التاريخ يعيد نفسه: أسباب انهيار الحركات الثورية قديمًا وحديثًا

التاريخ يعيد نفسه: أسباب انهيار الحركات الثورية قديمًا وحديثًا

في معظم الدول التي شهدت ثورات، مثل سوريا، ليبيا، واليمن، أدى غياب الوحدة بين القوى الثورية إلى صراعات داخلية أنهكت الحركات الاحتجاجية. في السودان، على سبيل المثال، وبعد الإطاحة بعمر البشير عام 2019، لم تتمكن القوى المدنية والعسكرية من الحفاظ على شراكة مستقرة، مما أدى إلى انقلاب عسكري لاحقًا وصراع دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع. في دول مثل مصر، الجزائر، والبحرين، لجأت الأنظمة إلى استخدام القمع العنيف لكبح الحراك الثوري. في مصر، بعد الإطاحة بحسني مبارك في 2011، شهدت البلاد انقلابًا عسكريًا في 2013 أطاح بحكومة الإخوان المسلمين وأعاد الحكم العسكري بقوة أكبر. وفي الجزائر، رغم الحراك الشعبي الواسع في 2019 ضد نظام بوتفليقة، لم تنجح الثورة في إحداث تغيير جذري، حيث استمر الحكم العسكري في السيطرة.في دول مثل ليبيا واليمن، تسببت الفوضى التي أعقبت الثورات في فقدان الدعم الشعبي لها، حيث لم تؤدِ الثورة إلى تحسين الأوضاع، بل دخلت البلاد في حروب أهلية وصراعات بين الفصائل المختلفة. في لبنان، رغم الاحتجاجات الواسعة ضد الفساد في 2019، إلا أن عدم وجود قيادة واضحة للحراك أدى إلى تراجع الدعم الشعبي، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية الحادة. التدخلات الإقليمية والدولية كانت أحد العوامل الرئيسية التي أجهضت الثورات العربية. في سوريا، أدى التدخل الإيراني والروسي لصالح النظام السوري، مقابل دعم غربي وخليجي لفصائل المعارضة، إلى تحويل الثورة إلى حرب أهلية معقدة استنزفت البلاد وأحبطت التطلعات الشعبية للتغيير. في اليمن، تسبب الصراع بين التحالف السعودي-الإماراتي من جهة وإيران عبر دعم الحوثيين من جهة أخرى في إفشال أي إمكانية لحل سياسي مستدام. في العراق ولبنان، ورغم الاحتجاجات الواسعة ضد الفساد والطائفية، لم تستطع الحركات الثورية تقديم بديل سياسي واضح قادر على حكم البلاد، مما سمح للنخب القديمة بإعادة ترسيخ سلطتها. في السودان، عجزت القوى المدنية عن تقديم رؤية موحدة للحكم بعد سقوط البشير، مما سمح للعسكر باستغلال الفراغ وإعادة إنتاج النظام القديم. الأزمات الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في إضعاف الحركات الاحتجاجية، حيث يجد المواطن العادي نفسه مضطرًا للتركيز على تأمين لقمة العيش بدلًا من الاستمرار في الثورة. في لبنان، رغم استمرار الغضب الشعبي، فإن الانهيار الاقتصادي الحاد وانخفاض قيمة العملة جعلت الأولوية للبقاء الاقتصادي بدلًا من النضال السياسي. وفي تونس، ورغم نجاح الثورة في إسقاط بن علي، إلا أن التدهور الاقتصادي اللاحق مهد الطريق لصعود قيس سعيد وفرضه إجراءات استثنائية أضعفت الديمقراطية الناشئة. العالم اليوم لم يعد يركز على دعم التحولات الديمقراطية كما كان خلال ما يسمىالربيع العربي. القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا أصبحت أكثر اهتمامًا بالاستقرار السياسي والأمن، خاصة مع تصاعد المخاوف من الإرهاب والهجرة، مما جعلها تتجاهل دعم الحركات الديمقراطية في الوطن العربي. في المقابل، صعدت قوى مثل الصين وروسيا التي تدعم الأنظمة الاستبدادية وتعارض الثورات الشعبية.في العديد من الحالات، انتهت الحركات الثورية إلى إنتاج أنظمة استبدادية جديدة بدلًا من تحقيق الديمقراطية. في مصر، أطاح الجيش بحكومة الإخوان المسلمين ليعود إلى الحكم بقبضة حديدية. في تونس، رغم سنوات من الديمقراطية بعد الثورة، اتجه الرئيس قيس سعيد إلى حكم فردي، مما أدى إلى تآكل المكاسب الديمقراطية. رغم كل التحديات، فإن الحركات الثورية لم تنتهِ تمامًا في الوطن العربي. الأزمات الاقتصادية والفساد المستمر يضمنان بقاء حالة الغليان الشعبي، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة قوية لنشر الوعي وكشف الفساد. ربما تكون الثورات في شكلها التقليدي قد واجهت انتكاسات، لكنها لم تختفِ كليًا، وقد تعود بشكل أكثر نضجًا وتنظيمًا في المستقبل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات