سبق ان صرح المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية (سعيد خطيب زادة) بأن طهران ” حذرت السلطات العراقية مراراً من استخدام أراضيها للهجوم على بلاده، وأن الحكومة المركزية العراقية مسؤولة عن ضمان ألا يستخدم طرف ثالث أراضيها كقاعدة لشن هجمات على إيران”. وبرر زادة هجوم بلاده على أربيل بالقول: إستخدمت أراضي العراق مراراً من قبل ضد إيران من جانب أطراف ثالثة، منها جماعات إرهابية مثل مقاتلين أكراد والولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
بالطبع التصريح الايراني عبارة عن كذب وتدليس، وساعدت الحكومة العراقية على تمويه القضية على الرأي العام العراقي عبر المماطلة في إظهار نتائج التحقيقات بسبب ضعفها، وهذا ديدنها، عندما يكون المتهم نظام الملالي فتولي شطرها الى جهة التجاهل أو التغافل، ولو كانت دولة عربية قامت بهذا الهجوم، لأقامت الحكومة العراقية وميليشياتها الدينا على الفعل، وربما ردت الميليشيات الولائية بضربات صاروخية وطائرات مسيرة. ولتقدمت الحكومة العراقية بشكوى الى مجلس الأمن، وطلبت إجتماع طاريء للجامعة العربية. قارن بين فعلها هذا مع الهجوم التركي الأخير على مواقع حزب العمال الارهابي في إقليم كردستان، سترى الفارق الكبير، والولاء الأعمى لنظام الملالي.
لكن طالما ان متطلبات الأمن القومي الايراني لا تسمح للعراق بإستخدام أراضيه للهجوم على ايران من أية جهة كانت، فلماذا قام نظام الملالي بإستهداف القواعد الأمريكية في العراق؟ هل يجوز لنظام الملالي فعل ذلك ولا يجوز لغيره؟ وهل يتفق هذا التبرير الساذج مع المنطق السليم؟ ولا نقول القانون الدولي الذي ينتعله الولي الفقيه وحرسه الثوري ولا يقيمموا له أي وزن، مع سكوت مجلس الأمن والولايات المتحدة ودول أوربا عن جرائمهم، إن نظام الملالي بهذه الأفعال المريبة يستفز الشعب الايراني المُبتلى به قبل دول الجوار والعالم، فالشعب الايراني يرغب بالعيش بسلام وأمن داخليا وخارجيا، وهو يدفع ثمنا باهضا من ثرواته وحياة أبنائه لقاء مغامرات طائشة ومهاترات تافهة، وهذا ما تكشف عنه قوى المعارضة الإيرانية، سيما منظمة مجاهدي خلق، فهي المرآة الحقيقة لحال الشعب الإيراني، ولسان حاله الحقيقي. ويأمل الشعب الإيراني في زوال هذه النظام القمعي هو وظله يوم لا ظل له، وإنهاء نفوذه في الدول الخاضعة له،
سبق ان ذكرنا في مقال سابق بانه لا أحد يُصدق ان الحكومة العراقية قد إستدعت السفير الايراني في العراق إيرج مسجدي وقدمت له مذكرة إحتجاج على القصف الصاروخي لأربيل، كما فعلت أخيرا مع السفير التركي، لأن مسجدي آمر وليس مأمورا، فاعلا وليس مفعول به، فالسلطات الثلاث في العراق تحت أباطه العفن. وقلنا ايضا ان الحكومة العراقية لا يمكن ان تقدم مذكرة إحتجاج لمجلس الأمن ضد نظام الملالي في عدوانها السافر، لأن الحكومة العراقية تقاد فعليا من قبل مرشد الثورة علي الخامنئي وذيوله من زعماء الميليشيات الولائية. وقلنا ان أعلى سقف يمكن لحكومة الكاظمي ان تطلبه هو إستفسار بصيغة التوسل من الحكومة الايرانية عن سبب الهجوم، أي بصيغة السماح والإستلطاف والرجاء لا أكثر. على أقل تقدير لتُبيض وجهها الأسود أمام الشعب العراقي، والشعب أصلا لا علاقة له بهذا الأمر، فهو مغيب تماما بأفيون العمائم والذياب المرجعي والحكومي الذي يلقي بظلاله على الرأي العام العراقي.
وقلنا ان اللجنة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، واللجنة التي شكلها مجلس النواب ستكون بنفس نتائج لجان التحقيق عن سقوط الموصل وقصف بيت رئيس الوزراء بمسيرتين وغيرها من التحقيقات العبثية التي لم يعلن عن نتائجها، لأن حكومة الملالي ببساطة لم تأذن للحكومة العراقية بإعلان النتائج.
في 4/آذار من العام الحالي خرجت تصريحات رسمية عراقية أيدت كل ما تحدثنا به، وهذا لا يعني إننا نضرب تخت الرمل ونستكشف الطلاسم عبر الفنجان وقراءة الكف، بل من خلال معرفتنا بضعف الحكومة العراقية وأساليبها الملتوية في التعامل مع نظام الملالي، وسيطرة الميليشيات العراقية على القرار الحكومي، فالحكومة الإيرانية ومجلس النواب (سخت نظام الملالي).
الحكومة العراقية عبارة عن ذيل للولي الفقيه، تكش به ذباب التحقيق، ولا تجرأ ان تتقدم بأية شكوى ضد ايران في أي محفل دولي او اقليمي او عربي أو إسلامي، ونستذكر تصريحات وزير الموارد المائية العراقي وتهريجه عشر مرات بشأن تدويل قضية قطع نظام الملالي مياه الروافد والأنهار عن العراق بما يتنافي والإتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، وتبين انها محض أكاذيب لا غير، مع علمنا اليقين بأن منصب الوزير أجوف وباهت، ولا يجرأ أي مهرج وزاري على تدويل المسألة، لأنه يخشى على إمتيازاته ومنصبه وربما حياته ان تطلب الأمر، فالميليشيات الولائية ترصد تحركات الوزراء والنواب بدقة، والويل لهم ان تجاوزا الخطوط الحمراء الولائية.
صرح مصدر في وزارة الخارجية العراقية للعربي الجديد” إن الحكومة العراقية قررت عدم تدويل قضية القصف الإيراني على أربيل، وأن العراق لم يتلق أي رد من إيران على جملة أسئلة وتوضيحات رسمية تقدمت بها بغداد في 14 و17 آذار الماضي بشأن القصف، وطالبت فيها بتسليمها أدلة تدعم رواية الحرس الثوري بأن المكان كان مقراً للموساد الإسرائيلي. وتم إلغاء فكرة التوجه برفع شكوى إلى الأمم المتحدة، أو على مستوى مذكرات للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بسب الضغوط المعروفة (اي الحرس الثوري وذيوله في الحشد الشيعي).
وفي هذا الأمر نقول: لتخرس جميع الألسنة العربية والعراقية التي تزعم بعدم تدخل نظام الملالي بالشأن العراقي الداخلي وإنتهاك سيادته العرجاء، أو إن نفوذه بدأ يتقلص في المدة الأخيرة، لأن هذا تدليس وخلاف الواقع.
الأغرب منه هو مقدار وقاحة نظام الملالي واستهتاره وإستخفافه بالحكومة العراقية والشعب العراقي، فقد هدد الحرس الثوري بمزيد من الضربات على أهداف في العراق إذا استمرت بغداد في السماح لإسرائيل باستخدام أراضيها لشن هجمات ضد إيران.
وقال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني (رمضان شريف): أن إسرائيل استخدمت إحدى قواعدها في إقليم كردستان العراق لشن هجوم منتصف آذار الذي قيل إنه دمر مئات الطائرات المسيرة في قاعدة بمحافظة كرمانشاه. وقال السفير الإيراني في العراق: إن أكراد العراق تلقوا تحذيرات متكررة بشأن القاعدة التي استهدفت هذا الأسبوع ، مفيدا بأنه “حق طبيعي” لتدمير أي قاعدة يتهدد منها أمن إيران.( قناة المسيرة اليمنية).
طبعا أفضل من ردٌ على مزاعم الحرس الثوري الباطلة هو الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، بقوله ان الموساد يسرح ويمرح في طهران وغيرها من المدن، وكان الأجدر بالحكومة الايرانية ان تكشف مقراتهم وشبكاتهم داخل ايران، وتُفشِل مخطاطاتهم كإستهداف العالم النووي فخري زادة وسرقة الأرشيف النووي، لكنها عجزت عن ذلك.
مهزلة اللجان
لاحظ اللجان التي شُكلت في التحقيق عن قصف أربيل، وبإمكان الفرد أن يقيم نتائج التحقيق على ضوئها:
ـ لجنة برلمانية رئيسها الإرهابي حاكم الزاملي، وعضوية شاخان عبد الله، والنائب الإيراني العميل عطوان العطواني، والنائب الحشدوي عباس الزاملي، وزميله نايف الشمري وهريم كمال. وبعض أعضاء اللحنة من الإطار التنسيقي الشيعي الذي تبنى الرؤية الإيرانية وهلهل للهجوم الإرهابي بلسان قذر عبر عن عمالتهم المفرطة واستهتارهم بحقوق الشعب العراقي الذي انتخبهم مع الأسف. فعلا كما قال تعالى في سورة الأنعام/129 (( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)).
ـ لجنة حكومية: برئاسة وزير الداخلية قاسم الاعرجي وهو من فيلق بدر وضابط في الحرس الثوري الايراني، الفريق الركن عبد الأمير يار الله، ويعتبر من أشد عملاء ايران ضراوة في العراق، حميد الشطري أحد عملاء نظام الملالي، وعدد من ضباط الأمن الحشد الشعبي الشيعي الموالي لنظام الملالي.
إذن ماذا يتوقع اللبيب من هاتين اللجنتين؟
الخاتمة الفاجعة
أجاب أحد المسؤولين العراقيين على سؤال: هل ألغى العراق خطوة تقديم شكوى للأمم المتحدة بشأن القصف؟
فقال” لم يكن هناك قرار أساساً للشكوى، حتى يتم إلغاؤه”. وهذه المعلومات أكدها (عماد باجلان) القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقوله ” إن الحكومة العراقية لن تقيم أي شكوى ضد إيران بسبب الضغوط التي تتعرض لها”. مضيفا” أن عدم تحرك بغداد بشكل رسمي لإدانة هذا العمل، سيفتح باب الانتهاكات الدولية على العراق من قبل إيران وغيرها”.
نقول: تهنئة حارة للشعب العراقي في سكوته على حكومته الرصينة ومجلس النواب الأبي الذي صوتوا لأعضائه لوطنيتهم المفرطة، ومحافظتهم على سيادة الوطن، ورفضهم التدخل الخارجي في شؤونهم الداخلية.
وعلى الشعب العراقي المغيب إنتظار المزيد من الصواريخ والمسيرات الإيرانية تحت أي حجج صحيحة كانت أو باطلة فالأمر سيان.
قال تعالى في في سورة الزخرف/54 ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)). صدق الله العظيم، فقد إستخف نظام الملالي بالعراق وحكومته وشعبه، واستخفت الحكومة العراقية بشعبها، وإستخف الشعب بنفسه، فلا عجب مما يحصل في هذا البلد المنكوب.