنها تفتقد لمراكز صنع القرار وتتركز على الشخص الواحد والذي غالبا ينشغل بجوانب المشكلات وتضيع منه نوتة الايقاع العام لأي لحن ينبغي ان تعزفه أي منظومة ضمن لحن الكون العام، فالأمور تأتي بالتناغم والواقع تماما كفرقة تقدم امرا لجمهورها والفشل يأتي متلثما بالتبرير  ونفاق المعية..