14 نوفمبر، 2024 7:40 م
Search
Close this search box.

 التبئير الوصفي في صراع الصوت السردي الإحادي

 التبئير الوصفي في صراع الصوت السردي الإحادي

قراءة في قصة ( الغاب ) لموسى كريدي
يتجلى مشروع تبئير المنظور السردي زمنيا من خلال فضاءات الإجراء التمهيدي و عبر اشتغال القاص على

مادته القصصية و الحكائية و الخطابية بشكل يبدو مختلف

عما أعتدنا عليه في قصص الكتاب .في أجواء قصة ( الغاب)

للقاص الراحل الاستاذ موسى كريدي ، لعلنا عاينا نوعية و

إجرائية و اداة ( صراع الصوت السردي الإحادي ) في مستوى داخلي / خارجي ، و بوقوفه على نحو دلالة أخذت

تتمشى في سيعيها كبناء تقطيعي أو تداخلي إزاء بناءات

فضاء أدوات مشاهد و صور و مواقف النص نفسه .

فالقاص كريدي في هذا النص يضع قارئه إزاء فضاء منغلق

و محدود . إلا أنه في الوقت نفسه يبدو فضاء مكشوفا بذاتية

صراع تبئير دلالة صوت السارد في دائرة إضافات الصورة

السردية المروية كأنفتاح شفري نحو زمن الخطاب الداخلي

والخارجي ، بألاضافة الى زمن نقطة الحوارية الداخلية

للشخصية الساردة مع إمكانية قراءة هواجس و أسئلة الذات

الشخصانية الموحية للكاتب في حيثيات متن النص كتجسيد

تمثيلي و ايقوني متخيل في مجليات ماهية ذلك الفضاء النصي

الاغترابي .

( المشاهد التقطيعية في دليل المحكي الزمني )

أن قراءة قصة ( الغاب ) تقدمها صورتها كحديث مبحثي

يتجلى أمامنا كموحية مشحونة الى مهمة إعادة و مراجعة

مفاصل دلالة النص بطريقة ( اللعب الزمني ) أو من جهة

أخرى بطريقة ( لعبة التقطيع ) أو دال تداخل الأزمنة في

صوت الشخصية السردية الواحدة . و ذلك بحكم كون

موجهات آليات هذا النص تنحى نحو الإسقاطية في تحويلات

بناء النص عبر فضاءات إستثمار تأملات و صراعات

المروي الإحادي في شفرة نصية محكي الزمن المتعدد

و بلغة شعرية تقترب من أفق قابلية عوالم الفنتازيا المتفاعلة

وحدود أشكال القص التوصيفية المركبة كمقابل إطاري

من شأنه أن يحدث حالة التفاعل بين ( صوت السارد ) و بين

بنى العلاقة الأعطائية المتعارضة في أوجه صيغة الميتاحكي . أي أننا بمعنى ما أو آخر ، عندما قرأنا أحداث قصة كريدي ، لربما لم نجد فيها سوى بطانة ضجيج التلميحات و همس

الأصوات المدججة بالحراب مع تواجد الإيماءات الهامسة

في منطقة العلاقات التصويرية و على نحو يبعث فينا الإحساس بأن فضاء هذا النص مع أحداثه تثبت لدينا ضمن

معنى النص بنية دلالية تنتجها ذات السارد في أفق صياغة تسجيلية و توصيفية تتجاوز إطار توضيحية العلاقة الوقائعية

و التجسيدية الجادة بين حيثيات الصيغ و المصاغ و بين التفاعلات المشهدية و الإجرائية في منطوق مادة المسرود

النصي . و تبعا لهذا الكلام سوف نعاين مدى حيثيات و تجليات عناصر القص عبر فقرات سرد قصة القاص :

( في الفجر بدءا من الخيط الأول للنور أمروني أن أقود

عربة محملة بأشياء أريد لها أن تكون خفية عن الأنظار ..

ضحكت ضحكة سوداء لفرط خوفي .. وقالوا قبل أن

أتحرك إياك و الكشف عما في داخل العربة فهناك من سيطوح برأسك إن أعلنت عن حملك أو نكثت الموعد

أو إتخذت سبيلا للهرب ما عليك إلا أن تصل الى النقطة

المعلومة و تفرغ الحمولة و تعود .. أبعدوا البنادق عني

و أشاروا الى الفتحة المؤدية الى النقطة .. اتسع الطريق

أمامي ثم ضاق حين أنحدرت نحو الغابة ) . من حدود

مدارية هذه الوحدة الوظيفية شاهدنا محتوى العتبة النصية

وهي تلوح بنا الى مجموعة شواهد و أشخاص غريبة ،

لم يشأ أن يعرف القاص بهويتها الإنشائية و التعريفية ولا من حيث دليل جهة أنتمائهم الأولى : أهم عساكر ؟ أم يجوز أن يكون الشخصية هذا موضع تجسس مثلا حول موضع آخر ؟

فالقاص عبر مقدمة نصه الإنشائية الواصفة لم يعلن عن سمات تلك البنادق ولا من جهة دليل أصحابها ، فقط وجدناه

أي الشخصية خاضعة نحو المزيد من الأوامر و الامتثال

والسير نحو تلك الغابة : ( توقفت عند ألتواءة لأستعيد تنفسي

ثم سرت .. لم أزل هكذا حين توقفت بعد عن أهتز قرص الشمس أعلى العربة على صوت الصهيل .. و حدست لحظتئذ

أني أحمل أعتدة .. تجمد ظلي في الطين ثم دنى من هيكلي رأس في خوذة و صاح بي ــ قف ــ كنت واقفا تلك اللحظة

بحذاء العربة على يميني يقف الحصان بلونه البني و عرفه

الأسود .. أمرني المسلح أن أبرك فبركت سحبني من عنقي

فنتصبت دون حراك وما لبثت هكذا قليلا حتى لمحت مصطبة

شبه مهملة ترقد جواري و ما إن أرحت على حافتها مرفقي

حتى انبرى الحارس المدجج و غرز شيئا من نصل حربته

في لحم كتفي .. قال لي : لا تصرخ ! أخبرني وجهتك قلت

لا أدري .. ضربني على رأسي .. و أشار بحربته الى شارع نسيمي .. عدت أقود العربة .. الشمس أشبه برغيف أنشطر

نصفين فوق رأسي و الظلال أنتشرت و تداخلت مع الأضواء

حتى تعذر علي تمييز معالم الطريق ) يمتاز الخطاب السردي

في أحداث و مسار قصة القاص بخصوصية صياغتها التمويهية ، حيث تتجلى هذه التمويهية في كون القاص لا يقر

من على لسان سارده الشخصية بمعرفات أحداث النص في

مجالها المشهدي المرسوم إلا من ناحية إخبار القارىء بتعدد

الأوصاف و الأمكنة و أختلاف الزمن المؤسس طبعا من تعدد

المجال الفضائي في نصية صوت المسرود .. و تبعا لهذا الأمر واجهتنا عدمية جهة السارد الشخصية في رحلته الى عمق الغابة تلك مع حالات لا مبررة كمثال وصفه لحصانه و ذكر لونه بجانب مظاهر توصيف تلك الشخصيات المسلحة

في الأحداث على نحو مبالغ فيه نوعا ما ، الأحداث و كأنها فالنص عبارة عن صيغية محضة لذاتها و ذاتها .. أننا في أحداث النص نلمس أحيانا ما يمكن تسميته بتداخل طبقة الخطابات و المقصدية الدلالية المموهة كشكل ينمو دون وازع محكم و مؤشر .. كما أن الحدث في النص صار يقود نفسه عبر مجالات من الأوصلف و تقاطعات صوت السارد نحو صيغية مختلطة من اللاتعريف بدرجات علامة موضوعية المشاهد و عضوية دلائل وظائفها الاساسية في زمن المحكي . فخطاب النص عند هذه الفقرات يحتل لذاته

الموقع التوصيفي حصرا في موضع دال صلاحية النمو السردي و الإطار العرضي في حدود فاصلة تعدد خصوصية التقطيع الصيغي و الرؤيوي في مسرحة الدال السردي .

( السارد و تنصيصات مجاهيل العلاقة )

حينما تكون حكايات الذات السردية عبارة عن متاهات عميقة و عجيبة ، قد تثير إعجابنا و تكسب تعاطفنا القرائي من جهة

. و لكن عندما تتجه الأحداث النصية في غير المنحى المناسب ، لربما تتسع مساحة الآفتراق بين مسافة السارد المروية و مساحة عرضية النص و مؤشراته ، مما جعل علاقة القاص إزاء سارده و الشخصية و بؤرة القص ، كأنها فجوة مرهفة في منظور توجه المنطلق الرؤيوي نحو حياتية معطيات موقع أداة و مهمة الشكل القصصي الملائم :

( أنا مطلق السراح .. هذا صحيح و استطيع رفع ذراعي الأثنتين بحرية غير أني حسبت نفسي أدور في حلقات من الفراغ و أجوب أطراف غابة لا نهاية لها .. و أنا أسير بت

لا أفكر فيما أحمل بل أني رحت أبحث عن ولدي ماذا حل به)

وتبعا لهذه الفقرات نستدل على حقيقة غريبة لم يكشف لنا عنها القاص منذ بداية نصه ( بل أني رحت أبحث عن ولدي ماذا حل به ؟ ) و بصدد محورية هذا المبئر الجديد نكتشف سبب رحلة الشخصية في مجاهيل الغاب : ولكن للأسف جاءتنا هذه البؤرة الكشوفية دون إية علامة تكوينية و دلالية مناسبة و منطلق القص الأول ، حتى أنها باتت هذه الوحدة

السردية كأنها دخيلة لا أهتمام و عناية لها في مجرى أحداث النص : فأنا شخصيا لا أجد ثمة وقائعية علائقية دقيقة و جادة

في مسار بحث الأب عن أبنه في مجاهيل حكاية مافيات لا نعرف لحد الآن إن كانت عساكر أو عصابات أو قطاع طرق

أو جهة حكومية طاغية ؟ أن هذا التنازع و التعقيد في الإفصاح عن آلية الكشف أخذت تلاحق أحداث النص حتى لحظة تصعيد الانفراج الذروي في زمن رؤية دليل مسرحة

الأسباب و المسبب من تصورات و بناءات و أحتمالات النص نفسه : ( هل نجا من الموت ؟ أهو مثلي الآن لم يهتد بعد الى

بيته ؟ مر بي كهف تطلعت الى أحشائه لم أجد سوى جماجم

مبعثرة خلال أخاديد معتمة رحت أتلمس بعضها .. هل أجد جمجمة ولدي ؟ هالني أن أجد جنب هذا الركام خراطيش رصاص و بقايا عظام آدمية .. فلم يعد لأصابعي أن تعمل

أو تفك اللغز وسط رذاذ أحمر ذي بخار ثلجي .. طار في الرذاذ نسر بعين واحدة ؟ تساءلت أكانت الرصاصة التي مرقت للتو و أخطأتني قد أصابته ؟ ) ليس من شك إذن ان محور قصة القاص ما هي إلا حكاية أب يبحث عن جثة ولده بين أنقاض الحروب ؟ و لكن أية حرب كان يقصدها كريدي تحديدا ؟ وما شأن تلك البدايات التي عاشتها الشخصية بفكرة

بحث الأب عن جثة ولده ؟ فالقاص في أحداث نصه قد أوحى لنا بعلامات موقع بؤروي ذا شأن آخر و دليل آخر وصولا الى أننا أصبحنا نختال أمرا مماثلا لما شاهدناه في أفلام الغجر الامريكية . واضح أن موقعية الرؤية أضحت مختلفة مع دليل لغة أبعاد العلاقة الحسية في المقروء . فيما بدت رحلة الشخصية عبارة عن صراع ضرورة حبكوية خافية عن قيم الهواجس و الأهواء القرائية وما خلف الحس الظاهر من دلالات و وقائع توصيفية جزئية الدليل و الاحتمال :

( لم أر خلال الوميض و الحركة سوى قبضتين أخذتا تنغرزان حالا في لحم عنقي ــ قف ــ وقفت .. الى أين ؟ من أوحى لك بتغيير الإتجاه ؟ أنك تحاول عبثا تغيير اتجاه السهم و توهم نفسك بأن هذا الانحراف نحو جادة أخرى يجنبك العقاب و تمنحك وعدا بالنجاة .. من أدخلك في هذه الورطة ؟ لم تبق لرأس الحربة في مجال خناقي سوى لحظة .. أنما اللحظة انطفأة فجأة أثر صيحة لشخص جاء يحضر الحفلة

كان عملاقا يرتدي الزي الأصفر يلمع على يساره وسام من النيكل على شكل قرص أنما في يده عصا بدت في ضوء الغابة بلون العاج كان يهز بها في الهواء رفعها فأبعدني

صاحب الحربة و قال .. دع هذا فهو ضال في غابة ترك فيما وراءه زوجة و ثلاثة بنات ودكانا لصناعة الخشب وراح يبحث عن ولده .. لم أستطع كتمان بهجتي فتحت كفي فسقطت العصى بقوة عليها وتركت خطا أحمر صرخ بي : أفرغ حمولتك هنا يا أبله و أترك العربة و الحصان و أعبر هذا الدغل .. أمتثلت لما أراد و قرأت شيئا من الفاتحة هتف يمينا در .. فأستدرت كالآلة ثم سرت خائفا ثم أوقفني من كان يأمر بالوقوف رفع هذا الآخر عصاه في وجهي وقال : كل من سبقك قام بواجبه وكل من خالف دفع الثمن أفهمت ؟ عادة العصا بحجم الرخ كدت أفقد صوابي حبس رأسي ثم عدت أصغي .. أصغي هذه المرة لداخلي ــ أضربه كما ضربك ــ

رفعت العصا أبعدتها ــ أخرس يا جبان ــ ساعتها أنكفأ نظري و الغابة أهتزت تماما ثم تداخل الرماد بالضماد و الصرخة بالسكون أصطبغ العشب بلون الزمهرير .. كانت الضربة الحادة المهولة أطاحت بكياني كله و أفقدتني الأتصال بكل الأشياء بعدها أفقت قلت لو كان ولدي معي الآن فهل استطاع ان يعوضني عن الذراع التي بتروها ؟ )

( تعليق القراءة )

في الواقع بعد زمن تمفصلات قراءتنا الانطباعية لقصة

( الغاب ) للقاص الأستاذ المغفور له موسى كريدي ، لاحظنا بأن لهذا النص تحديدا ثمة تحولات أوجه إغترابية و نفسانية

و ذاتية و رمزية خاصة ، لاسيما و حدود المنظورية التوصيفية في رسم حساسية الرؤية السردية على نحو معادل

موضوعي يهم بتشغيل الأوصاف و الاستيهامات في نطاق

تلميحات اسقاطية من ملامح بؤرة النموذج الحلمي الذاتي وصولا الى منطقة مماثلة بين حالة الجدل الدرامي و بين فضاء الذات / الموضوع . فالقاص كان يوظف أسلوبيته في

مجمل تفاصيل إختيارية و تمظهرية لغرض الوصول الى فرصة المتمثل بالمفترض العلائقي المتصل بين العلاقة الصورية في صوت ( السارد / الأنا ) و بين الأحاسيس

المتبلورة داخل أفق مركزية محطات السرد المحورية في النص : ( عدت في الحال الى ظل ذراعي أتأمله مثل أبله

غشي بصري ضباب أحمر ثم في لحظة أمسكت بي خلال مكوثي الوجيز قبضتان صلبتان كورتا جسدي رافعتا الى أعلى ثمة ألقتا به في صهريج .. ذلك أمر حصل فعلا حين أفقت و تلمست شدة الخدر في كتفي و فتحت عيني على

وسعهما لأتلمس في الظلام الدرب المفضي الى منزلي )

هكذا تنتهي قصة ( الغاب ) على نحو نهاية دلالية صراعية كبيرة يشاطرها ( أفق الأسترجاع ) و تبئير المنظور السردي

الترميزي وصولا الى مضمونية الصوت السردي الإحادي المفترض جدلا في حركية دال علامة تمثيلية ناشطة من الوعي السردي المتصل بطرائق مداليل تشخيصية و أغترابية
مزروعة في متاريس محيط دلالة الفقدان و التواصل .

أحدث المقالات