” الجماعة الانسانية ليست ،من جهة الماهية، جماعة مباشرة وانما هي جماعة مضمونة بواسطة العلاقة مع غايات معروفة بالاشتراك في العالم”1توطئة:لا يمكن ان يوجد انسان قد تمكن من اثبات انيته وتحقيق انسانيته لوحده وبشكل منعزل من حيث هو كائن فردي وانما ينجز كل ذلك من حيث هو كائن اجتماعي وبوصفه يمتلك وجود مشترك الى جانب وجوده الخاص. اننا نحن ما نحن بانتمائنا الى جماعة تتفاهم بشكل واع ومتبادل وتمثل وضع كوني لوجود البشر وانسانية الانسان تتوقف على تواصله مع غيره، ماهي العناصر التي يتكون منها المجتمع؟ وكيف تحقق التواصل مع بعضها البعض؟ وما الفرق بين الاتصال الحيواني والتواصل الانساني؟ و هل يفضي التبادل الاقتصادي الى التواصل الاجتماعي ؟
ان معالجة هذه الأسئلة يقتضي العودة الى بعض النصوص التي تركها عالم الاجتماع الفرنسي البنيوي كلود ليفي شتراوس والتي يقارن فيها بين التبادل والتواصل ويطرح ثلاثة أنماط من التواصل الاجتماعي.
الترجمة:
“يتكون مجتمع معين من أفراد ومجموعات تتواصل فيما بينها…ويتم التواصل في كل المجتمع وفق ثلاثة مستويات على الأقل: تواصل بالنساء وتواصل بالخيرات والخدمات وتواصل بالرسائل. بناء على ذلك توفر دراسة نظام القرابة ودراسة النظام الاقتصادي ودراسة النظام اللغوي بعض المماثلات. تعود كل الأنظمة الثلاثة الى نفس المنهج ، وتختلف فقط في المستوى الاستراتيجي حيث تختار كل واحدة أن تتموقع في حضن العالم المشترك.
حينما نمر من الزواج الى اللغة فإننا نذهب من تواصل وفق ايقاع بطئ الى تواصل آخر وفق ايقاع سريع جدا. فرق يفسر بشكل يسير: في الزواج موضوع وذات التواصل هما تقريبا من الطبيعة نفسها( المرأة والرجل، على التوالي)، بينما في اللغة من يتكلم لا يختلط البتة مع كلماته. نحن اذن ازاء تعارض مزدوج: الشخص والرمز، والقيمة والعلامة.
هكذا نفهم جيدا الموقع التوسطي للتبادلات الاقتصادية بالمقارنة مع الشكلين الاخرين من التبادل: الخيرات والخدمات ليسا أشخاصا (مثل النساء) ، لكن على خلاف الظواهر هما أيضا قيم. وبعد نحن في حاجة الى الرموز والعلامات بالرغم من أنهما ليسا متكاملان لكي نتبادلها ومن أجل أن يصل النظام الاقتصادي الى درجة معينة من التعقيد.”2
علاوة على ذلك ان ” قواعد القرابة والزواج لم تصبح ضرورية بواسطة حالة المجتمع فقط بل هي حالة المجتمع نفسها، منقحة للعلاقات البيولوجية والاحساسات الطبيعية، يتم مطالبتها باحتلال موقع في البني التي تتضمنها بين الفينة والأخرى، واجبارها على تجاوز خصائصها الأولى. لا تشهد حالة الطبيعة سوى اللاانفصال والملكية وخليطها المحفوف بالمخاطر. “3
التعليق:
نستخلص من كل ذلك أن الانسان وما يملكه وما يتركه من آثار وانجازات يتم المحافظة عليه بواسطة الجماعة التي ينتمي اليها وتحمله الذاكرة والمخيال من جيل الى آخر عن طريق الترسب والتبادل.
كما يتبين لنا ان التبادل الاقتصادي يمكن ان يساعد على تسريع نسق التواصل الاجتماعي ويمكن ان يفضي الى ازمة في التواصل ، ثم ان عملية التواصل بين الأفراد بمعزل عن النشاط الاقتصادي والتبادل الخيرات والمنافع وانما عن طريق الزواج والكلام.
لكن ما الفرق بين التبادل والتواصل؟ واذا كان كل تواصل هو تبادل فهل أن كل تبادaل يفضي بشكل حتمي الى تحقيق التواصل؟ ألا يؤدي التبادل في بعض الأحيان الى اثارة موجة من اللاتواصل بين الأفراد والمجموعات خاصة حينما ينتج التفاوت والاستغلال والطبقية؟ واذا كان المعنى الاقتصادي هو المهيمن على مفهوم التبادل فكيف يكون وسيطا جوهريا في تحقيق التواصل الانساني؟
المراجع:
-Claude lévi-strauss, Anthropologie structurale, Plon, 1958.1
2 -Claude lévi-strauss, les structures élémentaires de la parenté, éditions mouton et cie, 1947.
3 -Karl Jaspers, raison et existence, traduction .R. Givord, presse universitaires de Gre