18 ديسمبر، 2024 8:41 م

التابوت المفتوح قصة واقعية جرت احداثها في مدينة الموصل

التابوت المفتوح قصة واقعية جرت احداثها في مدينة الموصل

الجزء الثاني

دخل المستشفى وفي احد اجنحة وردهات المرضى الذين يعانون من نفس حالته تم اجراء الفحوصات ليتهيأ بعدها صباحا لإجراء العملية وتم تجهيز المتطلبات التي يحتاجها المريض في مثل هذه الحالة من ادوية واكياس دم وكل ماتتطلبه هكذا عمليات جراحية والتي يطلق عليها الاطباء
عملية (فوق الكبرى) ومنذ الصباح الباكر حضر الى صالة العمليات الجراحية الخاصة وافراد اسرته واهله واقاربه ينتظرون في صالة الانتظار وقد استغرقت العملية اكثر من ستة ساعات متواصلة والاهل يترقبون ويعيشون ساعات عصيبة وصعبه جدا كون الخطورة موجودة في هكذا عمليات وامر الموت وارد ويتردد في نفوس كل الموجودين في صالة الانتظار ..
لحظات لا يمكن وصفها وانت تنتظر وتراقب المشهد ولاتعرف اي شيء عن شخص عزيز على قلبك وبينك وبينه ابواب مغلقة وقلبه مفتوح والمشرط الطبي يعمل ما يريد فتسلم نفسك الى هواجس كثيرة لتصحوا عندما تسمع من شخص يقف بقربك ويقول لك كلها ارادة الله وما يشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن…
ومازالت عقارب الساعة تسير ببطء شديد وصالة الانتظار اصبحت مملة ولكن لابديل لذلك …
لحظات ودقائق وساعات صعبه جدا عاشها المتواجدين في صالة الانتظار وعيونهم شاخصة جميعهم تترقب صالة العمليات. وهاهو الدكتور الأخصائي يخرج ليطمأنهم بنجاح العملية رغم انه واجه حالة نادرة وصعبه في قلب المريض حيث تبين ان المشكلة ليس في انسداد الشرايين وتبديلها ولكن هناك مشكلة في البطين في القلب بحاجة الى تبديل وهذا لا يمكن اجراء تبديله واصلاحه هنا في هذه المستشفى في ظل الظروف الصحية المتردية والوضع العام للبلد ..
وبعد ساعة خرج المريض الى صالة النقاهة وممنوع زيارته مباشرة وتكون مواجهته عن بعد وبينه وبين من يزوره عازل عبارة عن قاطع زجاجي واستمر على هذه الحالة اسبوع كامل بعدها قرر الطبيب بقاءه اسبوع ثاني ثم مغادرته الى منزله ولكن حالة المريض غير مطمئنه كونه يعاني من اورام وانتفاخ في منطقة الارجل نتيجة فتحها ونقل قسم من شرايينها الى منطقة القلب وهذا ما متعارف عليه بمثل هكذا عمليات جراحية… وفي الموعد المقرر خرج ابوسيف من المشفى الى داره ليعود بين احضان عائلته الذين لم يصدقوا ذلك لخطورة العملية الجراحية..
وبعد خروجه من المستشفى و وصوله الى داره كان الاطباء قد اوصى بإن يكون المريض معزولا في غرفة خاصة خوفا على صحته من اي مرض اخر ينقله له بعض الزوار الذين يأتون لزيارته ..
وفي احد الايام قام كاتب هذه القصة بزياره اخاه وصديقه ابو سيف الى منزله للاطمئنان عليه حيث انه كان مسافرا في الفترة التي قضاها في المستشفى اثناء اجراء العملية وبعد السلام نظر اليه نظره خاصه فيها نوع من العتاب بينهم كون هذا الصديق لا يؤيد اجراء العملية في مستشفيات الموصل في هذه الفترة ولكن الحالة المستعجلة ربما هي من اجبرت ابو سيف على اجراءها ورغم قلة الكلام الا ان ابو سيف قال وبنص العبارة انه استعجل ربما في اجراء العملية الجراحية ولكن الألم كان قوي جدا…
بعد خروج ابو سيف من المستشفى وجلوسه لمدة اسبوعين تقريبا بقى يعاني من آلام في القلب اكثر اوجاعها من ذي قبل.. وبقى هكذا مدة اقل من الشهر تقريبا نقل الى المستشفى بعدها وبعد اجراء الفحوصات هذه المرة وجد الطبيب نفسه عاجزا عن تقديم اي شيء له كون المنطقة التي تم اجراء لها التداخل الجراحي بدأت بالنزيف الداخلي وبدأت معه اعراض جانبية على المريض فتحول جسم ابوسيف الرياضي مفتول العضلات الى جسم ضعيف جدا لا يكاد ان يقف على رجليه… كان يرافقه في هذه الرحلة داخل المستشفى ابنه الكبير سيف والذي كان قد تخرج من كلية الهندسة.. هندسة النفط في جامعة تكريت في ذلك العام
وكان يحلم كأي شاب عراقي ان يتخرج ليتعين ويخدم بلده ويوفي اهله بعض الشيء مما قدموه له اثناء فترة دراسته ولكنه لم يعرف انها الرحلة الاخيرة مع والده.. هذا الاب الذي قدم كل شيء الى عائلته وحاول اسعادهم بكل طريقه حتى وان كلفته مجهود اضافي. هذا الاب الذي يضحي لبناء مستقبل عائلته …
وبدأ حالة المريض تتحول من آلام في الجسم الى فقدان السيطرة على الحركة وضعف ونحول عام…
كانت الساعات والايام تمر صعبه جدا لحظات عصيبة لا يمكن نسيانها.. كل الناس مشغولة بالسؤال كيف حالك ياابو سيف وبدأت المضاعفات اكثر واكثر لم يهدا عائله ابو سيف ولم تكن تلك الايام والساعات الا قلق وحيره..
ابو سيف ينازع بين الحياه والموت الاطباء قالوا كلمتهم الأخيرة والموت اصبح اقرب كل شيء في حياته…
مستشفيات فارغه تماما من الاطباء والعلاج والدواء اصبح مكلف جدا المدينة تنتظر حاله من الحرب والناس في الشوارع لا يهم شيء الا الحفاظ على ارواحهم وعوائلهم…
كل ممتلكات الحياه الأخرى اصبحت لا تساوي شيء ما دام الامن والصحة مفقودين وهكذا هي حياه العراقيين اغلب اوقاتهم التي قضوها من اعمارهم بين الحروب والجوع لاامان ولاصحه واحيانا حتى بلا سكن تراهم ينامون في العراء بسبب الحروب هذه الحروب التي مزقت كل شيء مزقت حتى النسيج الاجتماعي في المجتمع ومزقت العوائل وولدت الكراهية داخل افراد العائلة الواحدة.. اصبحت العائلة مقسمه.. كل شيء في حياه العراقيين وارد ما دام هناك ساعات للحرب.. الترقب داخل المستشفى كان مملا جدا وخاصه عند عائله ابو سيف فهم لا يعرفون ماذا ينتظرهم خارج المستشفى و ماذا سوف يكون حالهم داخل المستشفى لحظات وساعات تتوقف اغلب الأعضاء الجسدية لدى ابو سيف وهذا يعني الكارثة الكبرى كارثه يعيشها الانسان في بلاده عندما تنعدم الإنسانية و لا تتوفر فيها ابسط مستلزمات العيش هكذا يعيش العراقيين دوما هذا البلد الذي يمتلك كل الثروات الطبيعية في ارضه ولكنه لا يمتلك التوزيع العادل لها لأنها ليست تحت سيطرته شعب في يده ملعقة من ذهب وهو جائع لا يجد قوت يومه قد مرت الحروب على مر العصور واصبح يتمنى اغلب العراقيون لو انهم ولدوا خارج هذه البقعة من الارض هذه البقعة الدموية التي لم تنتج الخير يوما وانما تعيش دوما تحت وطأة الشعور بالخوف والجوع والمرض ما هو ذنبهم عائله ابو سيف اليوم وبعد لحظات سوف يفارقهم رب العائلة لا بسبب شيئا وانما بسبب اهمال طبي او نقص في الدواء او صالات ملوثه او اطباء غير كفوئين قاموا بأجراء هكذا عمليات وربما اضطروا لفعل هذا الشيء لأنه لا بديل من ذلك تساؤلات كثيره يسألها المواطن العراقي ويسألها اهالي المرضى الموجودين الراقدين قرب ابو سيف ومن يرقدون في الصالات الاخرى أسئلة لا جواب لها احيانا ولكن الايمان بالقدر والصبر على المصائب يفرض ارادته ..