18 ديسمبر، 2024 11:50 م

التأسيس الكردي للانفصال

التأسيس الكردي للانفصال

بدأت الخلافات في العراق بين أصحاب القرار منذ أن أعلنت القوى السياسية مدعومة من داخل البلاد وخارجها عن رغبتها في كتابة دستور للبلاد فكانت كل كتلة أو حزب تحاول من خلاله الحصول على امتيازات تحقق لها مصالحها أو على اقل تقدير أهدافها التي ترى أنها ترسم سياسة العراق الجديد المستقبلية وظهر الوليد المرتقب بعد مخاض عسير إلى العلن وصوتنا على مسودته بمعرفة منا بمضامينها أو من دون معرفة فتصويتنا كان رغبة شعبية وفق تعبئة واسعة مدروسة من الجميع لنحقق مشروع العراق الواحد والديمقراطي ويؤسس لبناء مجتمع نامي أو متطور يبعدنا عن الحروب الداخلية أو مع جيراننا بعد أن عانينا ما عانينا من ويلاتها ولكننا وجدنا أنفسنا أمام حالة جديدة أشاعت فينا مشاكل لا عد لها ولا حصر نتجت عن مطبات دستها المصالح الفئوية والطائفية والقومية لم نشعر بها إلا بعد عن صار الدستور سيد الموقف فصار لا محيص من التقاطع معه وتجاوزه (بإرادة وموافقة وتوافق الكتل السياسية الحاكمة) في كثير من الأحيان بينما الشعب العراقي ينظر بدهشة وتعجب للقيود الموجودة فيه والتي لا تسمح بتصحيحه إلا بقدرة قادر .

فبعد تشكيل أول حكومة دستورية منتخبة لأربع سنوات وتكليف السيد إبراهيم الجعفري بتشكيلها وبناءا على ما أجازه دستورنا في أول ممارسة ديمقراطية من نوعها اعترض أخواننا الأكراد وحالوا دون ذلك وبعد تدخل أطراف خارجية ولوضع العراق على السكة الصحيحة أعاد الرجل بتعقل منه وتفهم للموقف ثقة البرلمان إليه وتم بعدها تكليف السيد نوري المالكي بتشكيل الحكومة الوطنية المرتقبة ولكن بدأت كثير من الأمور لا تتوافق في حلولها مع منظور الدستور لها وبدأ الشرخ يتسع بين القادة الحاكمين وباتت المحكمة الاتحادية العليا مرجعا للفصل في النزاعات التي لا تنتهي بينما المدعي العام يسد أذنيه مرغما عن الكثير من القضايا التي تثيرها المناكفات السياسية بين الكتل وأيضا تحت ذريعة الالتزام بالدستور والتقيد ببنوده .

إن أهم معضلة كان الجميع يسكت عن إثارتها تغول الاخوان الكرد وتجاوزاتهم على هذا الدستور أمام مرأى ومسمع الجميع دون أن يحرك منهم أحدا ساكنا حتى باتوا يؤسسون لدولة مستقلة ليس ضمن وحدة العراق على أساس كونفدرالي (والكونفدرالية هي اتحاد مجموعة من الدول المستقلة أصلا وللابتعاد عن الخوض فيه فالاتحاد الأوربي مثال واضح وقريب للكونفدرالية) بل دولة مستقلة استقلالا تاما منعهم عن إثارته رغبتهم في ضم محافظة كركوك إلى هذه الدولة والتي كان الدستور قد حدد مادة منفردة خاصة بها هي المادة (140) والتي تنص على إجراء استفتاء لسكانها حول رغبتهم بالانضمام إلى كردستان العراق من عدمه وهي غنية عن التعريف كما هي غنية في ثرواتها الطبيعية .

إن الدولة الكردية كانت حقيقة قائمة على ارض الواقع ونحن في العراق كمواطنين نعرف هذا بدلالة إن من يريد السفر إلى إحدى محافظات الإقليم عليه أن يجد كفيلا كرديا فيها كما يجب عليه أن يدفع مبلغ عشرة آلاف دينار كضريبة للدخول ناهيك عن الإجراءات التفتيشية التي تعقد الموقف واهون منها ما يجري على الحدود بين الدول أما السؤل العربي العراقي فانه يعرف هذا لكنه يغض الطرف عنه تلبية لمتطلبات التوافق التي فرضوها على أنفسهم كعرف سياسي يعملون عليه بما فيهم السيد رئيس الجمهورية الكردي القومية والذي يفترض به دستوريا أن يكون الراعي والحامي للدستور وعندما احتلت عصابات داعش الإرهابية القذرة ما يقارب ثلث مساحة العراق كانت الفرصة سانحة لقوات البيشمركة للدخول إلى مركز مدينة كركوك وأقضيتها وأخيرا تم احتلال آبار النفط جهارا نهارا من قبل جهات حزبية كردية تحت ذريعة حمايتها من عدوان عصابات داعش رغم إننا جميعا كشعب عراقي بكل أطيافه نعرف أنها تتحرك ضمن سيناريو مرسوم لها وحدود قد رسمتها جهات خارجية تدعمها مسبقا .

أقول إن الدولة الكردية كانت قائمة بكل مؤسساتها ليس في الداخل فحسب بل حتى في الخارج ولم يبقى لإعلانها إلا الاعتراف الدولي بها والانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة وكان يتحكم في هذا السيد مسعود برزاني رئيس الإقليم .

إذا كان المواطن البسيط يدرك إن إخواننا الكرد قد عملوا على تأسيس دولتهم فهل يعقل أن يخفى هذا على قادة الدولة وهم يمتلكون ما يمتلكون من أجهزة استشعار وحس سياسي ونظرة قيادية فما الذي كان يمنعهم عن التحرك لإيقاف هذا التغول الكردي وتفرعن أسرة البرزاني واستحواذهم على النفوذ في ثلاثة محافظات مهمة من شمال العراق بل والزحف على المحافظات المجاورة كنينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك ؟

للإجابة على هذا السؤال نحتاج إلى موضوع مستقل يبعدنا الآن عن فكرة موضوعنا والتي ندعو من خلالها إلى تعديلات كبيرة أو الأحرى إعادة كتابة الدستور على أساس دولة المواطنة الواحدة من زاخو إلى الفاو يطبق بالتساوي على كل فرد بعيدا عن الانتماءات السياسية أو العرقية أو القومية أو المذهبية يلتزم به الجميع بعد أكثر من أربعة عشر عام على سقوط الصنم وتبديل قادة الدولة وتغير التعامل الدولي مع العراق ورفع العقوبات وفك الحصار عنه يضم بين ثناياه ما يؤكد وحدة العراق أرضا وشعبا في كل التفاصيل وعقوبات رادعة لمن يخالفه يكون فيه للمدعي العام صلاحيات واسعة ولمن يعصي قرارات المحكمة الاتحادية تهم تصل إلى الخيانة العظمى لا يكون فيه دور مؤثر لأي كتلة سياسية على حساب الآخرين .