من النقاشات الثرية التي أتابعها مؤخراً الحوارات الخصبة والمفرحة عن (إستعادة الوعي المهمش) عن (قيمة) ثورة شعبان وهذه النقاشات تثير مشكلة (الأسم) أساساً فمصطلح (شعبان) غير مرغوب فيه من قبل الإخوة المناضلين من (الشيوعيين) وبدرجة أقل من بعض الإخوة الليبراليين. وتسالم هؤلاء الإخوة على نقد اسم (شعبان) بقولهم أن هذه (الكلمة) تُضمر الإحالة الذهنية على (التيار الديني). كان الجاحظ قديماً يقول أن المعاني ملقاة على أرصفة الطرق والأدباء يخيطون لها الثياب وهو قول صحيح ولكن يقف على رأسه بحسب المدارس الفلسفية اللغوية الحديثة. فلو عكسناها لأصبحت عبارة مستقيمة ودقيقة وتقف على رجلها، أي أن الألفاظ ملقاة على الطرق ولكن المعاني لا يصطادها إلا مفكر نحرير ليختار لها لفظاً يختصر به ظاهرة معقدة كاملة مثلما فعل الفيلسوف البرازيلي باولو فريري مؤلف الكتاب المعروف (تعليم المقهورين). حيث قام بنحت مصطلح التعليم المصرفي (التعليم بالإيداع) (Banking Education) ليختصر من خلاله مشكلة أنظمة التعليم الحديثة برمتها. أو مثل ابتكار اوغست كونت لمصطلح (سوسيولوجيا) بديلاً عن تعبير فاشل هو (علم فيزياء الاجتماع) أو مثل مصطلحات أخرى كثيرة بعضها معروف عربياً وبعضها غير معروف مثل مصطلح (الإيمان المعاش) لبيير بورديو وغير ذلك. مما يكشف لنا خطورة وأهمية (الأسماء) التي وصفها يوماً غوستاف لوبون بأنها (مفاتيح السيطرة) على الوعي العام من قبل (السلطة) أياً يكن نوعها. وما زالت قوة الاسم مخيفة ومترسبة في لا شعور الإنسان أو شعوره مثل خشيتنا عربياً من ذكر أسماء الأمراض الخبيثة لأن ذكر (الأسم) يشتغل على خيال كامل من الصور الرمزية التي تتداعى بالذهن. والألفاظ الشائعة (الملقاة على جوانب الطرق) مرتبطة بذاكرة الناس بعمق وتتصل ببنيتهم النفسية والوجدانية العميقة. ومن ذلك كان المغفور له حسين مروة المفكر الماركسي المعروف عندما يتحدث ويستعمل مصطلح (اللهم) ويعترض عليه معترض ما من ذوي التفكير السطحي يرد بهدوء ويقول بأن هذه بنية لغوية وتعبير (اللهم) يحيل الذهن على (الإستثناء) فلا معنى للنقاش حول هذه التفصيلات الضيقة ومن ذلك أيضا نجد التمييز التراثي البديع والذي أعاده بالفرنسية بفعالية ونشاط المفكر الراحل محمد أركون من التمييز بين (مسلم) و(إسلامي). فتراثياً نجد ميسون بنت بجدل (مسيحية الإنتماء الديني) مصنفة تحت باب الشعراء الإسلاميين وامثالها كثير من شعراء مسيح أو نجد تحت مسمى (فيلسوف إسلامي) الفيلسوف موسى بن ميمون والذي هو يهودي الديانة من المنشئين والكتاب الإسلاميين ونجد بينهم أبي إسحاق الصابي. لأن القدامى والمعاصرين النابهين يوضحون بشكل دقيق أن (الإسلامي) يختلف عن (المسلم). فكلمة (مسلم) تحيل إلى الدين وأما الإسلامي فتحيل على الفضاء الحضاري الذي يشمل عدة أديان وأعراق وثقافات. طبعاً هذا في البحوث الخاصة بالدراسات التاريخية والحضارية وليس فيما يخص المصطلح الصحفي السائد لوصف تيارات الإسلام السياسي, هذه المقدمة الطويلة ربما تكون كافية لإختيار اسم (شعبان) لثورة آذار 1991 كإصطلاح معبر عن (ثورة شعبية) شارك فيها المسلم وغير المسلم، الشيعي والسني، المتدين وغير المتدين، الماركسي والليبرالي والديني. لأن مفردة (شعبان) الملقاة على قارعة الطريقة تحتاج إلى خياطة فكرية وثقافية تؤصلها نظراً لرسوخها في الوجدان الشعبي العام وشيوعها على ألسنة الناس علاوة على سهولة نطقها ونغمها المتفاعل مع العواطف العميقة للناس.ارى عدم جدوى أختيار مصطلحات أخرى تفقدها (زخمها وطاقتها الايحائية والتعبيرية) ولا أظن أن هناك اي إنسان عراقي يسمع باصطلاح الثورة الشعبانية ويحيله إلى المتدينين فقط! فالكل يعرف أن الشيوعيين شاركوا فيها وسقوا بدمهم أرض العراق مثلما شارك فيها الصابئة والمسيح في الجنوب أو غيرهم. فالمصطلح بحد ذاته فعال وخلاق ولا حاجة لخلق مشكلة زائفة ووهمية حوله، لا جدوى منها بل وتؤدي إلى إضعاف نغمها على الاذن العراقية أو تُفقدها شحنتها الدلالية الايحائية التي شاعت. ثم أنه رهان خاسر اصلاً فالمصطلحات كما هو معروف تتعرض لـ(الإنتقاء الطبيعي) و(البقاء للفعال) مثلما غاب مصطلح مذياع لصالح كلمة راديو أو غاب مصطلح نزعة إنسانية لصالح مصطلح (أنسنة). هذه وجهة نظر متواضعة من احد الثوار لا ينتميي لآي جهة سياسية .