22 نوفمبر، 2024 4:37 ص
Search
Close this search box.

التأريخ يسجل

في دعوات الحريصين على البلاد بشأن استقطاب الكفاءات من الاختصاصات العلمية والأدبية والفنية، مايدخل السرور والطمأنينة الى قلب المواطن، بعد أن تملكه اليأس عقودا من إيلاء الحكومة العلم والعلماء والأدب والأدباء وباقي أركان المجتمع من شرائحه المثقفة، ماتستحقه من منزلة ومكانة في المجتمع العراقي لاسيما الجديد الذي فتح أبوابه على العالم عام 2003 بعد زوال كابوس النظام الدموي القمعي الذي كان جاثما على صدره.
وهو ليس بجديد على العراق والعراقيين، فوادي الرافدين منذ فجر التاريخ، كان أرضا خصبة لكثير من الاختراعات والاكتشافات في مجالات الطب والفلك والرياضيات. ولم تبخل أمهات العراقيين بإنجاب علماء كانوا بشائر وطليعة كثير مما وصل اليه علماء الغرب اليوم، فكانوا كما يقال (اشتروا منا وباعوا علينا). أما في مجال الفنون، فان مخطوطات الأولين ورسومهم مازالت شاخصة في آثار أور وبابل ولكش، لتشهد انهم أول من ابتكر فن الزخرفة على مشيداتهم، كما انهم اول من اخترع البناء المقوس الذي أثبتوا متانته فيزياويا. ولهم قصب السبق في استغلال الآجر باستحداث فنون العمارة الجديدة، والوثوب به الى قمم شاهقة في معابدهم التي أسموها “زاقورة” وترجمتها “القمة المرتفعة”. كل هذا حدث منذ ألوف السنين، وكان لقادة هذه الرقعة الجغرافية وملوكها ورؤسائها الباع الطويل واليد الطولى في رفد العلماء، وفتح ابواب خزائن الدولة وبيوت المال، فضلا عن ابواب قصور الخلافة والدولة، وتسخير الطاقات البشرية والمادية لدعم الكفاءات والقدرات من ذوي العقول، لإيصال علومهم وجديد إختراعاتهم الى دول المشرق والمغرب، الذين بدورهم استمدوا من تلك العقول أفكارهم، وطوروا عبرها صناعاتهم وباقي مرافق حياتهم. ويشهد بذلك المؤرخون والكتاب الذين تزخر مؤلفاتهم بانجازات العراقيين القدماء. فهذا الشاعر علي الجارم ينشد في قصيدة مطولة يعرض فيها ماوصلت اليه بغداد، وهي قلب العراق من عمران ورقي في الفنون والأدب، الأمر الذي مجدها وخلدها قرونا وأجيالا متعاقبة، يقول علي الجارم:
بغداد يابلد الرشيد
ومنارة المجد التليد
ياسطر مجد للعروبة
خط في لوح الوجود
بغداد يادار النهى
والفن يابيت القصيد
نبت القريض على ضفافك
بين أفنان الورود
ولا أستطيع الجزم ان قادة العراق الحاليين جميعهم مطلعون على كل هذه المؤرخات والقصائد في حق بلدهم العراق، فهل سأل أحد منهم نفسه يوما؟ هل سأحتسب في مقبل الأيام من القادة الذين أسهموا في نشر العلم والأدب وباقي المعارف، بفتح بابي للعلماء وطلاب العلم؟ وأدخل بذلك سفر التاريخ كقائد حدث في عصري تقدم وازدهار؟. أم سينشد الشعراء غير ذلك في عرقلتي سير العلم ومحاربة الرقي كما أنشد شاعر:
بغدادُ يابغداد يابلد الرشـــيد
ذبحوك ياأختاه من حبل الوريد
جعلوكِ يا أختاه ارخص سلعة
باعـوكِ يا بغداد في سوق العبيد
ويل لبغـداد الرشـيد و أهلهـا
فهولاكو في بغداد يولد من جديد
وعدوا بتحريـر العراق و أهلـه
وعدوك يا بغداد بالعيش الرغيد
زهدوا بدجلةَ والفرات وعرضهم
باعوك في الحاناتِ بالثمن الزهيد
فمن أي الصنفين من القادة يحب أن يكون قادتنا اليوم؟ وكيف يريدون أن يذكرهم التأريخ، إذا علموا أن سجله لايفوته تثبيت كل صغيرة وكبيرة.. صالحة وطالحة.. سلبية وإيجابية.. مشرّفة ومخزية.. إلا ودونها بالخط العريض ليطلع عليها الأجيال مدى الدهر.
[email protected]

أحدث المقالات