17 أبريل، 2024 6:13 م
Search
Close this search box.

التاسع من نيسان يوما للنسيان

Facebook
Twitter
LinkedIn

مثل يوم 9 نيسان من عام 2003 يوما مفصليا في التاريخ السياسي العراقي الحديث أنتهت فيه عمليا الدولة العراقية القائمة منذ عام 1921 ايذانا بقيام دولة جديدة ومرحلة أخرى كانت ولاتزال الأكثر قسوة وصعوبة وظلامية ولعلنا لانبالغ بشيء اذا قلنا بأن جحافل القوات الامريكية التي أحتلت بغداد في ذلك التاريخ قد فتحت فعلا أبواب الجحيم على العراق والمنطقة ككل ولم يشفع لها سقوط النظام الغير مأسوف عليه والذي أجاد الامريكيين استخدام سلاحه الغير التقليدي المزعوم وروابطه المفترضة مع القاعدة كذريعة للانقضاض عليه دون أن ننسى العزف على وتر مظلومية الشيعة والأكراد وهو ما لايعنيهم حقا وقد لعبوا دورا كبيرا بمساندة النظام في قمعه لهذه المكونات في الوقت الذي غفل فيه الكثير عن الهدف الرئيسي لهذا الغزو الساعي لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وتجزئة المجزء وتقسيم المقسم من خلال اعادة أحياء النعرات الطائفية والعرقية في خطة محكمة استكملت حلقاتها لاحقا في الربيع العربي وداعش على التوالي مستغلين تطلع العراقيين والعرب عموما للحرية والديموقراطية بعد عقود من الاستبداد السياسي .

ان أقصاء النظام السابق عن سدة السلطة لم يكن خطأ بذاته بل ان هذا الأمر كان يجب أن يتم منذ عام 1991 بعد أن تسببت مغامرته الكويتية بتدمير العراق قبل أن يستبيح المدن الجنوبية والشمالية المنتفضة ضد جبروته ، لكن الخطأ الفادح كان في اسلوب الأطاحة بهذا النظام والمتمثلة في التدخل الأجنبي المباشر والذي عقد الأمور أكثر في بلد معقد أصلا .

لقد تعرضت دول عديدة لمثل هذه الخيار المر بين الديكتاتورية والاحتلال لكنها تمكنت بفضل جهود أبنائها المخلصين من الخروج من عنق الزجاجة ، فلقد خرجت اليابان وألمانيا من الحرب العالمية الثانية متحررتين من بطش النظامين العسكري والنازي لكنهما مهزومتين عسكريا ، مدمرتين بنيويا وخاضعتين للاحتلال واقعيا

مرفقة بخسائر أقتصادية فادحة وتصدعات اجتماعية خطيرة لا يرقى ماحصل في العراق من جراء الحرب والحصار للمقارنة بها أصلا ورغم ذلك فقد تمكن الشعبين من تحقيق التفوق السياسي والأقتصادي والعلمي في مرحلة لاحقة بصورة أذهلت شعوب الأرض قاطبة ، فيما لايزال العراق يتخبط في نفق مظلم وهو يستقبل عامه الثالث عشر بعد التغيير فلقد تمكن اليابانيون خلال نفس المدة بعد انتهاء الحرب تحديدا عام 1957 من اقرار دستور متفق عليه (1946) واستعادة السيادة المطلقة وانهاء الاحتلال بموجب معاهدة السلام في سان فرانسيسكو (1951) وجرى ادخال اصلاحات جوهرية على النظام التعليمي في البلاد والبدء بعملية النمو الأقتصادي السريعة من خلال السياسات الناجحة لحكومة هاياتو ايكيدا والتي أتبعت سياسة الصناعات الثقيلة مفسحة المجال لاعادة تكتل الشركات اليابانية الكبرى وعودتها للمنافسة على المستوى العالمي ناهيك عن حزمة المساعدات الامريكية لتؤتي العملية ثمارها في الستينات وتنفض اليابان عن نفسها غبار الحرب العالمية الثانية للأبد فيما سمي ب “المعجزة الأقتصادية” .

فيما تمكنت ألمانيا الغربية بعد 12 عاما على سقوط النازية من تقليص عدد العاطلين عن العمل لنصف مليون فقط والبدء بعملية العفو العام عن النازيين السابقين واقرار قانوني العودة للوطن بالنسبة لأسرى الحرب الألمان و البناء (1950) وانضمام بون لصندوق النقد العالمي والبنك الدولي (1952) واطلاق البث المباشر للتلفزيون الألماني والتتويج بكأس العالم لكرة القدم ووضع نهاية لحالة الاحتلال بموجب أتفاقية باريس (1954) وانضمام المانيا الغربية لحلف شمال الأطلسي (1955) وفرض الخدمة الالزامية (1956) واستعادة منطقة الزار (1957) في الوقت الذي كانت فيه البلاد تسير بخطى ثابتة هي الأخرى بمسيرة النمو الأقتصادي في ظل السياسات الناجعة للمستشار الأبرز كونراد اديناور المستفيدة من المساعدات المالية الامريكية التي ساهمت في اعادة أعمار وتشغيل الأقتصاد والمصانع الأوربية “مشروع مارشال” .

أما عراق العام 2015 فلايزال نظامه السياسي غير مستقر بدستور معيوب وقوات أمنية ضعيفة وغير مهنية ينخرها الفساد تخوض معارك تحريرية بمعية وحدات غير نظامية من الحشد والعشائر ضد تنظيم داعش المسيطر على ثلث مساحة البلاد وتواصل موجات النزوح الداخلي لمئات الألاف من سكانه نتيجة لتلك المعارك مع ارتفاع حدة الاحتقان الطائفي وغياب ثقافة الحوار وتغليب روح الانتقام على المصالحة و استمرار التنازع الامريكي الايراني حول مستقبل البلد ، وسط تدني مستوى الخدمات وسياسات أقتصادية رديئة أهملت قطاعات التجارة والزراعة والسياحة والصناعة وأعتمدت بشكل كلي على موارد النفط وهو ما أدخل البلد في حالة تقشف بمجرد انخفاض أسعاره مع أرتفاع مطرد بمعدلات الفساد والتي أستنزفت أموال صندوق اعادة أعمار العراق بعد الحرب وأضرت بالأقتصاد عموما حيث قدرت خسائره بترليون دولار منذ العام 2003 ولغاية نهاية العام 2014.

ولعل مرد الأختلاف البارز بين مآلات التجارب اليابانية والألمانية والعراقية هي اعتماد روح المصالحة ومبدأ الكفاءة في الحالتين اليابانية والألمانية واغفالها في الحالة العراقية والتي أقرت بالانتقام وبتقديم أهل الثقة بصرف النظر عن خبرتهم وكفاءتهم وهو مايعكس نوعية القادة السياسيين الحاكمين لهذه البلدان بعد زوال الأنظمة الشمولية ففي الوقت الذي عمل فيه الساسة الألمان واليابانيون على تدعيم علاقاتهم بالولايات المتحدة لتحقيق أكبر قدر ممكن من مصالح بلدانهم ، انغمس ساسة العراق الجديد في تحقيق أكبر قدر ممكن من مصالحهم الخاصة ورضوا بأن يكونوا مجرد بيادق تحركها مشاريع دول الجوار وعملوا في سبيل تثبيت حكمهم على تكريس الطائفية في العملية السياسية بل ونشرها في المجتمع للحيلولة دون توحيد الجهود الوطنية لمحاسبتهم على فشلهم في تقديم بديل مناسب وجيد للنظام السابق ، لذا تتحمل القوى السياسية العراقية المسئولية الكبرى في الواقع المأساوي الحالي لانها تعاملت مع الوضع بعد الغزو وأثناء بناء الدولة الجديدة بمقتضى انتماءاتها الطائفية والعرقية لا التزاماتها الوطنية ففي الوقت الذي أستغلت فيه القوى الكوردية ضعف المركز وخلافات السنة والشيعة وداعش لتعزيز مقدرات كيانهم الشبه مستقل سياسيا وعسكريا وأقتصاديا لجأت القوى السنية للتمرد المسلح ضد الواقع الجديد فاسحين المجال لقدوم الألاف الارهابيين من شتى أنحاء العالم الاسلامي أملا في استعادة السلطة والتي يراها بعضهم حقا ألهيا موروثا لا تنازل عنه !!! في حين تفرغت القوى الشيعية لفرض هيمنتها على مفاصل الدولة وتعميم ثقافة المذهب على المجتمع منتهجين اسلوب الانتقام المفرط غير مقدرين بأن دوام الحكم الشيعي للعراق مقرون بوجود قضاء مستقل وجيش قوي وتعليم حديث ومجتمع واعي واقتصاد متعدد الموارد لا برفع رايات (ياحسين) و(يازهراء) في قلب المناطق السنية !

ان المتتبع لخط سير قوى المعارضة العراقية بعد عام 2003 يكتشف تضمنها ل 3 تيارات ، أولها : الانتهازي والنفعي والذي كان يسعى جاهدا للوصول لسدة السلطة في بلد يسبح فوق بحيرة من النفط لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الشخصية وكان يرى في صدام حسين مانعا يجب ابعاده ، وثانيها : الطائفي والذي رأى في صدام حسين رمزا لحكم سني يجب التخلص منه واقامة البديل الشيعي له بغض النظر عن جودة هذا البديل ومدى صلاحيته لادارة شئون البلاد ، ثالثا: وهو تيار تم استبعاده من الامريكيين وحرص التيارين المذكورين سلفا على تحجيمه منذ البدء وهو من سعى لدولة مدنية ديموقراطية حديثة تقوم على مؤسسات مهنية تكون عوضا عن الدولة البوليسية وهو تيار لم يشارك بعمولات وصفقات الفساد المشبوهة ولم يكن محبذا لفكرة الطائفية السياسية وقد اعتزل أغلب رواده العمل السياسي ولايزال الكثير منهم يقيمون خارج العراق !!

لايمكن قبول فرضية الخطأ الغير مقصود لتوصيف السياسات الامريكية في العراق فقد دخل الامريكان هذا البلد رغم أنف المجتمع الدولي وخرجوا منه بعد أنتهت مهمتهم المتمثلة بتقويض مقومات بناء دولة حديثة ثم عادوا لتنفيذ مخطط أخر بحجة محاربة داعش فيما تكفل الساسة بنسف أسس التعايش المشترك بين المكونات وأضاعوا فرصة قد لاتتكرر لبناء دولة حقيقية تشمل الجميع وحولوا أحلام العراقيين بالحرية والديموقراطية بعد

عقود الحكم الشمولي لكوابيس من الدم والارهاب والعنف والفساد والطائفية لمايزيد على عقد من الزمان ليغدو حلم قيام دولة مؤسسات مهنية وقوية وتنعم بالاستقرار والسلم والأمان حلما صعب المنال وهو مايفسر حنين كثير من العراقيين لتفاصيل حياتهم قبل العام 2003 لا حبا فيها بل بغضا بواقعهم المزري الحالي والذي لاخروج منه الا برحيل الطبقة السياسية الحالية لفسادها وفشلها في ادارة شئون البلاد وهو ذاته ما صرح به مؤخرا النائب الأول لرئيس الجمهورية السيد نوري المالكي واعادة انتاج نظام سياسي جديد مقنع لكل الأطراف أو احداث تغييرات جوهرية في العملية السياسية الحالية تكفل تمثيل الجميع بصورة صحيحة على أقل تقدير.

ان تجربة العراق بعد عام 2003 قد فشلت بفضل عدم وجود طبقة سياسية قادرة على تحمل المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقها وأفشلت من قبل دول الجوار والتي تجمع على عدم السماح بنشوء عراق ديموقراطي لتحوله لساحة لتصفية حساباتها الخاصة في معركة كان وقودها هم العراقيين وميدانها هو وطنهم وستتضح أثارها جليا في أجيالهم القادمة ولعقود طويلة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب