إن من أبرز العلامات الفارقة لساسة العراق الحاليين، والمسؤولين عن مصائر الملايين من المنتظرين على أحر من الجمر لما تأتي به اجتماعاتهم، هي مضيعة الوقت والمماطلة اللامنتهية في جلساتهم القريبة الى الرومانسية والمجاملات وتطييب الخواطر وتقريب المصالح -الخاصة طبعا-. هي مضيعة توحي للمتابع أنهم في مقهى او منتدى او (coffeeShop).. وعادة ماتخترق رومانسيتهم خلافات واتهامات يتقاذفون بها يمينا وشمالا، علّها تقع في ساحة أحدهم فيشيرون اليه بالبنان واللوم والتقريع، وبكل ما يمتلكون من أدوات السباب والقذف والشتائم.
الشماعة، هذه الكلمة التي باتت توأم فشلهم، يعلقون عليها نتاجات أخطائهم، متصورين أنها تشفع لهم وتبرئ ذممهم من الذين كان الخطأ بحقهم، وفاتهم أن هذه الشماعة محدودة التحمل، حيث ان طاقتها قد تستوعب بعض الاخطاء التي تغتفر، منها مثلا نسيان موعد عمل اوزيارة صديق اوعيادة مريض اوتبضع من السوق اوغيرها. لكن هناك مواعيد لاتحتمل تأجيلا أو تأخيرا، وأحيانا تكون مصيرية ويقف على نتائجها انسان او اكثر. من هذه المواعيد توقيتات إصدار القوانين والقرارات التي عادة ما تصدر من أحد المجالس الثلاث، ولاسيما مجلس النواب. وقد تعودنا في دوائر الدولة ومؤسساتها على أنماط معينة في سير الأعمال، يدخل الروتين والرتابة في مفاصلها جميعا، مايسفر عنه عدم جدوى في النهاية. لكن الأمر في مايصدر عن مجلس كمجلس النواب مختلف، لاسيما أن العراق مازال (محلك راوح) -إن لم نقل إلى الوراء در- وقد مضى على ولوجه حياة الديمقراطية مايربو على عقد ونصف العقد، وحريا بقادته الإسراع في خطاهم واختزال الزمن للحاق بركب الأمم التي اتسعت مابيننا وبينهم الهوة في مجالات الحياة كافة.
وبأول نظرة وتصفح للأنباء اليومية في الوكالات والفضائيات، نرى أن جل الأخبار تتناول عمل البرلمان، ناقلة اجتماعا او قراءة مشروع او إرهاصات تصويت على قانون، لكن (بلا قبض). فسلم القرارات يأخذ وقتا كما نقول: (جيب ليل واخذ عتابه)، فيما الملايين من المواطنين فاغرة فاها، بين خريج ينتظر بابا يفتح أمامه لممارسة اختصاصه في دوائر الدولة، او متقاعد ضامه العوز من غلاء المعيشة من جهة، وقلة مرتبه التقاعدي من جهة أخرى. أو عامل يرنو الى فرص عمل في البلاد يستطيع من خلالها كسب رزقه بعرق جبينه. او أرملة فقدت معيلها في ركن من أركان البلد من جراء تفجيرات هي بدورها وليدة خلافات الساسة وصراعاتهم. او أطفال حاقهم اليتم حتى ضاقت بهم سبل العيش. او شرائح أخرى لم يكن لهم ذنب في تردي حالهم المعاشي، كان الأولى بمجلس النواب الإسراع بالنظر الى احتياجاتهم وتوفير الضمانات الاجتماعية لهم. والقائمة تطول لو أردنا سرد الباقين من شرائح البلد.
فهل انتم متأثرون ياساستنا بهوايات بعض العراقيين في اقتناء الساعات بأشكالها وأنواعها وعلى اختلاف اسعارها، وهم في ذات الوقت يضيعون من ساعات اليوم أكثرها؟ فاليوم لاتخلو جدران اغلب البيوت العراقية من ساعات جدارية فخمة منها ساعات تمتد من سقفه حتى ارضيته إلا انها لاتعد ثانية واحدة من أعمارنا فهي (للزينة) فقط. واليوم ايضا اصبحت ساعاتنا في معاصمنا وهواتفنا وعلى مناضدنا ولاتخلو منها مركبة إلا أنها تحت مسمى: (راس حاجه). ليت ساستنا يكونون قدوة لنا في استغلال الوقت واستثماره، لاستدراك التأخير الذي لحق بنا في العقود الأخيرة لعل قائمة تقوم لنا وننهض من جديد.