عندما تتوغل ولو بشكل نسبي في خبايا ومضامير التاريخ الإسلامي وتعرج على تفاصيل دقيقة من موجدات النقل الحرفي للسير والحوادث والحكايات والأحاديث والوقائع …..ستصاب بالصدمة والذهول وسيتملكك العجب الضارب في عمق الاستغراب والمتمازج بالخوف والسخرية والشطط ..سترى أمامك مستوى أرضية بالغ الضحالة التي تم بها تدوين جزء من تاريخنا وسترى فقاقيع اللؤم والنفاق والحقد على مسار حركة التاريخ الإسلامي الطبيعية ..كما ستلاحظ مدى العمق السياسي الخبيث وغير الملتزم بالمعايير الأخلاقية التي يفترض من خلالها أن العرب والمسلمين قد تربوا عليها دهورا عديدة من قيم الفروسية والشجاعة وإكرام الضيف وحسن الجوار والصدق واستجارة المستجير والعفو عند المقدرة وما إلى ذلك من صفات جميلة أوردها علينا التاريخ مدرارا وضاقت بها الصحف والأخبار وأكد التاريخ إنما تم نقل ذلك الأمر وتحديد تلك الصفات من عدة عيون صافية ليس بها خلل ولا زلل …لكن الشك المحير يشغل بال المتتبع لحركة التاريخ …وإذا أراد تطبيق نظرية حسن الظن فأنه يعدها من حالات الاستثناء الذي تم تضخيمها بمقتضى أشاعتها في المجتمع لتعميم حالات الخير في مجتمع غلب عليه طابع الشر والحرب القبلية والتحالفات التي تسعى للعدوان والسيطرة ومحاولة تحسين صورة المجتمع العربي البراغماتي والذرائعي والميال بشكل متطرف إلى حب السلطة والمال والجنس والتواق إلى عدم الالتزام بالقوانين الرشيدة والرافض بشدة لمنطق أن الناس أحرار ومتساوين بالقيمة الإنسانية ..ويرفض بشدة أيضا لقاعدة أن لكل امرؤ ما سعى ..تلك الحيرة الميالة للقلق والبحث عن الحقيقة تجعل المتابع يضرب أخماس بـأسداس ويتعثر عليه الوصول إلى ذات الحقيقة بل قد يفقد جهدا كبير من اجل الوصول إلى منطق يدرك من خلاله معايير البحث العلمي الرصين لاكتشاف الحقيقة المجردة وقد يكلفه البحث عن الحقيقة خسائر معنوية أو مادية ومن يتعب في خوض هذا الغمار فعليه إما يرضخ للآمر الواقع وينزوي بعناد وجهالة للدفاع عن تاريخ منقسم إلى فروع فيتمسك بأحد تلك الفروع ويدافع عنه بضراوة وكأنه الخبر اليقين والحجية الصادقة والحقيقة الحاكمة وهذا ما أمر به الخالق دون غيره والباقين يتخبطون في جهالة وهم لا يعرفون طريق الحق بل سلكوا طريق الضلالة والوهم وهم لا يدركون أو يعيش أجواء الشك والريبة وهواجس التردد والقلق وعم الثقة بأي خبر أو رأي…. ويتمحور حول لغة الشك في كل شيء ويصبح من الحائرين المترددين ويبتعد عن القناعة الأصيلة المدعمة بحقائق الوقائع التاريخية ويصبح إيمانه هش وبه غظاظة ولوعة ..قد يتسأل البعض إذا ما تعذر عليك تحقيق ما تقول فهناك كلام الله (تبارك وتعالى ) وللسؤال في ظاهره حسن نية كريمة صادقة ولكن في تحقيقه مشكل كبير …فلو أخذت نصا من كتاب الله الكريم وخاصة الآيات الجهادية أو نصوص العقاب والقتل وأعطيتها إلى علماء التفسير من مختلف الطوائف مثلا عرضتها على علماء السلفية والوهابية والسنة والشيعة والصوفية فماذا ستجد من تفسير …بلا شك ستجد تفسيرا يختلف عن الأخر بشكل كبير يصل إلى مرحلة التناقض والاختلاف القطعي وستدخل ذات الحيرة قبل تفسير النصوص منهم من يأخذك إلى الصبر وتحمل المكارة وترك الأمر لله ومنهم من يطلب منك الإيمان بقدر الله الجبار القوي وهو خير من يأخذ حقك يوم الحساب … وأخر من يطلب منك أن تأخذ القتل والموت هدفك لمرضاة الله وبدون ذلك يحل قتلك لأنك خالفت أمر الباري وهلم جرا…..بمعنى أخر انك ستجد اختلافا واضحا بتفسير تلك الآيات يعتمد على خلفية المفسر الدينية والسياسية وأمورا أخرى… وعودا على بدء فأننا ندرك تمام الإدراك أن التاريخ بعمومه هو علم وضعي يتناول فعاليات الإفراد والمجتمع في الماضي ويخرج عن دائرة الإيمان والمعتقد والبحث عن الحقيقة بشكل موضوعي يتجنب الباحث به العواطف والرغبات الذاتية ويعمل وفق معايير ومناهج علمية في البحث والتقصي ،ويكون البحث خارج المديات الميتافيزيقية ..لان التاريخ كواقع وعلم يجري على الأرض حسب…وكل الأمم سعت إلى بحث تاريخها وفق هذه الأسس المعيارية وخاصة الأمم المتقدمة …إلا امة العرب والمسلمين فترى الطابع الذاتي والسياسي للمؤرخ يملئ المنهج الذي يختطه في البحث والكتابة وأحيانا يقوم بالنقل الآلي أو الببغاوي من ما تقدم من المؤرخين السابقين وربما يعتمد المداهنة والمجاملة والتمجيد لغايات شتى… منه الخوف من الحاكم أو رهبة من معتنقي الغث من التاريخ واللذين يشكلون قوة مخيفة تعتمد الافتراضات الواهية والتعميمات الضعيفة….ومما يساعدهم على ذلك إن التاريخ لا يلتزم بالمصداقية الكافية والصارمة كعلم الرياضيات مثلا ..فهو واسعا قدر البحر إذا لم يكن أكبر ونهاياته سائبة وان لصقت بأولياته ولا يعتد بقواعد حاكمة متفق عليها … فأختلط الغث بالسمين وضاع العمق بالبساطة وامتزج المتن بالهامش ولم نعد نعرف من التاريخ إلا الرموز القيادية والقتل وجعجعة السيوف وصهيل الخيل وحكايات جلها من الخرافات والأساطير ..أما السير فهي من السذاجة والتضليل والأباطيل مما دعا المسلمين إلى إخراجها من المدونة الإسلامية المقدسة والاعتماد على القران الكريم والحديث وان اختلف عليه المسلمين ….كل ذلك جعل من امتنا امة ضعيفة لا تعرف هويتها الحقيقة وتعتمد مناطيق اللغة والاختلاف ومتسمرة بخلافات تاريخها دون أي حافز للتقدم والبناء الحضاري والإنساني ..فلازلنا نبحث عن الثورة الفكرية الشاملة على التاريخ المتردي والداعي إلى حمل النقيضين والمانع لعوامل الوحدة والبناء الجديد والداعي إلى رفع الإسقاطات الشخصية والسياسية من بطون التاريخ وتعزيز الإبداعات الوجدانية الداعمة للحب والحياة واعتبارها منهجا مدرسيا يوحد أبناء امتنا ويرص صفوفهم نحو الوحدة والتقدم والتطور أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل وإمكانيات كبيرة وعلماء ومفكرين مقتنعين بعظمة هذا النهج وهم الذين يصوغون الياتة ويعملون على ترسيخه بين عموم الناس … إذا هي دعوة كبيرة إلى ردم الأنماط التقليدية في قرأت التاريخ واستخدام طرق البحث والتقصي الدقيقة وتقليص الفجوة بين الأمة وتاريخها ومحاولة رفع الهيمنة والسيطرة على حماية تاريخنا الذي وصل عند البعض منا بالادعاء ضمنا أن كل حرفا من تاريخنا هو مقدس تمام التقديس ولا يجوز حتى النظر بمناقشته وهؤلاء ذاتهم يسمحون بنبش وتقصي تاريخ الآخرين وهم من ملتهم إلا إنهم مختلفين معهم في جانب أو في رؤية لا تتفق مع منهجهم الديني أو السياسي ..والأمر لا يقف عند دراسة تاريخ المختلفين فحسب بل يتعدى ذلك إلى أمر إصدار فتاوى غريبة ورهيبة بتكفير الملايين والسماح بقتلهم وتدمير معتقداتهم وقتل أطفالهم ونساؤهم وحرق كل ما يمتلكون من الزرع والضرع…تصور فتاوى تبيح قتل الملايين …نعم الملايين ..أي دينا يتدينون به هؤلاء وأي تاريخا وصل إليهم وأي سياسة تم توظيفها لهذا التاريخ ليصبح وكأن القائمين عليه أخطر من القنابل الذرية …وهل يستطيع عدد من المصلحين البسطاء أن يفعلوا شيء في ميادين الركام الهائل والظلام ألقسري الذي لف عقول المسلمين ..وهل نبقى نرى كيف يتم التفريط بدين التسامح والمحبة والمغفرة ليقودنا إلى حرب عالمية داخلية ومن ثم حرب عالمية ثالثة ..ألا يجدر بالمسلمين وخاصة المفكرين الشجعان إلى الوقوف بحزم وعلمية لإيقاف التداعي الرهيب الذي ينخر المنظومة البنيوية لحركة التاريخ السياسي الإسلامي …أنها مجرد دعوة ليس إلا……..