في زمن أصبحت فيه المنصات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس، يشهد العالم العربي – شأنه شأن بقية المجتمعات – موجةً عارمة من الانحلال الأخلاقي تحت مسميات براقة، كالحرية الشخصية أو “صناعة المحتوى”. ولكن ما نشهده اليوم لا يُعدو،الا كونه عهراً إلكترونياً فاضحاً، تتزين به الحسابات، ويتباهى به أصحابها، ويُروّج له تحت غطاء الحداثة والانفتاح.
اذ لم يعد العهر محصورًا في زوايا الظلام أو في أروقة الأماكن المشبوهة، بل خرج إلى العلن، وارتدى أزياء لامعة، وابتسم أمام الكاميرا بثقة، وجعل من الجسد سلعةً للعرض، ومن الخصوصية مادةً للربح السريع.
فمشاهد الرقص والإيحاءات الجنسية، الصور الفاضحة، والتلميحات المبتذلة أصبحت تتصدر “الترند” في التطبيقات المختلفة، وخصوصًا تلك التي تستهدف المراهقين وصغار السن.
إن المشكلة لا تكمن فقط في صانعي هذا “المحتوى” الرخيص، بل تتفاقم بوجود جمهور يصفق، ويشارك، ويتبرع، ويشجع. أما المنصات، فتغض الطرف عن ذلك طالما أن التفاعل يجلب المال، والمال يعزز نفوذها.
الأدهى من ذلك، أن بعض هذه الشخصيات أصبحت تحظى بشهرة ونفوذ اجتماعي، وربما حتى دعم سياسي أو إعلامي، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول معاييرنا الأخلاقية الجماعية، وقدرة المجتمع على التمييز بين حرية التعبير والانحطاط الأخلاقي.
حتما لا يمكن النظر إلى هذا المشهد دون التطرق إلى التأثير العميق على البنية القيمية والأسرية للمجتمع. إذ تنمو الأجيال الجديدة في ظل هذه القدوة السيئة، وتتبلور لديهم مفاهيم مشوهة عن النجاح، الجمال، والحرية.
ففتاة صغيرة قد تظن أن الطريق إلى الشهرة يمر عبر استعراض الجسد، وشاب يعتقد أن الفحش والابتذال هما الطريق الأقصر لجني المال.
ان حاجتنا اليوم تحتم ان نتخذ موقف حازم،فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع،وعلى الأسر أن تتابع أبناءها وتغرس فيهم وازع الأخلاق والكرامة.وعلى المدارس والمؤسسات التربوية أن تقدم خطابًا توعويًا معاصرًا.
كما ان على الحكومة أن تتحرك، لا بقوانين الرقابة فقط، بل عبر تقديم بدائل ثقافية جذابة ومحترمة.
وعلى رواد الفكر والإعلام أن يفضحوا هذه الظاهرة، ويحذروا من تبعاتها.