في خضم الصراعات الإقليمية والدولية يواجه العراق الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية لكن تطفو إلى السطح الأن قضية خطيرة بل قد تكون الأخطر في تشكيل مستقبل البلاد وسيادتها، وهي قضية الحدود البحرية مع الكويت. فالموقف الرسمي العراقي الحالي ممثلاً بالحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، يبدو في حالة خمول غريب إزاء تطورات خطيرة تتم على حدود العراق الجنوبية، تحت أعين الجميع.
لقد أقدمت الكويت خلال السنوات الماضية، وبصمت مريب، على إنشاء جزر اصطناعية وتغيير معالم الساحل الطبيعي بهدف فرض أمر واقع جديد في مياه خور عبد الله. هذا التحرك يُعد خرقًا واضحًا لاتفاقيات الأمم المتحدة بشأن الحدود البحرية، ومحاولة متعمدة لتوسيع النفوذ الكويتي على حساب حقوق العراق التاريخية في الموانئ والمياه الإقليمية.
ولم يكن هذا التحرك معزولًا أو عابراً بل تم بشكل منهجي ومدروس ليصل إلى مرحلة التصديق الدولي في الأمم المتحدة بحلول فبراير 2026. ومع اقتراب هذا الموعد، تتزايد المخاوف من أن الحكومة العراقية، بصمتها أو تقاعسها، تكون قد شاركت بطريقة غير مباشرة في تثبيت واقع جائر، بل خانت أمانة الأرض والماء التي استُشهد من أجلها آلاف العراقيين في الحروب والمواقف الوطنية.
أي تهاون أو قبول بهذا الوضع هو بمثابة استسلام لسياسات الهيمنة، وهو ما تفعله إسرائيل تمامًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تبدأ بخطوة ثم تفرض واقعًا لا يمكن الرجوع عنه. فهل أصبح العراق ساحة مفتوحة لفرض الوقائع كما يحلو للدول المجاورة، بينما ينشغل الساسة بصراعاتهم الفئوية ومصالحهم الخاصة؟
يا سوداني، لا تتحدث عن السيادة ما لم تكن مستعدًا للدفاع عنها. وإن لم يكن في يدك القرار، فعليك على الأقل أن تحيل الملف فورًا إلى البرلمان العراقي ليناقشه علنًا، أمام الشعب والتاريخ، وألا تسمح بأن يُمرر هذا العبث خلف الكواليس أو بمراسلات دبلوماسية باهتة.
كما يجب تقديم طلب رسمي لإحالة النزاع إلى المحكمة الدولية، باعتباره قضية ترسيم حدود غير قانونية تم العبث بها من طرف واحد، وهو ما يوفر للعراق سندًا قانونيًا دوليًا لوقف المخطط الكويتي وإبطال أي تصديق أممي قادم قبل موعد فبراير 2026.
المسألة لم تعد خلافًا تقنيًا، بل هي قضية وجود وكرامة وطن. ومن لا يستطيع الدفاع عن حدود العراق ومياهه، فلا يستحق شرف تمثيله أمام العالم. وليُسجل التاريخ أن من يتنازل عن شبر من تراب العراق أو نقطة من مياهه سيُلعن لا في الدنيا فقط، بل في ضمير الأجيال القادمة التي ستدفع ثمن تفريطكم.
التأريخ العراقي لن يرحم يا سوداني، فافعل ما يليق باسم العراق أو تنحّ.