22 ديسمبر، 2024 10:33 م

التاريخ الحديث والتاريخ المعاصر

التاريخ الحديث والتاريخ المعاصر

هناك خلطٌ عند الكثيرين بين التاريخ الحديث والتاريخ المعاصر ، وربما توهم بعضهم ان التاريخ المعاصر ، هو الذي يبدأ مع ولادته هو ، وان التاريخ الحديث ما سبق ذلك ببضعة عقود ٠
ولابد من التأكيد بان هذين المصطلحين يرجعان في الاصل للتاريخ الاوربي ، ويرتبطان به ٠ وان استخدامهما في العراق والبلاد العربية ، بل وفي بلاد اخرى كثيرة ، شابه الكثير من الاختلافات والاشكالات ٠
ويتخذ المؤرخون الغربيون من احداث القرن الخامس عشر الميلادي بداية للعصر الحديث ، ولكنهم اختلفوا في اي من تلك الاحداث هي البداية ٠ واشهر تلك الاحداث : فتح القسطنطينية عام ١٤٥٣ ، وسقوط الاندلس واكتشاف الامريكيتين عام ١٤٩٢ ، والحروب الايطالية التي بدأت عام ١٤٩٤ ، ودعوة مارتن لوثر للاصلاح الديني عام ١٥١٧ ٠ واما البريطانيين فان البداية عندهم هي من معركة بوسوورث عام ١٤٨٥ ، والتي انتصر فيها الملك هنري السابع على الملك ريتشارد الثالث ٠
ودرج المؤرخون الغربيون على تسمية القرون الآتية بالعصور الحديثة : القرن السادس عشر ، والقرن السابع عشر ، والقرن الثامن عشر ٠ وعلى تسمية القرون التي تليها بالقرون المعاصرة : القرن التاسع عشر ، القرن العشرين ٠ وهكذا فان التاريخ الحديث – عندهم – ينتهي بالثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ ، ليبدأ بعدها التاريخ المعاصر ٠
واختلف المؤرخون المصريون على بداية تاريخ مصر الحديث ، فهناك مَن يرون بدايته بالاحتلال العثماني لمصر عام ١٥١٧ م وذلك مجاراةً للتقسيم الاوربي للتاريخ ٠ وهناك مَن يرونها بالحملة الفرنسية على مصر عام ١٧٩٨ م ٠ و آخرون بعهد محمد علي باشا ، الذي بدأ عام ١٨٠٥ ٠ و الرأي الاخير اكثر الاراء انتشارا بينهم ، اذ يتزامن فيه تاريخ مصر الحديث وقيام الدولة المصرية الحديثة ٠
اما تاريخ مصر المعاصر ، فيربطونه باحداث مصرية وقعت في الربع الاول من القرن العشرين ٠ فبعضهم يرى بدايته بنشأة الاحزاب السياسية عام ١٩٠٧ ، وآخرون بثورة عام ١٩١٩ ٠ ٠الخ ٠ ولا يتفق بعض المتأخرين مع هذه البدايات ، متخذا من احداث متأخرة بداية لتاريخ مصر المعاصر ٠ وحجتهم في ذلك ان التاريخ المعاصر هو تاريخ يفترض أن يكون قد عايشته أجيال لا تزال قائمة على قيد الحياة ٠
ويكاد الخلاف نفسه ان يتكرر ، حول بداية التاريخ العربي الحديث ونهايته ٠ فبالنسبة للبداية ، من المؤرخين مَن يراها مع توجه الجيوش العثمانية نحو بلاد المشرق العربي ( سوريا ١٥١٦ – مصر ١٥١٧ – العراق ١٥٣٤ ) ، ومنهم مَن يراها مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ٠
اما بداية التاريخ العربي المعاصر ، فمنهم مَن يراها مع بداية القرن العشرين ، ومنهم مَن يربطها بالحرب العالمية الاولى ،باعتبارها نقطة تحول في تاريخ المنطقة العربية ، ومنهم مَن يربطها بالحرب العالمية الثانية ٠
على اي حال ، ثمة رأي عند بعض المؤرخين العرب يعتبر كل ما كان قبل الحرب العالمية الاولى ، تاريخا حديثا ، وكل ما كان بعدها تاريخا معاصرا ٠
و في العراق ، للاسف لم يجر بحث هذا الموضوع ، اي اشكالية التاريخ الحديث والمعاصر ، من قبل الباحثين الكبار كعلي الوردي وامثاله ٠ والذي ربط تاريخ العراق الحديث في ابحاثه الاجتماعية ، بالاحتلال العثماني للعراق عام ١٥٣٤، ربما ايضا مجاراةً للتقسيم الاوربي للتاريخ ٠ مع الاشارة الى انه كان محقا بقوله : ( ان دراسة العهد العثماني هي اشد الدراسات علاقة بواقع مجتمعنا الراهن ، فنحن لا نزال نعيش في تراثه الاجتماعي ولا يزال الكثيرون منا يفكرون على نمط ما كانوا يفكرون عليه في ذلك العهد ٠٠٠ ) ٠
ان الفترة العثمانية كانت اقرب في معطياتها الى العصور الوسطى ، واعتقد ان اول عهودها في العراق تأثرا بمنجزات العصر الحديث ( وتحديدا المادية ) ، بحيث يصلح ان يكون بداية لتاريخ العراق الحديث ، هو عهد داود باشا ، الذي بدأ عام ١٨١٧ م ، والذي اعتبره – الدكتور داود سلوم – بداية اليقظة الحديثة في الادب العراقي ٠ والاهم من هذا انه حاول تقليد ( محمد علي باشا والي مصر ) من حيث ادخال المخترعات الحديثة في البلاد ، محدثا انقلابات كبيرة في حياة العراقيين ، وكان يسعى للاستقلال بالعراق عن الدولة العثمانية ، لولا ان الظروف عاكسته وهدمت الحلم الذي كان يراوده طويلا ٠ والجدير بالذكر ، انه هو مَن اصدر اول جريدة في العراق باسم ( جرنال العراق )٠
ان الميزات السابقة لداود باشا ، لاتمنع من القول انه شأنه شأن اغلب الولاة العثمانيين ، كان ظالما ، وربما هو فاقهم في الخوض في الدماء وفي انتزاع الاموال من الرعية ، كما فاقهم في بناء الجوامع والمعاهد الدينية ٠ وفي الذاكرة الشيعية ، فانه ضيق عليهم ، ومنعهم من اقامة الشعائر الحسينية ، والتي كانت تقتصر على مجالس يتم فيها الحديث عن سيرة اهل البيت ، فكانوا يعقدونها سرا حتى سقوط حكمه عام ١٨٣١ ، اذ سمح لهم الوالي الجديد علي رضا باقامتها ٠
اما تاريخ العراق المعاصر ، فقد بدأ مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ ، اذ لازلنا نعيش في تداعيات ذلك الحدث التاريخي ٠ لكن الدقة العلمية تقتضي القول ، ان البداية الحقيقية للعراق المعاصر ، كانت باندلاع الحرب العالمية الاولى عام ١٩١٤ ، وتحديدا بالاحتلال البريطاني للعراق ، والذي بدأ في ٦ تشرين الثاني ١٩١٤ ٠
ان لتحديد التاريخ الحديث والمعاصر لاية امة ، دور مهم في تشكيل الذاكرة الجمعية وبعث الوعي الوطني ، دون ان يعني ذلك شحن الذاكرة بالبطولات والامجاد ( المزيفة ) ، وانما تشكيلها من خلال قراءة التاريخ بعقل نقدي ٠ يقول جورج سامانثا : ان الذين لا يفهمون تاريخهم ، محكوم عليهم باعادته ٠