18 ديسمبر، 2024 6:47 م

البُعد المُضْمَر في النَهضَة الحُسَينية

البُعد المُضْمَر في النَهضَة الحُسَينية

(1378) سنة، ولا زالت تختزل موضوعة “نهضة الحسين” تحت أطر النقاش المنضوي، حول الخلاف في آليات تداول السلطة أو قيادتها! أو في منحى الأحقية في خلافة المسلمين، أو في سيرة الأولياء والأئمة والصالحين، من منظار إنقاذ الأمة من شبح الحكومة المتسلطة، أو من حيث المقارنة بين مزايا الحسين الإلهية الملائكية النبوية، قبالة تعاظم إنحطاط يزيد وتسافله في المجتمع والأمة الإسلامية، ومن على منبر خلافة رسول الله..!

الهدف من النهضة الحسينية أوسع بكثير من موضوعتها التأريخية، الذي يختزل حكومة يزيد كطرف أساسي في المعادلة، ويصور ثورة الحسين بأنها جاءت لتقويض حكم يزيد، الذي تراه لاعب أساسي في إنحراف مسار المجتمع، وهذا ما يجعل الجانب الرئيسي ذو الاولوية القصوى من النهضة يُضمر ويتلاشى، تحت سرعة إنتشار تلك الأفكار المغلوطة، والقراءة الخاطئة للنهضة الفريدة والنوعية، عبر مر الأجيال المتعاقبة، وما سبقها من الأزمنة والعصور.

لم تكن حكومة يزيد وعلى الرغم من تهاونها بحياة الأمة الإسلامية، إلا دالة أو طرف ثانوي! فتح المسار والطريق امام الطرف الرئيسي الأول، وهو ما يسمى ( القداسة السلبية أو وهم القداسة )، والذي تختزله “عامة الجماعة” وتؤمن به في طاعة الخليفة طاعة ترى فيها حتى الجريمة على يديه مبررة ومشروعة اسلاميا! من باب تقديس الموضع أو المنصب الذي يشغله، بأستجلاب بعض التفاسير الركيكة والمحرفة والموضوعة، من روح النصوص القرآنية، وهذا ما يقودنا الى قداسة مفتعلة للخليفة! أنتجتها سذاجة وجهل وتغرير وتضليل الناس، من حيث وجود الخليفة على المنبر لا من حيث أفعاله, أو تصرفاته, او أخلاقه, أو قربه من الله تعالى, أو الرسول, أو القرآن.

أذن من هذا القدر نفهم بأن الثورة االحسينية؛ هي حرب (إسلامية – إسلامية) وعلى فرق التزييف والحقيقة، بمعنى إن نهضة الحسين جاءت لتستأنف وجود الأسلام الحقيقي، الذي أتى به الرسول محمد، بعد توقف أو تعطيل أو ما نسميه الأنحراف بالدين عن جادة الطريق! من قبل عامة الحكم الأموي، وهذا ما يجعلنا أما سؤال بديهي يقول: لماذا يزيد وليس معاوية تمثل بالطرف الثانوي؟ الذي يكشف ويوصل الى هذا الجانب، وقد تكون الإجابة على هكذا تساؤل، تكمن في الوقت والشخصيات التي تحقق الهدف، أي أنه في زمن يزيد ستعطي نتائج أفضل، فيما لو كانت في زمن آخر أو مع طرف آخر.

نصل الى حقيقة نلخص بها ما سبق من كلام فنقول: هنالك هدف رئيسي قابع، وراء الهدف من الثورة ضد حكومة يزيد، يتمثل ويتحدد ذلك الهدف بأهم أمرين هما:
• إستئناف وإعادة العمل بالإسلام الحقيقي! بعد إستبعاده عن طاولة التداول في حكم الأمة.
• القضاء على شيء إسمه “وهم القداسة” والذي يُلزم عامة الناس بإطاعة الخليفة أو الأمير أو الحاكم! طاعة تفوق مساحة الظلم والتهاون والتلاعب في حياة الأمة! وهذا ما ينتج ثقافة مزدوجة ببعدين متداخلين عند عامة الناس.

إذن الثورة الحسينية كان مقدرا لها بأن تقوض الإسلام المزيف أولاً، وتستأنفه بالإسلام الحقيقي، فوجدت يزيد هو طرف الحبل الذي سيصل بها الى الغاية الرئيسية والمرجوة من الثورة، من باب آخر حاربت المفاهيم الخاطئة في تقديس الخليفة بفحوى الخلافة، لأن الحسين يرى وجود الإسلام الأموي سيعرض الامة للهلاك والإسلام للضياع، ووجد تلك القداسة ستنتج مجتمع وجماهير تمتهن الإرهاب والقتل وسفك الدماء، بأسم الدين أو المذهب أو تلك المسميات، كما يبرر اليوم عامة أهل السنة، جريمة قتل الحسين، بأنه خرج على حرب الخليفة المطاع! متناسين من أن الحسين هو أبن رسول الله وخليفته الحقيقي، ومايزيد إلا فاجر فاسق على حد قول الحسين.

وهذا ما بدى واضحا اليوم بإنتاج عصابات داعش، وفكرها الإجرامي في المجتمع، والتي تستمد فحوى جرائمها، من فتاوى الخليفة أو الأمير في بعض الدول العربية التي تؤمن بذلك الفكر الإرهابي، إذ ومازالت والى اليوم ( أبناء تلك الجماعة العامة) يرون عدم طاعة الخليفة أو العالم عندهم في ارتكاب جريمة ما، تعتبر جريمة بحد ذاتها بفحوى الخروج على ولي الآمر وعدم طاعته، فأنتج مجتمعات ومجاميع منحرفة عن جوهر الإسلام والمذهب الحقيقي، تقتل وتهجر وتعذب وتنتهك الأعراض بأسم الدين، فكانت وما زالت نهضة الحسين تدعو للقضاء على تلك الأفكار، لتبين للعالم والإنسانية إجرام الأسلام الصوري والإرهابي، الذي يتدين به يزيد وإباءه وأبناءه وحزبه وسلفه، إمتدادا الى هذا العصر.